لأسباب عددها في مقاله.. عامر التميمي يرى أن التنمية بحاجة لمعالجات منهجية تتطلب المرور بفترة طويلة من البذل والعطاء

زاوية الكتاب

كتب 733 مشاهدات 0


 التنمية تحتاج إلى فترة طويلة من البذل والعطاء

تثار في عديد من الندوات العربية قضية التنمية الاقتصادية والعوامل التي تحول دون إنجاز تطورات مهمة على أرض الواقع بالرغم من الطموحات التي تضطلع بها البرامج الحكومية لمختلف البلدان العربية.. ولكن ما تفتقر إليه الطروحات المثارة هو ماذا يمكن أن يتحقق واقعيا، والإمكانات المتاحة والعوامل التي تعرقل الإنجاز.
كما هو معلوم أن الاقتصادات العربية أصبحت ريعية بشكل أو بآخر، منذ بداية ستينات القرن الماضي، عندما أصبحت الحكومات مسؤولة عن أغلب الأنشطة الاقتصادية، وبعد تهميش دور القطاع الخاص، سواء كان ذلك بعد تنامي الإيرادات السيادية في البلدان المنتجة للنفط أو بفعل السياسات والبرامج الشمولية في البلدان الأخرى.
وقد أدت هذه السياسات، أو البرامج، إلى اعتماد هيكلي على الإنفاق العام. وحتى بعد أن تبنت بلدان مثل مصر وسوريا واليمن سياسات انفتاح اقتصادي لم يتحقق انتقالا حقيقيا في العمل الاقتصادي إلى ما يعزز توظيف أفضل للموارد الاقتصادية، ما حدث في تلك البلدان هو تمكين لمجموعات اجتماعية من الهيمنة على العمل الاقتصادي واحتكار الثروة وتفعيل أنشطة على حساب أخرى، من دون تعزيز لإمكانات التنمية المستدامة والمتوازنة. كما أن عديدا من أفراد هذه المجموعات ينتمون لفئات اجتماعية أثرت بفعل قربها من السلطة السياسية من دون أن يكون لها صلة بالطبقات الثرية القديمة التي كونت إمكاناتها بفعل الجهد والعمل على مدى سنوات وعقود طويلة.
من جانب آخر، لا بد من الأخذ بالاعتبار العوامل المؤثرة في تطوير القدرات البشرية. لقد ظلت البلدان العربية تواجه ارتفاعا مهما في أعداد السكان، قد يكون الأعلى في البلدان النامية، ويتراوح بين 2.5 إلى 3.5 في المائة سنويا، وهذه المعدلات لا بد أن تكون لها تكاليفها الاقتصادية. واكب ذلك تراجع في نوعية التعليم وغياب لاستراتيجية التنمية البشرية بما أدى إلى عدم توافق بين مخرجات التعليم ومتطلبات أسواق العمل. ولا شك في أن غياب التعليم المهني لم يسعف إمكانات الاستفادة من البشر. كان يفترض بالبلدان العربية أن تحذو حذو بلدان عديدة في آسيا مثل الهند والفلبين وكوريا الجنوبية وماليزيا في البرامج التعليمية التي مكنت البلدان من تطوير قدراتها البشرية لخدمة استراتيجياتها الاقتصادية، كذلك تصدير العمالة الماهرة إلى بلدان أخرى بما يساهم في تحصيل إيرادات سيادية من تحويلات العاملين في الخارج... غني عن البيان أن البلدان المنتجة للنفط لم تطور برامجها التعليمية، واعتمدت على العمالة الوافدة وساهمت سياساتها الريعية في تعزيز الشعور لدى مواطنيها بعدم ضرورة البذل والعطاء. إن ما تواجهه البلدان العربية الآن، في خضم الانتفاضات السياسية والمطالبات المعيشية، يمثل تحديات حيوية لمستقبلها الاقتصادي، ولن تكون الحلول يسيرة. لكن ما هو مهم هو أن تقتنع الشعوب والنخب الأساسية بأن المعالجات يجب أن تكون منهجية، وأن التنمية تتطلب المرور بفترة طويلة من البذل والعطاء قبل أن تتمكن الشعوب العربية من التمتع بأوضاع ملائمة.

عامر ذياب التميمي

القبس

تعليقات

اكتب تعليقك