د.ابتهال الخطيب تتهم الأصوليين باغتيال الثورات ونهب نتائجها، وتؤكد أن الليبرالية لا ترسم منهجية، لكنها تحرر الإنسان من القيود
زاوية الكتابكتب أغسطس 15, 2011, 12:36 ص 1279 مشاهدات 0
الجريدة
صح النووووووم
د. ابتهال عبدالعزيز الخطيب
صح النووووووم
الليبرالية لا ترسم منهجية، ولكنها تحرر الإنسان من القيود التي تمنع عنه الانطلاق في رسم منهجيته والإمعان في محاولاته من أجل حياة أفضل وأخلاق أفضل وعدالة أعم وأشمل.
كتبت الزميلة لمى العثمان تفنيداً رائعاً لما ورد على الصفحة الإلكترونية للتيار التقدمي، وعلى ألسنة بعض أعضاء التيار سواء في “تويتر” أو في مقالات صحفية من اتهامات وإساءات للفكر الليبرالي لا أجد لها تبريراً أو غاية أو منفعة، والحق أقول إن هذا المنحى الهجومي هو بحد ذاته معضلة التيارات “التنويرية” المتقدمة، فعوضاً عن أن تتعاضد هذه التيارات الفكرية في مواجهة الفكر الرجعي الآخذ في السيطرة، تتصارع فيما بينها بشكل، وأقولها بكل وضوح وصراحة، يثير الغثيان من جهة، والضحك والشماتة من جهة أخرى، في مشهد يذكر بـ”فتح” و”حماس” وهما تمسكان بتلابيب بعضهما غير واعيتين لدبابات إسرائيل التي تحوطهما من كل حدب وصوب.
لم يكن الرد صحفياً وارداً لدي، وأصدقكم القول، فقد كنت خجلى من تعرية هذا الصراع المحرج من جهة، وكنت منبهرة من وحشية ما يقال من جهة أخرى حتى تعذر الرد، ولكن التفنيد الرصين لقلم لمى العثمان أنعش الشهية للخوض البحثي في موضوع الليبرالية التي يهاجمها اليوم، وللأسف الشديد، من يجب أن يعول عليها وعلى أصحابها في مساندة فكره وتياره الذي لن يجد صدى عند أحد غير أصحاب الفكر الليبرالي الحقيقي الرصين.
والليبرالية كما يقول رائد قاسم هي “ليست نظاماً أو نهضة أو حركة تهدف إلى خوض صراع ضد منظومة معينة، ولكنها متناقضة بشكل عام مع أي حركة شمولية قائمة على الاحتكار والاستئثار”، وهي تعني كما يشرحها تركي الحمد “أن يحيا (الإنسان) حراً كامل الاختيار في عالم الشهادة، أما عالم الغيب فأمره متروك في النهاية لعالم الغيب والشهادة. الحرية والاختيار هما حجر الزاوية في الفلسفة الليبرالية”، كما يقول عبدالكريم سروش إن الليبرالية رسخت مفاهيم كانت في السابق مرفوضة ومنبوذة مثل “مفهوم العقد contract ومسؤولية الدولة تجاه الشعب، والحقوق الطبيعية (الفطرية) للمواطنين، ومبدأ التنافس، والحرية، والفردية، والشك على المستوى المعرفي، ونبذ الأرستقراطية، والحياد الفكري للسلطة، والتسامح، والتحرر”.
تلك هي إذن الليبرالية بعمقها الفكري الفلسفي، هي منهجية كل المناهج، وفكرة احترام كل الأفكار، هي ليست نظاماً، ولكنها فكرة تحرير الأنظمة من استبداد بعضها ببعض، هي ليست حركة، ولكنها فكرة شمولية لكل الحركات وإقصائية لتحكم وسيطرة أي منها. ومما لا شك فيه، أن الليبرالية في بدايتها بنيت على “التحرريات” الثلاثة: تحرير الإنسان من تسلط رجل الدين المستبد، وتحرير المحكوم من سيطرة الحاكم الظالم، وتحرير السوق من تحكم التاجر الجشع.
ومن هنا، انطلقت النظريات الاقتصادية المختلفة، والتي منها الرأسمالية المطلقة المنبوذة اليوم، في محاولة لإيجاد تطبيقات صحيحة لفكرة تحرير السوق، كما انطلقت النظريات السياسية والاجتماعية المختلفة، منها الناجح ومنها الفاشل، لتحرير الإنسان من الحاكم الظالم ورجل الدين المستبد.
لذا، فإن الرأسمالية الجشعة التي ينتهجها اليوم محافظو، وليس ليبراليو، أميركا، ما هي إلا إحدى نظريات تحرير السوق التي لا يتحمل الفكر الليبرالي في فلسفته وأصوله الخالصة مسؤوليتها، فالفكر الليبرالي اعتمد فكرة تحرير السوق من التاجر الجشع ولم يقدم منهجية محددة، وما المنهجيات المتعددة المتتالية سوى محاولات مختلفة من ليبراليين وغيرهم من تقدميين ويساريين بل إسلاميين ومسيحيين، لإيجاد منفذ تحريري للسوق، نجح مرات وفشل مرات أخرى.
هذا، ويبقى مصطلح “الليبراليون الجدد”، وهو مصطلح يقترب من وصف محافظي أميركا وسياسيي العرب المؤازرين لسياسات أميركا ولا يقترب من وصف الفكر الليبرالي الحقيقي، مصطلحا هائما عائما يشتت أكثر مما يجمع، وهو يبدو أنه يطلق اليوم على من يميل إلى السياسات الأميركية خصوصاً في قضية التطبيع مع إسرائيل ومع الرأسماليين المسيطرين على السوق الجشع، ولا أرى له علاقة بالفكر الليبرالي الحقيقي سوى باستخدامه فكرة “التحرير” التي تبتذل اقتصادياً من قبل “المحافظين” دون غيرهم.
لقد جاء “تجريح” المبدأ الليبرالي تحديداً في أهم مبادئه: الأخلاق والمساواة والعدالة الاجتماعية والتي يعتقد الفكر الليبرالي بتحققها جميعاً بتحرير عقل الإنسان وتمكينه من الإبداع، فالتحرير والتمكين وهذان يتطلبان أن يخطئ الإنسان ويصحح خطأه، لذا فالليبرالية لا ترسم منهجية، ولكنها تحرر الإنسان من القيود التي تمنع عنه الانطلاق في رسم منهجيته والإمعان في محاولاته من أجل حياة أفضل وأخلاق أفضل وعدالة أعم وأشمل.
الاعتراف بالحق فضيلة، حفنة قليلة غالية هي المؤمنة بفكرة بتحرير الإنسان وبحقه الخالص في الاختلاف الممعن، فمتى نعي حجمنا أولاً ومعضلتنا الحقيقية ثانياً لنوحد الصفوف الفكرية التنويرية؟ الحكام المستبدون يتساقطون الواحد تلو الآخر ليشمر الفكر الديني الأصولي عن ساعديه ليغتال الثورات وينهب نتائجها، ونحن هنا، نتصارع صراعاً فقيراً خاوياً هو حبر على ورق، متى نصحو؟
تعليقات