عن الجروح التي أصيبت بها البحرين قيادة وشعباً- يكتب سعد السعيدي
زاوية الكتابكتب يوليو 5, 2011, 10:42 ص 1115 مشاهدات 0
البحرين.. جروح وبصيرة وحوار
ردود فعل كثيرة، وصلتني سواء عبر البريد الإلكتروني أو حساباتي في مواقع التواصل الاجتماعي، وبالطبع التباين -وهو سنة الحياة- لآراء القراء في مقالتي السابقة حول الحوار في البحرين كان سيد الموقف، ففي حين يعارض البعض فكرة المقالة التي طالبتُ فيها جمعية الوفاق الإسلامية بالدخول في الحوار وعدم التأخر في الانخراط به، كان هناك من يؤيدني في المطلب باعتبار أنه لم يعد أمام الجميع خيار سوى المشاركة في الحوار ومحاولات إنجاحه والقضاء على كل العقبات التي تواجهه.. وهكذا هي السياسة حين تعترضها الأزمات.
على المستوى الشخصي حقيقة سعدت كثيراً بخبر موافقة جمعية الوفاق الإسلامية على المشاركة في حوار التوافق الوطني، الذي دعا إليه العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى، والذي جاء عشية انطلاقة الحوار، ومما زاد من نشوة السعادة هو إطلاق عشرات المعتقلين صبيحة يوم الحوار وقبل انطلاق فعالياته بساعات قليلة، وبالطبع كان قد سبق هذين القرارين موافقة البحرين على تشكيل لجنة لتقصي الحقائق لا تكون للحكومة يد فيها أو مشاركة أو تمثيل، بل تقتصر على من يشهد لهم بالكفاءة الدولية، على أن تعمل بشكل علني، وتعلن نتائجها على الملأ، وهو دليل آخر على تعاون النظام في البحث عن الحقيقة، التي قد ترمم جسور الثقة بين مكونات المجتمع البحريني التي أثرت مجريات الأحداث عليها بشكل واضح، الأمر الذي خلق حالة من الاصطفاف الطائفي، كادت تنسف كل آماله وأحلامه في الإصلاح، بل تذهب بالبلاد والعباد إلى أبعد من ذلك بكثير لاسيَّما أن الفوضى قد دقت أبوابهم وسمح لها الجميع بالدخول، بعد أن استسهلوا الأمور اعتقادا منهم بأن الأوضاع لن تطول وتأثيراتها ستكون محدودة، وبالطبع كانت النتائج أبعد بكثير عن توقعاتهم.
أسئلة بسيطة وإن كانت معانيها كبيرة، يفترض أن يجيب عليها معارضو الحوار الوطني بالمطلق، أو عدم تحمسهم ومعارضتهم على دخول جمعية الوفاق فيه على أقل تقدير، وهي ما البديل، وكيف يمكن الخروج من الأزمة، وهل تمترس كل طرف عند آرائه وحلوله ومطالبه دون عرضها ومناقشتها مع الآخر هو الحل، ومن يضمن أن الفجوة التي نعترف بوجودها بين مكونات المجتمع لن تتسع أو تزيد هوتها، ثم من يضمن أيضا أن الجمود والسكون بين الطرفين لا يزيد الأمور سوءاً ويسهّل دخول من له أطماع أو تخريب في البلاد من خلال استغلاله لهذا الجمود، وإلى متى يستمر صمت الطرفين وترك الأزمة تكبر وتترعرع بينهم حتى تشكل سدا طويلا وكبيرا بينهما وحينها لا ينفع معها حوار ولا غيره، ثم أيرغب البحرينيون أن يكونوا مطية تُركب من قبل الآخرين، وهذه ليست من صفات الرجل البحريني الذي يصبر لكنه لا يرضى أن يستغل أو تُضر بلاده، والتاريخ يشهد لهم بذلك.
