التوزير في الكويت لايعتبر بالكفاءات ، بل برأى المقاطع، بالواسطة البرلمانية أو العائلية أو الإفرازات القبلية أو الطائفية

زاوية الكتاب

كتب 1026 مشاهدات 0



القبس
الديوانية
وزير في الوقت الضائع
كتب محمد عبدالمحسن المقاطع :
   
لا يوجد منطق ولا منطلقات سياسية أو فنية في التوزير في الكويت، بل هو يتم بعملية التوظيف بالواسطة نفسها، فلا الكفاءة شرط للتوزير، ولا التخصص معيار لاختيار الوزراء، ولا البعد السياسي اعتبار لمنصب الوزير، ولا البرنامج ركيزة في انتقاء الوزراء، ولا الانسجام مع توجهات الحكومة أو رئيسها عنصر للتوزير، ولذا فلا غرابة أن يكون دور الحكومة ووزرائها محصوراً في ملء الفراغ وتصريف شؤون الإدارة التنفيذية، وليس لهم دور في صنع السياسة العامة أو حتى بلورة السياسة في وزاراتهم وتوجيهها.
إن التعيين في المنصب الوزاري نتاج أحد العوامل الآتية: الواسطة البرلمانية أو العائلية أو الإفرازات القبلية أو الطائفية، التزلف والولاء لرئيس الوزراء أو لهذا الشيخ أو ذاك، أن يكون الوزير مطيعاً «خوش ولد ما هو صاحب رأي»، أي أنه يشعر أنه موظف برتبة وزير.
فماذا يمكن أن نتوقع من وزير تلك هي أسس اختياره، تفكيره «وحدّ يوشه»، تصريف إدارة وزارته صح أو غلط، وإرضاء فلان بالتعيينات وكسب علان بالتنقلات وإفادة الأقارب والأصدقاء، وتمشية مصالح أصحاب النفوذ والسلطة، ولذا فحدود إمكانية الوزير تنحصر في الأمور اليومية التي يقوم بها مدير إدارة أو وكيل وزارة، بل تجد أكثرهم يقومون بأعمال هؤلاء، لأن هذه هي حدود إمكاناتهم وقدراتهم وسلامتهم، ولذا فإن حال الوزارات «مكانك سر»، وإسهامات الوزراء في السياسات والشؤون العامة منعدمة.
ولو عدنا لنتفحص كيف يقوم كل وزير بأعمال وزارته لوجدنا أن أقصى ما يشغل الوزير وهمه الشاغل هو الإدارة اليومية لوزارته، سواء بتصريف العمل الإداري فيها أو باجتماعات حول مشكلاتها، أو مواجهة ما يطرأ عليه من مستجدات. أما أن يكون لاعباً رئيسياً في خلق سياسة داخل الوزارة، أو يكون لهذه السياسة انعكاس على توجهاته في مجلس الوزراء حينما تصنع السياسة العامة للدولة، فيناقش ويعدل ويعتبر ويبلور في تلك السياسات، فهو أمر بعيد المنال، إذ إن أقصى ما يقوم به الوزير في مجلس الوزراء أنه يريد تمرير أمور تتعلق بتعيين فلان وكيلاً أو وكيلاً مساعداً أو التجديد له أو تغيير أشخاص المسؤولين بوزارته لمنطلقات شخصية «أحب فلان وما أشتهي أتعامل مع علان، أو هذا لا يستحق البقاء لأنه محسوب على الوزير الفلاني أو غيره»، ولذا فإن مؤسسة الوزارة ومجلس الوزراء يعانيان من خواء شديد من الدور الذي لا يملك أن يملأه الوزراء بسبب طريقة اختيارهم في الوزارة التي لا تخرج عن واسطة أو حظ أو حل وسط جاءت به إلى هذا المكان. والأدهى والأمر من كل ذلك أن هؤلاء الوزراء لا يقف أمر محدودية دورهم وصلاحياته، وهم قابلون بكل أسف لذلك، عند ما سبق ذكره، بل إن أحدهم يعرف أن عمره في الوزارة قد يكون أياماً أو أسابيع أو بضعة أشهر محدودة، فرئيس الوزراء سريع التعيين للوزراء وسريع الاستغناء عنهم واستبدال واحد بدل الآخر لأي عارض يحدث لأحد هؤلاء الوزراء، فيطلب منه الاستقالة أو يقال له إنك صرت عبئاً على الحكومة، أو يأتيه وزير آخر ليقول له إن رئيس الوزراء يفضل عدم استمراريتك مع الحكومة، وهكذا يكون الوزراء قد جاءوا إلى المناصب الوزارية وهم مدركون مسبقاً أن وجودهم فيها عارض، ولا غرابة في الأمر إذا كان أصلاً أساس اختيارهم لم يتم لكفاءتهم أو لبعد سياسي لأشخاصهم، فمن يسهل تعيينه دون مبرر، فإن استقالته أو استبدال غيره به أمر هو الآخر سهل، وهذه هي حال الوزراء لدينا بكل أسف. وتردني في هذه اللحظة مقولة للأخ النائب الدكتور وليد الطبطبائي «بأن الحكومة مثل باص المواصلات يتم إنزال وزير عند كل محطة»، ولذا صار لدينا في الكويت لقب «وزير سابق» شائعاً، بسبب أن من يأتي إلى المنصب الوزاري، وبكل أسف، صار أحد أهدافه أن يحظى بمثل هذه التسمية بصرف النظر عن حفظ مكانته الشخصية، أي أن البعد المصلحي الضيق هو الهدف وليس القيام بمهام المسؤولية الوزارية، فكثر لدينا نوع «الوزير في الوقت الضائع».
اللهم إني بلغت.

أ.د. محمد عبدالمحسن المقاطع

القبس

تعليقات

اكتب تعليقك