موروث شعبي محفور بالذاكرة الكويتية
مقالات وأخبار أرشيفية'ناصفو ودق الهريس والقريش' أفضل الأطباق برمضان
يوليو 26, 2011, 10:28 ص 6785 مشاهدات 0
تحفظ الذاكرة الشعبية الكويتية العديد من المناسبات والطقوس الفلكلورية التي حرص أهل الكويت على ممارستها قديما استعدادا لشهر رمضان المبارك ويميلون الى المحافظة عليها حاليا كموروث شعبي واجتماعي رغم المتغيرات المحيطة والمتسارعة في عصرنا الراهن.
وقال الباحث في التراث الكويتي الدكتور عادل العبد المغني لوكالة الانباء الكويتية (كونا) اليوم ان تلك المناسبات والطقوس الفلكلورية الكويتية استعدادا للشهر المبارك تحفل بمسميات عديدة ومنها على سبيل المثال (ناصفوه ودق الهريس والقريش).
وأضاف الدكتور العبد المغني ان ليلة (ناصفو) من العادات الجميلة والخاصة بالأطفال وتكون غالبا في 15 شعبان وقد تمتد الى الثلث الاخير منه حيث يتجمع الأطفال عقب صلاة العشاء ويجلب كل منهم قليلا من الطعام وتسمى (شروكه) مرددين اهزوجة (ناصفو ناصفو سلم ولدهم).
واوضح أن (القريش) ويلفظ بالكاف اي (الكريش) وهو اليوم الذي يسبق حلول الشهر المبارك بيوم واحد بمعنى آخر يوم يتم فيه تناول وجبة (الغداء) قبل الصيام فتقام وليمة عامرة تجمع أفراد العائلة تضم الوجبات الشعبية وغيرها لوداع أيام الافطار العادية واستعدادا لبدء الصيام في اليوم التالي.
وذكر ان (القريش) تطلق في الاصل على بقايا الطعام الموجود في المنزل الذي لا يصلح للتناول في اليوم التالي الذي يصادف أول يوم من رمضان كالسمك المجفف والتمر القديم والأرز.
وبين ان الكويتيين يحتفلون بهذا اليوم لوداع شهر شعبان واستقبال شهر رمضان وذلك يوم رؤية هلال رمضان سواء صادف آخر أيام شعبان بالفعل أم لم يصادف وذلك خشية الانتظار حتى ثبوت الرؤية التي قد تفاجئهم ببدء الصوم قبل الاحتفال (بالقريش).
واشار الدكتور العبد المغني الى ان كلمة (القريش) تدل على صغر الوجبة أو قيمتها المادية ومن هنا جاءت التسمية حيث كانت كل أسرة تجود أو (تقرقش) بما لديها من طعام وتعتبر آخر وجبة يتناولها أهل البيت معا قبل بداية شهر الصوم في وضح النهار.
وقال ان الاسماك غالبا ما تمثل الوجبة الرئيسية من القريش خصوصا المجفف منها علما ان الاعتقاد السائد ان تناولها يزيد الشعور بالعطش في فترة الصيام.
وذكر ان لهذا اليوم مكانة كبيرة خصوصا لدى ربات البيوت اللواتي يمارسن طقوسهن الخاصة بهن فيقمن بتنظيف المنازل وتبخيرها وتعطيرها ورشها بماء الورد والعطور كما يحرصن على تجهيز وتحضير الآواني والقدور ذات الحجم الكبير الخاصة بشهر رمضان ويتزين بالحناء.
وبين ان النسوة أوجدن هذه العادات بسبب الخشية من تلف الطعام القابل للأكل في ذلك اليوم خصوصا مع ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة وعدم وجود ثلاجات لحفظ الأطعمة ولأن أفراد الأسر سابقا كانوا يتناولون الطعام المتبقي صباح اليوم التالي بعد ان يتم حفظه (بالملالي).
وعن العبارات التي كان يرددها أهل الكويت في تلك المناسبة ذكر منها (اليوم قريش.. وباكر نطوي الكريش) مستطردا ان 'الكريش' المقصود بها (الكرش)أو البطن بمعنى انه يتعذر الاكل والشرب خلال النهار مع بدء اول ايام رمضان حيث يطوى (الكرش) من الجوع.
وقال الدكتور العبد المغني انه في مثل تلك الايام كانت بعض الفرق النسائية تطوف على منازل الشيوخ وكبار التجار تغني أغنية خاصة بالقريش.
