د.أحمد الخطيب يدعو الشباب في كل مناطق الكويت لاختيار ممثليهم المؤهلين لانتشال البلد من المستنقع الذي وقع فيه

زاوية الكتاب

كتب 161 مشاهدات 0



القبس
  الطريق الكويتي للإصلاح 

 
د. أحمد الخطيب

مقدمة لا بد منها‍:
رياح التغيير التي تعصف في منطقتنا العربية، هي ـــ بالدرجة الاولى ـــ ثورة ضد النظام العالمي، كما عرفته البشرية في تاريخها الطويل

المليء بالحروب العبثية والمأساوية التي ادت الى هلاك الملايين، وتدمير المدن، لا بل الدول، بسبب الجشع والتسلط وفرض سياسات وعقائد

متعصبة معادية لحرية الانسان وكرامته، تريد ان تفرض مفاهيم بالية على الآخرين بقساوة متوحشة، لا توفر طفلا،‍ او امرأة، أو معوقاً، تهدر

الاموال ال‍طائلة لدمار البشرية بدل ان تصرف لاسعادها وحمايتها من الفقر والمرض والحاجة، حتى رسالات الانبياء شوهت فدُمرت دور

العبادة، وازهقت ارواح الابرياء في المساجد والاسواق، ولم تستثن ساحات اللعب للطفولة البريئة، باسم هذه الاديان التي دعت الى المحبة

والاخوة والتراحم.
بعد كل هذه المآسي جاء الشباب العالمي برسالته الانسانية الرافضة لكل هذا التدمير، ليكتب تاريخا جديدا للبشرية يلغي كل هذا الهوس

الجنوني من حكومات ومنظري هذه الحقبة السوداء من تاريخ البشرية.


نحن نشاهد الآن البدء في بناء مجتمع انساني جديد يرفض نمط معيشتنا البائس، ومع ان بذور هذه الفلسفة الجديدة بدأت عام 1945، اي بعد

الحرب العالمية الثانية، وبسببها، عندما اطلق J.D.SALINGER صرخته في كتابه التاريخي THE CATCHER IN

THE RYE ثائرا على الوضع القائم ـــ آنذاك ـــ عندما قتل معظم اصدقائه في نزول قوات التحالف على شواطئ النورماندي لتحرير

اوروبا من الاحتلال النازي، واكتشف أن سبب هذه الحرب هو محاولة من دول المحور (المانيا وايطاليا واليابان) للحصول على مستعمرات

في آسيا وافريقيا واميركا، اسوة بالاخرين الذين نهبوا ثروات هذه الدول لمصلحة الطبقة الحاكمة، فلماذا يُطلَب منه ان يذهب الى الموت في

حرب لا مصلحة له فيها؟ فاعتزل العالم معلناً يأسه في اصلاح المجتمع، الا ان صرخته هذه كانت الشرارة الاولى التي اضاءت الطريق امام

الشباب الذي تصدى لهذه المهمة، وخاض معارك مهمة نجح في بعضها، واخفق احياناً، الا انه لم ييأس حتى تبلور هذا التيار الشبابي ووضع

تفاصيل اهدافه وسياساته في كل المجالات، وابتكر اسلوبه السلمي في إحداث التغيير.
وعلينا ان نسجل امتناننا الى الشباب الاميركي الملقب بــ «جيلنا نحن» GENERATION WE الذي ألهم شباب العالم بإنجازاته

وزوده بخبراته الكثيرة لخوض المعارك السلمية المطالبة بالتغيير CHANGE في كل المجالات.

