لمى فريد العثمان مصدومة لأن التيار التقدمي الكويتي الجديد شوه الفكر الليبرالي
زاوية الكتابكتب أغسطس 12, 2011, 12:23 ص 2190 مشاهدات 0
الجريدة
إلى التيار التقدمي: إنه عصر الليبرالية الاجتماعية
لمى فريد العثمان
إلى التيار التقدمي: إنه عصر الليبرالية الاجتماعية
«نحن لسنا ليبراليين وإنما نحن تقدميون» هكذا يعرف نفسه التيار التقدمي الكويتي الجديد الذي أسسه الأستاذ أحمد الديين مع مجموعة من الأشخاص، جميل أن «تتنوع المنابر وتتعدد التعبيرات السياسية» كما يقول الأستاذ الديين، لكن ما شكَّل لنا صدمة كبيرة هو سعي التيار لتشويه الفكر الليبرالي في إطلاق حكمه الجائر أن «الليبرالية غير معنية بقضية المساواة والعدالة الاجتماعية». فالتيار التقدمي يختزل الليبرالية بشكل تبسيطي تسطيحي في مفهوم الرأسمالية التي سقطت بشكلها المتوحش، ليعمم ذلك السقوط على الفكر الليبرالي برمته، السؤال الذي لم أجد له إجابة بعد: كيف يغيب عن التيار التقدمي ما يحدث في الدول الأوروبية التي نجحت في تطوير وتأسيس «الليبرالية الاجتماعية» (أو الديمقراطية الاجتماعية) التي تعنى بالعدالة الاجتماعية وتسعى للحد من الاستغلال والقهر والفقر، وهو نموذج يختلف تماماً عن نموذج الرأسمالية النيوليبرالية في أميركا؟
ولكن لا يرى التيار التقدمي في الليبرالية سوى ذلك النموذج النيوليبرالي الرأسمالي الذي يرفضه الليبراليون الاجتماعيون بل ويقفون على النقيض منه ولطالما انتقدوا سياساته الجشعة. وهل يعرف التيار التقدمي أن ما ينادون به من عدالة اجتماعية وحرية هو بالأساس شعار رفعته «الليبرالية الاجتماعية» التي تطورت بعد فشل الاقتصاد المطلق غير المقيد، إذ تسبب في الثلاثينيات من القرن الماضي بتداعيات سلبية كثيرة كانتشار الفقر واتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء وتدني أوضاع الطبقة العمالية والبطالة، الأمر الذي أدى إلى الركود الاقتصادي الشهير في عام 1929، ليطور الليبراليون بعد ذلك المفهوم الليبرالي الاقتصادي لإدراكهم أهمية الرقابة الحكومية الضابطة للاقتصاد في ضمان الحد الأدنى من الرفاهية والمساواة والعدالة الاجتماعية، من خلال الدمج بين فلسفتي الرأسمالية والاشتراكية، الأمر الذي يجنب تطرف كلتا النظريتين اللتين طبقتا بشكل صرف فلم تحققا الأمن والعدل الاجتماعي ولم تخففا من المعاناة الإنسانية. ذلك هو الطريق الوسط (أو الطريق الثالث) لفلسفة «الليبرالية الاجتماعية» التي تتبناها الدول الأوروبية والتي تسمى أيضاً بالديمقراطية الاجتماعية، التي يعاد الاعتبار لها اليوم في أميركا بعد الأزمة المالية الأخيرة. وإذا كان من درس مستفاد من التجارب الاقتصادية التاريخية التي أثبتت سقوط الرأسمالية بشكلها المتوحش كما أكدت انهيار الاشتراكية بشكلها الشمولي المستبد، فهو أن «الليبرالية الاجتماعية» أتت لتعالج اختلال النظريتين لتوازن بين تنافسية القطاع الخاص وتحقيق العدالة الاجتماعية من خلال قوانين الحد الأدنى من الأجور والتأمين الصحي والتعليمي والمعونات الاجتماعية للعاطلين عن العمل ورعاية الطفولة وكبار السن والمحتاجين وغيرها.
يقول الأستاذ العزيز وليد الرجيب «إن الليبرالية لا أخلاقية ولا يهمها صحة الإنسان أو تعليمه أو رعايته الاجتماعية، ما لم تحقق هذه الخدمات الربح لها…» ونحن نرد على الأستاذ الذي نكن له كل الاحترام والتقدير، أن الليبرالية لا تنحصر في قالب الرأسمالية (النيوليبرالية) التي تتبناها اليوم الحركة اليمينية للمحافظين الجدد في أميركا، فالليبرالية كالاشتراكية تتراوح وتتفاوت في معناها ومبناها من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال، ووضعها في قالب واحد ثابت هو تبسيط لتطورها التاريخي المتشعب وعدم اعتراف بالليبرالية العدلية التي أسسها الفيلسوف الليبرالي جون رولز أحد أهم فلاسفة القرن العشرين، وهو من وصف النظام العالمي بالرأسمالية المتوحشة الجائرة وهو من انتقدها وكتب عن نظرية العدالة.
إن الليبرالية الاجتماعية فلسفة أخلاقية تتمحور حول الإنسان وحقوقه، ولها إرث تاريخي من النضال من أجل استقلال الإنسان وعتقه من الثقافات الشمولية وتحريره من الاستبداد والقهر والطغيان، فلا يمكن أن تستقيم الديمقراطية دون قيم التعددية والتسامح والحريات السياسية والمدنية وحرية الاعتقاد والتي لولا الفلاسفة الليبراليون لما تأسس على أثرها «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان». كما لا يمكن أن تكون معركة الليبرالية الأساسية، كما يقول الأستاذ الرجيب، هي مع الدين، إنما مع التعصب والطغيان والاستبداد بكل أنواعه بل هي تدافع عن حق الانتماء الديني للأقليات، وها هي الأديان في المجتمعات الليبرالية تنعم بالحرية والاستقلالية.
إنه عصر الليبرالية الاجتماعية الآخذة في الازدهار والرواج في الكثير من الدول الأوروبية لا كما يقول أستاذنا إنها انتهت منذ الثمانينيات… فهل تلتفت لها الشعوب العربية التي انتفضت من أجل الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية؟
تعليقات