واشار الى أن الاحتفال بيوم قريش يتم حسب ظروف كل اسرة فبعضها من اعتادت على التجمع في منزل كبير العائلة (العود) ويعني باللهجة الكويتية أكبر شخص في العائلة سنا وقدرا حيث يتجمع الاباء والابناء والاحفاد للاحتفال بقدوم الشهر الفضيل وهي من العادات التي مازال اهل الكويت يحرصون عليها.
وذكر ان التجمع ربما يكون عند احدى السيدات الكبيرات بالسن التي تتمتع بأكبر قدر من الاحترام والتقدير في الفريج وتبدأ فترات التجمع بعد الساعة التاسعة صباحا ويطلق على هذه الفترة 'الضحى الكبير' حيث يبقين الى بعد فترة الغداء أي يكون تناول الطعام على فترتين الأولى في الضحى والثانية وقت الغداء.
وتابع قائلا ان النسوة كن يتوافدن على البيت محملات بما يتوفر لهن من الطعام مبينا ان وجبة (القريش) تقدم نهارا وليس ليلا وقد تتجمع النساء ليحتفلن بيوم القريش ويتوجهن الى البحر منذ الصباح الباكر ويقمن بغسل الملابس والبسط والاواني الكبيرة ويحضرن معهن الأكل والشراب وبعد الانتهاء من الغسيل يتشاركن الطعام فيما بينهن.
وعن العادات والمناسبات الاخرى ذكر بينها (دق الهريس) الذي يعد من الاطباق المشهورة والمحببة خصوصا في شهر رمضان والنوافل والهريس اكلة شعبية تجمع بين المالح والحلو وهي حبوب من القمح تطبخ مع اللحم وتهرس جيدا بالمضرب اليدوي.
وقال الدكتور العبد المغني ان تحضير وطبخ الهريس في الماضي كان يحتاج الى مجهود خاص وصبر ففي شهر شعبان يتم الاستعداد لشهر رمضان ومن هذه الاستعدادات دق الهريس فتتجمع النسوة اما على شكل جماعة أو منفردات ويضعن الحبوب بوعاء اسطواني خشبي يسمى (المنحاز) ويبلغ طوله المتر تقريبا ويكون مجوفا من الداخل وله يد خشبية طويلة تعرف باليد.
واشار الى انه بعد وضع حبوب القمح صحيحة كاملة في المنحاز تبدأ عملية ضرب الحبوب حتى تصل الى مرحلة تكسيرها وفصل القشرة السمراء عن الحب فقط ليصبح لون الحب أبيض ويسمى بعد فصله بالهريس.
وبين ان دق الهريس يصاحبه ترديد ضبع الاهزوجات الشعبية شريطة ان يتوافق لحنها مع حركة الضرب ومن ذلك (ياالله ياالله ياكريم ياهو/عمي محمد وانا اشقلت لك/هذا درو لاتمشي وراه/وعمي محمد وانا اشقلت لك).
وذكر ان الهريس لا يطبخ في الجدر بل في الصفرية وسميت بذلك نسبة الى الصفر وهو النحاس ثم تطلى بمادة فضية نحاسية مضيفا انه لدى النضج يهرس الهريس 'بالمضرابة' الخشبية ويصب في الصحون ويزين بالسكر والدارسين والدهن العداني.
واشار الى انه في مثل تلك المناسبات غالبا ما يتعاون الجيران مع بعضهم بعضا فقد تستعير الجارة من جارتها المنحاز واذا كانت الأسرة فقيرة أو متوسطة الحال ولم تكن تمتلك منحازا كانت تأخذ حبوب الهريس الى أي بيت يوجد فيه دق الهريس وتطحن عندهم.
وذكر ان الامر يختلف في البيوت الكبيرة والشيوخ وكبار التجار حيث يستأجر أصحابها عددا من الفتيات لدق الهريس وتعطى لهن اكرامية عند الانتهاء من عملهن.
وقال الدكتور العبد المغني ان 'دق الهريس' ربما يستمر طوال شهر شعبان أو لمدة اسبوعين أو أكثر قليلا حسب الهمة والنشاط ويزداد عدد 'المناحيز' في البيوت الكبيرة ليصل الى أربعة أو أكثر لانجاز العمل بشكل أسرع.
واشار الى انه في تلك الايام كان ينشط الطلب على (النكاس) أي الشخص الذي 'ينكس' أو يقلب الرحى ويقوم بتخشينها عن طريق نقرها وطرقها لتكون ذات أطراف حادة تساعد على طحن الحبوب.
تعليقات