البحرينيون يمكنهم أن يقولوا ما يشاؤون في الحوار، الذي قال رئيسه خليفة الظهراني في كلمته بالجلسة الافتتاحية «هيا لنبدأ الحوار بلا شروط مسبقة، وبسقف مرتفع»، وهو ضوء أخضر واضح للجميع بأن يتفاعلوا مع مشاكلهم ومناقشتها بلا قيود أو شروط، وفي الوقت نفسه هي رسالة للخارج بأن البحرينيين هم الأجدر والأقدر على حل وحلحلة قضاياهم دون الحاجة للآخرين أو تدخلهم في شؤونهم الخاصة، وبالفعل دقت ساعتهم، ساعة العمل والقضاء على كل المعوقات وتهشيمها على صخور الوطنية والولاء للنظام، وتحقيق مصالح الشعب، والبحث عن آليات تحقق لهم الإصلاح السياسي الذي بدوره إذا ما حدث سوف يعيدهم وبلادهم -وهو ما نتوقعه- إلى درة الخليج، وبذلك فقد تم تقسيم المشاركين إلى أربع لجان تناقش القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية وكذلك الحقوقية، ولكن الجانب السياسي هو الأهم حسب تقديري، فرغم أهمية بقية اللجان فإن المحاور في السياسي سوف تبحر دون قيود أو حساسية في مناقشتها لمواضيع كثر الجدل حولها، لعل أهمها الجمعيات السياسية وصلاحيات البرلمان والشورى، وحكومة تمثل إرادة الشعب ناهيك عن مناقشة النظام الانتخابي وكذلك ملف التجنيس.
مئة وواحد وثمانون مرئية تقدمت بها مؤسسات المجتمع المدني، لكن أهمها كما أرى هي تلك التي تطالب بحكومة منتخبة وتمثل إرادة الشعب البحريني، وحسب ما تبين لي من بعض المشاركين فإن إحدى الجمعيات التي يمكن وصفها بالقريبة من النظام، قد كان من بين مرئياتها أن تحصل الحكومة على ثقة البرلمان أو ثلثه عبر التصويت، وهذا موقف متقدم ويقترب من مطالب المعارضة، والتي تطالب بأن تكون الحكومة منتخبة، ولذلك فإن تشكيل رؤية حول هذه النقطة تحديدا سوف يسهل بقية النقاط باعتبار أن الحكومة لن تكون مطلقة السلطة أو منفلتة وبلا ضوابط بل هناك من يمنحها الثقة أو يسحبها إذا ما تعارضت قراراتها مع التوجهات الشعبية أو خالفت البرلمان الممثل للشعب، الأمر الذي يؤسس كحد أدنى للمطلب المهم وهو أن تكون الحكومة منتخبة يشكلها الحزب الفائز بالانتخابات، وبالطبع فإن مناقشة صلاحيات البرلمان وعدم مرور قراراته أو اعتمادها على موافقة مجلس الشورى المعين من خلال فلترتها هو ما يعيد الثقة إلى البرلمان ليتفرغ للتشريع الحقيقي الذي يخدم الدولة ويراقب في الوقت نفسه تصرفات الحكومة إذا ما حادت عن برنامجها، الذي يفترض أن تقدمه عند تشكيلها، هذا بالإضافة إلى الغوص في ملفات أثارت جدلا وخلافات بين الشعب البحريني لعل أهمها ما يسمى بملف التجنيس الذي لا شك أن القضاء عليه سوف يحقق الوئام والثقة بين مكونات الشعب البحريني.
الجروح التي أصيبت بها البحرين قيادة وشعباً، سرعان ما تندمل وكما يقول المثل البرتغالي «لا بطل من غير جروح»، وبالفعل كان البحرينيون أبطالا من خلال سموّهم على جراحهم وترفّعهم لأجل مصلحة بلدهم الذي عانى على مدى أشهر من أزمة انعكست آثارها حتى على الجوار، نظرا لقوتها وحساسيتها، ومن هنا نقول لأولئك الذين يراهنون على فشل الحوار باعتباره غير مفيد وأن نتائجه لن تكون على المستوى المطلوب، نظراً لعدم وجود ثقة بين الطرفين، ولذلك اعتقدوا بأن استمرار المسيرات والتظاهرات وما يصاحبها من أضرار للمجتمع سوف يؤثر على الحوار أو يفتّ في عزيمة المتحاورين، لهؤلاء وغيرهم ننصحهم بقراءة المثل العربي «نصف العلم أخطر من الجهل»، وهم بالفعل جهلة لأنهم لم يكونوا سوى أنصاف متعلمين، معتقدين بأن قراراتهم بمقاطعة الحوار، والمبنية على أنصاف علم وتعلم هي الحل، لكن هيهات أن تترك البلاد واستقرارها وأمن مواطنيها لجهلة وأنصاف متعلمين في ظل وجود رجال يتصفون بالحكمة والوعي والإدراك، وهذه مهمة رجال الدولة الذين يصبرون على الكثير من الغث، لتحقيق أهداف لا يراها الجهلة بأعينهم باعتبارها عيوناً مبصرة فقط بينما الآخرون هم أصحاب بصيرة.
تعليقات