جاسم بودى يروى فى افتتاحية الرأى قصة طفل اسمه أحمد من فئة 'البدون' يتسول فى عز البرد، ويهديها لكل من له قلب

زاوية الكتاب

كتب 499 مشاهدات 0


 

 
اسمه أحمد... عنوانه الكويت

 


كان على ناصية الطريق يحاول درء البرد عنه بسترة قديمة. يرتجف كعصفور تبلل بالماء أو كطريد هارب من العدالة. الحزن في عينيه، مساحات قهر وأسى يحاول عبثاً تغطيتها بابتسامة خجولة أقرب إلى الخوف من السعادة والفرح اللذين نسيهما لكثرة الفراق.
الاسم: أحمد
الجنسية: بدون
العمر: عشر سنوات
المهنة: بائع متجول... متسول
مكان السكن: مجهول
مكان العمل: شوارع الديرة
العنوان: الكويت
وأقسى ما في بيانات هذا الطفل عنوانه، الكويت، فعندما يقترب منك سائلاً شراء زجاجة صغيرة في يده ومعايداً عليك تستعيد ذاكرتك فوراً أجواء العيد وتقاليده وكيف يزهو الأطفال بالفرح هنداماً وزيارات وتنزهاً ولعباً فيما ينطوي هذا الصغير في عالمه بؤساً ويأساً وتعباً.
عنوانه الكويت، ومع ذلك فلا علاقة لعالمه بمعركة زيادة الرواتب بين المجلس والحكومة، ولا باحالة الخمسين دينارا المقترحة إلى اللجان المختصة، ولا بإسقاط فوائد القروض، ولا بمطالب الكادر الوظيفي، ولا بانتظار توصيات الخبير اليوناني لترتيب سوق العمل في القطاع العام.
عنوانه الكويت، لكنه غير معني اطلاقاً بتطوير حقول الشمال وقانون المستثمر الأجنبي وتحويل البلاد مركزا ماليا، وهو بالتأكيد لن يستوعب خطاب رئيس الوزراء الذي تحدث فيه عن قطارات عابرة للقارات ومدن جديدة تتجاوز استثماراتها المئتي مليار دينار... وسيعتبر الكلام عن فوائض مالية حتى منتصف القرن بسبب الارباح النفطية فائضا لغويا يزيد من شقائه.
عنوانه الكويت، انما ليس عليه ان يدمن الشلل الذي اصاب الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية بسبب اسئلة المساء واستجوابات الصباح وتهديدات اليوم وتحركات الغد وساحات الارادة والعدالة والقروض والفوائد. ليس عليه فهم اخطاء بعض الوزراء والتفافهم على القوانين من اجل مصالحهم واخطاء بعض النواب والتفافهم على القوانين من اجل مصالحهم ايضا، فمصلحته كلها تكمن في تخفيف سخطه على الدنيا من خلال دنانير قليلة يغسل بها ليلاً تعب النهار.
عنوانه الكويت، لكن اخبار الاعتداء على طلاب في مدرسة لم تهزه كثيرا لانه يعيش حالات اعتداء يومية على حاضره وحالات خوف دائمة من اغتصاب مستقبله.
يختزل هذا الصبي الواقف في محنتي الشتاء والصيف كل الجانب البشع في حياتنا. يكشف زيف تحركاتنا الهادفة شكلا الى النهوض بدولة العدل والمؤسسات والعاملة فعلا على تجاهل مؤسسة الظلم والبؤس التي تنبت من تربة اخطائنا. يقول لنا ان بياناته الشخصية أهم من بيانات الحكومة والنواب واضعا ختم الإدانة على صمتنا.
بيانات هذا الطفل يجب ان تتغير...
الاسم: أحمد
الجنسية: انسان
العمر: عشر سنوات
المهنة: طالب في المدرسة فقط
مكان السكن: منزل لائق
مكان العمل: المدرسة
العنوان: الكويت
وبيانات الحكومة يجب أن تتغير أيضا: التنمية أحمد، والتطور احمد، والمدن الجديدة احمد، وصندوق الأجيال احمد، والتعليم احمد، والعدل احمد... إلى آخر سلسلة الرموز التي يختصرها بؤس إنسان في واحدة من أغنى دول العالم.
وإلى أن تتعدل البيانات، تبقى سجالات الساحات السياسية القاصرة عن ملامسة تجارة الاطفال في الشوارع تجارة سياسية لا مكان فيها لا للإنسان ولا لطموحاته.
نعم، في كل دول العالم هناك احمد ومن هو في وضع أسوأ من احمد، لكن «عنوانه» الكويت التي حققت فوائض مالية تكفيها حتى منتصف القرن. الكويت التي أنعم الله عليها بخير يكفي ويفيض على الأشقاء والأصدقاء. الكويت التي تدعم الدول المحتاجة بمئات ملايين الدولارات ما زال فيها أطفال يقفون على ناصية الطريق لتأمين قوت يومهم.
 احمد، ومن مثل احمد في الكويت، يجب أن يتسيد جدول أعمال مجلس الوزراء ونقاشات مجلس الأمة، وما لم يحصل ذلك فكل المشاريع السياسية والاقتصادية ستنتهي عند اقدامه... ما دامت لم تحقق له ما يرفع به رأسه.

جاسم بودي

الراى

تعليقات

اكتب تعليقك