نايف اللافي يتناول العلاقات الأميركية السعودية وأسباب الحساسية المفرطة بين البلدين

زاوية الكتاب

كتب 1340 مشاهدات 0


 

العلاقات الأميركية السعودية والحساسية المفرطة
نايف بندر اللافي

ظريف ذلك التصريح الذي أبدت فيه وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، دعمها واعتزازها بالنساء السعوديات اللاتي يطالبن بحقوقهن في قيادة السيارات داخل المملكة العربية السعودية، حيث قامت بالتأكيد، وبثلاث طرق مختلفة في تصريح واحد، على أن الحراك النسائي سعودي داخلي وليس لأي جهة خارجية علاقة به بما في ذلك أميركا.
أن تؤكد كلينتون ذلك مرة فيمكن أن يمر مرور الكرام ولو أنه لا داعي لهذا التأكيد، أما أن تؤكد ذلك ثلاث مرات فهي كمن ينطبق عليها المثل “يكاد المريب أن يقول خذوني”.
أصدق بالطبع كلام السيدة وزيرة الخارجية ولكنها أكدت، ومن حيث لم تقصد، علاقة أميركا بكل الثورات الأخرى في العالم العربي!!
لماذا أحست وزيرة الخارجية بحاجتها إلى تطمين السعودية، وهي حليف مهم، وبهذه الدرجة من الإصرار؟ هل وصلت الأمور إلى هذه الدرجة من الحساسية؟ هل للأمر علاقة بطريقة الخروج المخزية التي فرضتها أميركا على الرئيس المصري السابق حسني مبارك؟ وهل السبب هو تخوف العرب من أن أميركا تريد التغيير بأي ثمن حتى على حساب الأمن والاستقرار؟
لقد اختار أوباما السيد فرانك ويزنر، الدبلوماسي المتقاعد والسفير السابق لدى مصر، المقرب جدا من الرئيس المصري ليكون رسوله لحسني مبارك قبل تنازل الأخير عن الحكم، السيد ويزنر قابل الرئيس المصري وأبلغه رسالة واضحة من الرئيس الأميركي بوجوب تنازله عن الحكم فورا، ورغم محاولات الرئيس المصري لشرح الموقف في الشارع وإقناع المندوب الأميركي بإعطائه فرصة لخروج مشرف يحفظ به تاريخه، ويؤمن لشعب مصر طريقا آمنا وانتقالا سلميا للسلطة يحمي مصر من الانفلات والفوضى، فإن ذلك جوبه يرفض كامل.
خرج بعدها المندوب الأميركي ليقابل ممثل جماعة الإخوان المسلمين السيد عصام العريان في مبنى السفارة الأميركية ليبلغه بتطورات الأحداث، إلى هنا انتهت مهمة المندوب الأميركي الذي ذهب إلى أوروبا في مهمة خاصة تتعلق بعمله الاستشاري ليلقي خطبة تتسرب للصحافة، ويقول فيها إن الإدارة الأميركية مخطئة خطأ كبيرا، وكان يجب عليها أن تتيح للرئيس المصري أن يخرج بطريقة مشرفة، تحفظ تاريخه عن طريق رعايته لفترة التحول إلى نظام الحكم الديمقراطي وبطريقة سلسلة وسلمية.
هل كان حريا بأميركا أن تفعل هذا؟ إن درجة التنسيق بين الإدارة الأميركية والإخوان المسلمين في مصر عالية ومستمرة منذ سنوات، يدل هذا على أن أكثر التنظيمات انضباطا في مصر خلال الثورة وبعدها هم الإخوان المسلمون، بل إن تحالفهم مع البرادعي (ممثل أميركا) دفعهم إلى فصل عضو مكتب الإرشاد الذي خالف إجماعهم على عدم ترشيح أحد منهم لمنصب الرئاسة المصرية.
علاقة أميركا بالإخوان المسلمين وثورة الربيع العربي تحتاج إلى مكان منفرد ربما تعود إليه يوما لكن ما يهمنا هنا، أن الثورة المصرية كان يقودها شباب الإنترنت على أجهزة الكمبيوتر والإخوان المسلمين على الأرض، أما البقية فعلى الرغم من أنهم أغلبية وعلى الرغم من غليان المشاعر الوطنية لديهم، فإنهم يفتقدون للتنظيم مما يجعلهم تابعين لأي جهة منظمة أخرى وإن كانت أقلية. لذا فالجواب عن السؤال السابق هو: نعم!!
لقد كان بإمكان أميركا أن تعطي الرئيس حسني مبارك فرصة لخروج مشرف، وأن تحفظ مصر من الفوضى وحوادث القتل التي راح ضحيتها الكثيرون، والخسائر التي طالت السياحة وأصابت الاقتصاد المصري بالشلل، ما دفع الحكومة المصرية إلى طلب الاقتراض من البنك الدولي وبشروط مجحفة، لماذا لم تفعل أميركا ذلك، أم كان هذا هو المطلوب؟
إن عدم التعقل الأميركي في استخدام وسائل التأثير المتوافرة لديها لضمان أمن وسيادة مصر والمصريين، وانعكاس هذا على ما يمكن أن تقوم به أميركا في أماكن أخرى، ربما كان هو السبب في الجولة التي قام بها الأمير بندر بن سلطان رئيس جهاز الأمن القومي السعودي في شهر مارس الماضي، التي شملت الصين، حيث تم الاتفاق على التعاون في مجال الطاقة النووية، وماليزيا حيث تم توقيع اتفاقية أمنية، وباكستان حيث تم الاتفاق على توفير باكستان الدعم العسكري الكامل للسعوديين بما في ذلك توفير غطاء نووي للسعودية كما يرى بعض المراقبين.
فإذا أضفنا إلى ذلك ما قامت به باكستان في شهر مايو الماضي، بعد فقدانها الثقة بأميركا، من توقيع حلف عسكري مع الصين بما في ذلك إقامة قاعدة بحرية للصين في جنوب باكستان على بحر العرب وعلى مشارف مضيق هرمز، والتحذير الذي حذرته الصين لأميركا من أن أي اعتداء على باكستان يشكل اعتداء على الصين، علمنا سبب الحساسية الأميركية تجاه كل ما يمكن أن يؤدي إلى تعكير العلاقات السعودية الأميركية.
* مستشار اقتصادي واستثماري

الجريدة

تعليقات

اكتب تعليقك