'البدو' و 'الحضر' صفحات قديمة من تاريخ مضى وانتهى.. د. خالد القحص يكتب عن ماقرأه في ((الآن)) حول حادثة 'طوفان البدو'

زاوية الكتاب

كتب 1352 مشاهدات 0


 


وزير الإعلام وطوفان البدو!

 

تسألني ابنتي الصغيرة بكل براءة بعد عودتها من مدرستها في أحد الأيام: أبي، هل نحن بدو أم حضر؟ فابتسمت، وقلت لها: أنت ماذا تريدين؟ فقالت: نحن حضر، ولكنك جئت من الجهراء، فلابد أننا بدو (تقولها بخيبة أمل)، فأقول لها: والدي ووالدتي، متعني الله ببقائهما، سكنا الصحراء، وكانا بدواً رحلاً، بالمعني الحقيقي للكلمة، ثم استقروا في الجهراء المحروسة، وأصبحوا حضراً، بالمعنى الحقيقي للكلمة، وأنا أفخر بالماضي، كما أفخر الحاضر، وقبل هذا وذاك، فاني أفخر بتوفيق الله، ثم بعملي وانجازاتي في الحياة.
من يعرفني شخصياً، أو من يتكرم بقراءة مقالاتي، فانه يعلم موقفي من الاستخدام الخاطئ للفظة «البدو» أو «الحضر»، لأنه خطأ من الناحية العلمية، حيث لا يوجد في الكويت بدو رحل، فالجميع قد استقر في مناطق حضرية، وبالتالي فالجميع حضر.كما ان مصطلح «البدو» خطأ من الناحية الاجتماعية، لأنه قد يصبح مصطلحاً تمييزياً (التمييز العنصري)، بحيث يستخدم اما للتقليل أو للتحقير من شأن مجموعة محددة، أو قد يشير الى صورة نمطية مشوهة لفئة من المجتمع.وهذا يعني ان لفظة «البدو» قد خرجت من معناها الأصلي (الوصفي)، لكي تحمل معنى آخر في المجتمع الكويتي، له دلالة ومؤدى سلبي تمييزي اختزالي نمطي.
أراقب، كما الآخرين، تلك الحملات الموجهة نحو تفتيت مكونات المجتمع الكويتي الصغير، حملات منظمة، وان بدت غير ذلك، حملات مدعومة، وان خفي علينا الشخص الذي يجلس خلف الستارة، حملات تحمل رائحة المؤامرة على البلد بأكمله.لذا أزعم ان أحاديثنا في مجالسنا الاجتماعية قد تجاوزت (في سنوات معدودة) الكثير من المحاذير التي كان يقف عندها المواطن، كان لدينا آداب وأعراف ضمنية متفق عليها في هذه الأمور الاجتماعية، لكن الحملات التفتيتية المسمومة قد آتت أكلها المر، حيث بات الناس يتحدثون بكل شيء، ولا يخشون شيئاً، حتى وان كانوا مسؤولين حكوميين.لكن يجب ان ندرك أنه من السهل ان تفرق، لكن من الصعب ان تجمع بعد تشتت، وان تلتئم بعد تفرق، وحينها يخسر الوطن، يخسر كثيراً.
تتداول بعض الصحف الالكترونية الكويتية حادثة جديدة صدرت عن الوكيل المساعد لقطاع الأخبار في وزارة الاعلام، الزميل يوسف مصطفى من أنه ذهب يوم الأحد، مطلع هذا الأسبوع، الى مكتب الشيخة هيا الناصر الصباح، وطلب منها العودة الى قطاع الأخبار، وذلك لأنه لا يلقى تعاوناً واضحاَ من العاملين في قطاع الأخبار، وايضا لوقف «طوفان البدو» (كما جاء في صحيفة الآن الالكترونية)، وكان موقف الشيخة هيا رافضاً بشدة لهذا التوجه، وهذا موقف تشكر عليه، وحصلت ردود فعل سريعة لما حدث، حيث تم جمع تواقيع لمجموعة من موظفي القطاع على عريضة، سيتم رفعها لوزير الاعلام الجديد، الزميل سامي النصف، ودخل بعض أعضاء مجلس الأمة على الخط، حيث أصدروا بعض التصريحات المنددة بموقف الزميل يوسف مصطفى (انتهى الخبر).
وحديثي الآن موجه للأخ سامي النصف، والذي بدأ عمله في الوزارة بموقف طيب حين أغلق قضية لبس الشماغ للمذيعين، وأصدر تصريحاً يضع فيه مصلحة الوطن أمامه، واحتوى الجميع.ونحن كمراقبين اعلاميين، ندرك جيداً مدى المسؤولية الملقاة على عاتق وزير الاعلام، لأنه يدير وزارة، تتعامل مع الجمهور بشكل مباشر عبر الاذاعة والتلفزيون، وعبر المجلس الوطني للفنون والثقافة، وبالتالي فالعدسات المكبرة موجهة نحو أي فعل يصدر عن تلك الوزارة.ان الوزير النصف مطالب اليوم بتشكيل لجنة تحقيق في الموضوع للتأكد من وقوعه أولاً، اذ ربما الأمر غير حقيقي، وان ثبت، فعندها، يجب ان يكون له موقف واضح وصارم مما حصل، بحيث تكون هناك رسالة جديدة تحملها وزارة الاعلام، وتنتقل للحكومة، من أنه لن يسمح بأي محاولة لتمزيق الوحدة الوطنية، سواء من التلفزيون الرسمي للدولة، أو من القنوات الخاصة، فالوطن ليس مساحة للتجربة والخطأ، وتصفية الأحقاد، وحبك المؤامرات.
في الولايات المتحدة وأوروبا، فانه بمجرد ثبوت اطلاق مثل هذه التصريحات العنصرية والفئوية من مسؤول ما، فانه يتم وقفه عن العمل مباشرة، الى حين الانتهاء من التحقيق الرسمي، وان ثبتت عليه التهمة، فيتم عزله، وربما يتم تقديمه للمحاكمة بسبب خطاب الكراهية أو بسبب التمييز العنصري الذي يمارسه.المسألة ليست أحاديث ليلة صيف في ديوانية، بل موقف رسمي في مكان رسمي، وصادر من شخص يحمل صفة رسمية وقيادية، هكذا ننظر للأمور، والعقلاء يستشعرون الخطر قبل وقوعه، أما ان وقع المحظور، فالكل عاقل بعد فوات الأوان، كما يقول المثل الايطالي.
و عودة لابنتي، فقد اقتربت منها في حنو، وقلت لها: يا بنيتي، أنت مسلمة كويتية، وهذا يكفيك، ودعي عنك من مهنته الفراغ، وشغله العبث، وحياته الهامش، دعيه في أوهامه، ونكرانه للواقع، وتعلقه بصفحات قديمة من تاريخ مضى وانتهى.

د.خالد القحص

الوطن

تعليقات

اكتب تعليقك