 

***

وعلينا ان نفتخر بأن الشباب العربي، شباب الربيع العالمي، وبشهادة العالم اجمع، قد احتل الموقع القيادي لهذه الحركة العالمية، بما اضافه

اليها من جرأة غير مسبوقة وتضحيات لا حدود لها، هزت ضمائر كل المخلصين في العالم. وها هي تقود التحركات الشبابية في دول لا

يخطر على البال أن التغيير ممكن ان يصلها، كالصين والهند ودول اوروبية كاليونان واسبانيا.
وشبابنا في الكويت ليسوا غريبين عما يجري في العالم، خصوصا ان السلاح السري لهذا التحرك العالمي هو ما وفرته الثورة المعلوماتية من

انترنت وفيسبوك وتويتر.. الخ، التي جعلت التواصل بين الشباب العالمي سهلاً.
فالشباب العالمي أصبح يعيش في قرية واحدة ذات مشاكل واحدة وحل واحد، وهكذا سقطت التقسيمات الجغرافية والسياسية والثقافية وكل

الايديولوجيات الممزقة للعالم.
تصوروا كيف يمكن أن يكون العالم عليه لو أن الأموال التي تصرف على الجيوش خصصت للبحث العلمي لحل مشاكل العالم وليس

لتدميره؟!
لكن الطرق إلى التغيير يحكمها الأخذ بالاعتبار الظروف الموضوعية في كل بلد، فهذه الظروف قد تكون مهيأة في بلد، لكنها معقدة في بلد

آخر.
***
فعلى شبابنا في الكويت أن يدركوا خصوصية الكويت وهي - باعتقادي - مميزة عما هو حولنا، لأن طريق الإصلاح ممكن أن يتم بسلاسة

غير متوافرة لغيرنا، لكن - أيضاً - يجب أن ندرك أن الكويت تحكمها الجغرافيا، فهي بلد صغير في قلب محيط أكبر منها، تعصف بها

تناقضات مهمة لا يمكن تفاديها قبل أن تتم عملية الإصلاح في هذه الدول، وهي إيران والعراق والسعودية، وتجنب الدخول في هذا الصراع

المدمر لكل الأطراف. ومع الأسف الشديد، لن يكون لنا دور مؤثر في هذا، لأننا الطرف الاضعف، والذين يحاولون أن يجروا الكويت إلى

هذا الصراع إنما هم يريدون إنهاء وجود الكويت عن قصد أو قلة إدراك لخطورة ما يجري، وبعضه تحت الطاولة لا يعرف عنه أحد غير

أطرافه.
ولكن هذا ليس معناه ان أوضاعنا ممتازة وليست بحاجة إلى تحرك، هذا ما لا أقوله.
***
فالكويت تمر الآن بأسوأ حالة عرفها تاريخها - باستثناء فترة الاحتلال - فالفساد الموجود في جميع دوائر الحكومة وشركاتها امتد ليصل

إلى معظم القطاعات في البلد، وأعني الفساد بكل معانيه، سواء كان مالياً أو اداريا او اخلاقياً. واصبح البلد ملكا لمن يملك المال والسلطة،

وأصبح المواطن العادي المحروم من حماية الدولة ورعايتها - التي انهارت قانونا - بحاجة إلى أن يلجأ إلى عائلته أو قبيلته أو طائفته

ليحمي نفسه أو يحصل على حقه. وقد تعمق هذا المأزق بتحالف اقطاب في النظام مع الأحزاب الدينية الانتهازية، لإنهاء الحياة الدستورية

الديموقراطية في معاداة الطرفين لدستور عام 1962. وتم تهميش التيار الوطني بالاجراءات التي اتخذها النظام المعادي للدستور

والمتحالف مع الاحزاب الدينية، وكذلك بعجز التيار الوطني عن تجديد نفسه.
في هذا الجو، اصبحت القيادة للموالين والفاسدين، وتم ابعاد العناصر الكفؤة النظيفة، وأصبح الولاء للأشخاص لا للوطن هو المقياس الوحيد

لتولي المناصب القيادية، مما أوصلنا إلى الحضيض الذي نعيش فيه الآن، وأصبحنا نحتل المراكز الاخيرة في كل المجالات في مجتمعنا

