أغلب جمعيات النفع العام في الكويت برأى معصومة إبراهيم «كيانات ورقية» تقتصر على مقر فارغ معظم الوقت
زاوية الكتابكتب يونيو 11, 2011, 1:06 ص 1508 مشاهدات 0
أصبحت جمعيات العمل المدني في عصرنا مظهرا حضاريا للمجتمع، وواحدا من الهياكل الرئيسية التي تعزز الممارسة الديموقراطية وتدعم التطور، وتثري تنمية الإنسان بوصفه صانع التقدم وغايته في الوقت نفسه، خصوصا إذا بُني العمل في هذه الجمعيات على التمايز والاستقلالية، والتحرر من هيمنة السلطة، وامتداد أنشطتها لتشمل المجتمع والناس، بعيدا عن المصالح الشخصية الضيقة والأهداف الخاصة. وقد أضحت المجتمعات والدول تقاس بقوة منظماتها المدنية، من جمعيات ونقابات واتحادات وجماعات ضغط، لأن ما ينبغي أن تمتلكه هذه المنظمات من مرونة وتحرر واستقلال عن آليات السلطة وإلزاماتها، يمكنها من معاضدة العمل «الرسمي» للنهوض بالدولة والمجتمع على السواء.
وتولي الكويت عناية كبيرة بجمعيات النفع العام من خلال المبادرة بالاعتراف بها (في إطار القانون)، ثم دعمها وتشجيعها وإفساح المجال لعملها، إيمانا بالآثار الإيجابية للعمل المدني، الممتزج بقيم التعاون والتكافل الاجتماعي والتسامح والعدالة، في صقل روح المبادرة لدى المواطن الكويتي.
لكن آفة العمل المدني في ديرتنا الحبيبة هي غياب الاتساق بين الشكل اللامع والمضمون الهزيل، أو بين الإطار الثمين والصورة المتهالكة.. فالجمعيات المشهرة عندنا كثيرة ومتنوعة، فإذا فتشنا عما تؤديه للمجتمع لرأينا أن أغلبها «كيانات ورقية» تقتصر على مقر فارغ معظم الوقت، ورقم عابر في سجلات «الشؤون الاجتماعية»، وربما دعم مالي حكومي لا مردود له ولا أثر!
نراقب جمعيات النفع العام فنجد كثيرا منها لا ضرورة له، ولا يملك أفقا للعمل، ولا وعيا برسالة المجتمع المدني أصلا، وإذا امتلك بعضها القدرة على الإنجاز الميداني فإنه يفضل أن يعمل منفردا بمعزل عن الشركاء، بدلا من التعاون معهم، توحيدا للجهود وتوفيرا للوقت والتكلفة وتوسيعا لطريق الخير أمام الجميع!
من هنا يغدو القيّمون على العمل المدني في الكويت بحاجة ماسة الى إعادة النظر في فلسفة عملهم، بما يشمل «الأولويات والآليات» معا، خصوصا في ظل التغيرات التي يشهدها العالم، والكويت ليست بمعزل عنها، حيث تتطلع إلى ازدهار «العمل الشعبي» ليصبح رديفا وظهيرا للعمل الرسمي، حفاظا على بقاء البلد وجودا وحدودا. فقد صارت جهود التنمية في كل مجالات المجتمع أكثر جسامة واتساعا من أن تضطلع بها الحكومات وحدها!
وتتزايد أهمية هذه الحقيقة بصورة خاصة، مع انطلاقة «المبادرة الوطنية للتنمية البشرية» التي تهدف إلى التخفيف من حدة آثار التغيرات الهيكلية وتداعيات العولمة الاقتصادية، والإسهام في المشاريع التنموية والبرامج المجتمعية، وإتاحة الفرصة أمام الشباب لينخرطوا في هذه المشاريع، فهذا وحده يضمن تذويب الفوارق بين المواطنين، وتقوية النسيج المجتمعي عبر تعظيم قيمه المشتركة.
العمل المدني إذاً، هو عمل وطني في الأساس، ومن ثم يتعين أن تكون المصالح العليا للوطن هي دافعه ودليله، وتطلعات المواطن هي بوصلته وغايته، ومن هنا يتعين على المعنيين به والقيمين عليه الابتعاد به عن الأمراض الشائعة في كثير من مناحي حياتنا، من الشكلية والفساد والارتهان للمصلحة الشخصية.. فهذه تفسد العمل المدني وتنحرف به عن هدفه الأساسي والوحيد، وهو الكويت التي يجب أن نضعها فوق كل اعتبار.
أ.د. معصومة أحمد إبراهيم
تعليقات