قاصدا البراك.. بعض نوابنا يتحدثون عن الميناء وكأننا دولة عظمي ويريدون إحراج الحكومة

زاوية الكتاب

كتب 1383 مشاهدات 0



الجريدة
ميناء مبارك الكبير والحقيقة المرة
حسن مصطفى الموسوي

ميناء مبارك الكبير والحقيقة المرة

لعل من أكثر القضايا التي يجب أن يتم التعامل معها بعيدا عن العواطف هي تلك المتعلقة بالسياسة الخارجية، ذلك لأنه عالم تحكمه شريعة الغاب ولغة المصالح لا المبادئ وحقوق الإنسان كما تحاول الدول الكبرى إيهامنا, فكم من دول كانت لها حقوق في ما تراه مناسبا ومتناسقا مع سيادتها، لكنها سحقت لأن مصالح الدول الكبرى اقتضت ذلك.
قيل الكثير عن ميناء مبارك الكبير، وخرجت بعض الأصوات في العراق تنادي بإلغائه بحجة أنه سيخنق رئته البحرية، وفي المقابل صدرت من عندنا أصوات أقل ما يقال عنها أنها لا تعي أبعاد التصريح بهذا الملف بالذات، ودون أن يدركوا أن ردات فعلهم العاطفية تخدم أجندة بعض الأصوات العراقية التي صعدت هذا الموضوع واستخدمته في الصراع الداخلي العراقي.
فللأسف أن بعض نوابنا (كما هي حال بعض النواب العراقيين) يريدون استخدام ملف الميناء في معركتهم ضد حكومتهم بغية إحراجها، وتسجيل النقاط عليها مثلما يستخدمون المال العام في هذه الأيام للغرض نفسه.
فالنائب مسلم البراك مثلما قال إن وزير الخارجية تعامل مع هذا الملف بمنطق الضعف، وهو ما دفع بالكاتب نبيل الفضل إلى إقرار ذلك، وبأننا ضعفاء لأننا وببساطة مليون مقابل 23 مليونا، وبقدر ما أن كلام الأخير مؤلم ولا يشبع غرورنا وكبرياءنا إلا أنه كلام صحيح 100%.
 فبعض نوابنا الأشاوس يتحدثون وكأننا دولة عظمى بينما الحقيقة المرة تقول إننا دولة صغيرة مساحة وسكانا محاطة بثلاث دول كبرى في المنطقة؛ تفوقنا بأضعاف مضاعفة من ناحية القوة والمساحة والتعداد، كما أننا نعتمد على الدول العظمى وعلى رأسها الولايات المتحدة للدفاع عنا، وهي علاقة ليست بأبدية شئنا ذلك أم أبينا لأن ما يحكم هذه الدول العظمى هو المصالح، ومتى ما رأت مصلحتها في التخلي عنا فإنها ستفعل ذلك دون أي حرج لتتركنا لقمة سائغة للآخر.
هذا لا يعني بالطبع ألا تكون لنا سيادة على أراضينا، فبيدنا قرار بناء الميناء من عدمه حتى لو لم يوافق عليه الآخرون، لكن الحقائق التي ذكرناها تحتم علينا مراعاة دول الجوار في القضايا التي تشكل هاجسا لهم، وهو ما يتطلب الحوار معهم لا استخدام لغة الصراخ والتهديد والوعيد التي تعود النواب على استخدامها مع الوزراء في قضايا الكوادر والتجاوزات الإدارية، فظنوا أن باستطاعتهم استخدام نفس هذا الأسلوب مع الوزير المعني في ما يخص العلاقات الخارجية، مثل قول البراك إن «أي استقبال لأي وفد عراقي سيعتبر إهانة للشعب الكويتي» وهو بحد ذاته قول فيه إهانة للعقل والمنطق. فالمشاكل مع دول الجوار لا تحل بالعنتريات وبلغة «الأبضايات»، بل بالحوار الهادئ بعيدا عن الإعلام، وهذا هو دور وزير الخارجية.
لذلك، من الضروري جدا التفاهم مع الجانب العراقي لأن ميناء بهذه القدرة الاستيعابية الكبيرة موجه بشكل أساسي لخدمة السوق العراقي وليس الكويتي، فإذا رفض العراق مرور البضائع إلى أراضيه من هذا الميناء فسيكون مشروعا فاشلا، والمشكلة أن النائب البراك يعي هذه القضية بل توقع في تصريحه أن يبادر العراق إلى إغلاق مركز صفوان الحدودي والاشتراط على الشركات الأجنبية جلب بضائعها عبر الموانئ العراقية فقط، ومع ذلك يصر على بناء الميناء بطاقته الاستيعابية الكبيرة وبدون أي حوار، والذي سيؤدي إلى هدر في المال العام (هاي شلون طرقاعة يا ناطور المال العام)؟
الخلاصة أن الحوار والتفاهم أو حتى التعديل سواء من جانبنا أو جانبهم ليس عيبا، فقبل أيام قرأت أن الرئيس الأسبق بيل كلينتون سئل عن سبب مساعدته لروسيا، فأجاب: «ساعدناهم لأننا مجبرون على تقاسم المستقبل، فالتفكير في أن انتصار الواحد يعني خسارة الآخر غير ممكن في القرن الحادي والعشرين». كم أتمنى أن يعي نوابنا هذه الأمور، أما إذا أصروا على منهجهم هذا فليتهم يطبقونه بشكل متساو على جميع دول الجوار، ولنا في مصفاة الزور عبرة!

الجريدة

تعليقات

اكتب تعليقك