الخليجي بعد أن كنا رواده.
هذا الوضع اوجد حالة غريبة، خسر فيها مجلس الوزراء مهمته الرئيسية في ادارة البلد، وخسر مجلس الأمة دوره في الرقابة والتشريع،

وأصبحت مهمة النائب تلبية مطالب ناخبيه سواء كانت مستحقة أو لا، وحتى يستطيع ان يقوم بذلك عليه أن يكون طيّعاً لمن هم في الحكم ان

كانوا نوابا أقوياء أو يبتزون من هم ضعفاء بالتهديد بالمحاسبة، والاستجواب الذي أصبح في معظمه ابتزازاً واضحاً.
***
الشباب في حراكه الساعي نحو التغيير كغيره من الشباب العربي والعالمي، ليس أمام طريق مسدود لأن الكويت - رغم كل هذه العيوب -

تملك ما أسميه منصة ممتازة للانطلاق لإحداث التغيير، هذه المنصة المهمة هي دستور 62 والحرية النسبية في التعبير، فالأمل ان تتحد الحركة

الشبابية أولاً، ويكون هدفها المهم الانطلاقة للتبشير في كل مناطق الكويت لاختيار ممثليهم المؤهلين لانتشال البلد من المستنقع الذي وقع فيه،

لأن الشباب لا يستطيعون ان يأتوا بالوزارة التي تحقق طموحاتهم، فدستورنا لا يعطيهم هذه السلطة، بيد أنهم قادرون على التحكم في المجلس

عبر صندوق الاقتراع، وإذا صح بالمجلس، ففي التبعية يضطر المسؤولون الى تشكيل حكومة تلبي طموحاتهم وتتجنب محاسبتهم العسيرة،

لانهم عندها هم الذين يتحكمون في تشكيل الحكومة، لأن الدستور - حيث تنص المادة السادسة منه على أن الأمة هي مصدر كل السلطات -

يعطيهم الصلاحية باطاحة أي حكومة لا ترضيهم، وهكذا نحقق ما نريده من اصلاح أو فرض منهج جديد.
فما نشاهده من تحرك حتى الآن من دون رؤية واضحة لما هو مطلوب، يتيح الفرصة لعناصر معينة أن تجير هذه التحركات لخدمة مصالحها،

اما بركوب هذه الموجة واما بخلق توتر ينهي مسيرتنا ويؤدي الى قبر دستور 1962 لانها ترفضه.
ولا ننسى أن هناك عناصر مهمة في الأجهزة الأمنية معادية للحريات والدستور، تريد ان تؤجج الوضع فتتعامل مع هذه التحركات بشكل

ابتزازي وبافتعال العراك والصدام.
والحقيقة، فان الذي لا يعرف حقيقة الأوضاع في الكويت ويشاهد هذه التجمعات والتواجد الكثيف للقوات الأمنية على اختلاف اشكالها، يتصور

ان أوضاعنا مشابهة لما هو موجود في ليبيا أو اليمن أو سوريا، ولعل هذه المناظر المسيئة للكويت وشعبها نبهت البعض للتحرك.
***
انه لمن السذاجة بمكان ان يعتقد أي شخص أن تغيير رئيس الحكومة هو الحل لما نعانيه، أو يعتقد أن استجواب بعض الوزراء سيأتي

بالاصلاح، فما نعانيه نحن هو نهج بدأ منذ عام 1965 في تخريب منظم لنهجنا الدستوري الديموقراطي، لكن وقف هذا التخريب ممكن ان يتم

من خلال الأدوات الدستورية المتاحة، فمن الجائز أن تصبح الكويت - لا سمح الله - مثل غيرها من الدول العربية، التي تعاني من

المخاض العسير والمؤلم إذا ألغي الدستور، وحتى لا نقع في هذا الوضع الذي لا يريده أي محب للكويت، علينا ان نسلك طريقنا الخاص

والمميز وقليل التكلفة لتحقيق الاصلاح الشامل الذي يطمح اليه شبابنا وشباب العالم.

 

القبس

تعليقات

اكتب تعليقك