إقرار الأحزاب السياسية يسهم فى الاستقرار السياسي، والحكومة في تلك الحالة لن تهتز لأنها ستتكون من كتل برلمانية عريضة..تصور يطرحه جلال آل رشيد

زاوية الكتاب

كتب 339 مشاهدات 0



نحو حياة سياسية مستقرة


الاستقرار السياسي، يُعد هدفا راقيا يسعى عقلاء الناس لوجوده في حياتهم، بشرط أن تكون عملية التمثيل في الحكومات عادلة اجتماعيا وثقافيا وسياسيا. وهذه الأمور تنعكس في كل مرحلة سياسية من مراحل حياة أي مجتمع عبر المفرزة الكبرى التي تلي أي انتخابات برلمانية. فالانتخابات تفرز لنا الألوان التي يتجه لها الناخبون في المراحل الزمنية المتعاقبة، وبالتالي، فإن رئيس الوزراء، الذي يعينه صاحب السمو بعد الانتخابات العامة، عليه أن ينتقي الخيار الاستراتيجي الأمثل سياسياً، والذي يتمثل في اختيار أعضاء حكومته من خلال الالتقاء بالنواب الذين أفرزتهم العملية الانتخابية الأخيرة فقط، وتنسيق عمليات غربلة الأسماء مع أولئك النواب.
فإذا أراد رئيس الوزراء، أياًٍ كان، أن يحمي نفسه وحكومته بسياج فولاذي خلال السنوات الأربع التالية، فعليه أن يتفاهم تفاهماً دقيقاً وجدياً مع جميع الكتل التي يتكون منها المجلس، كل كتلة حسب حجم وجودها في المجلس الجديد، كما أن بإمكانه أن يتفاهم مع المستقلين، حسب حجم وجودهم في المجلس أيضاً، وإن كان التفاهم مع المستقلين عملية مزعجة، فيما يبدو لي، بسبب عدم انتظام أمور حياتهم في خيط يشكِّل سبحة واحدة تسهِّل عملية التفاهم معهم.
ولكن الأهم من التفاهم على أسماء الوزراء، واستبعاد البؤر التأزيمية عن لائحة تلك الأسماء، التفاهم المسبق مع الكتل على البرنامج الذي تود الحكومة تنفيذه في الأعوام المقبلة. فمثلا لو افترضنا أن كتلة ما وصلت إلى طريق مسدود مع الرئيس منذ البداية، بأن رفضت أمورا أساسية في برنامجه، فليس من الحكمة السياسية ضم نوابها لمشاورات غربلة أسماء الوزراء، لأن تلك الكتلة، حينئذ، ستغدو هي المعارضة السياسية التي تقوم بدور سياسي عادي في تلك المرحلة، بأن تعارض قرارات الحكومة وكتلها في تلك المرحلة الزمنية. وبالتالي، يكون هنالك صوتان داخل المجلس، صوت الحكومة مع الكتل التي توافق على أساسيات برنامجها، وكتلة من المعارضين لتلك الأجندة الحكومية، والتي يُفتَرَض أن يكون عدد نوابها أقل من «الأغلبية الحاكمة».
وبالتالي، فعلى رئيس الوزراء أن يتنازل عن نقاط من برنامجه من البداية، لكي يضمن تأييد أغلبية برلمانية لبرنامجه، وبالتالي تمر السنوات الأربع المقبلة بهدوء، مع وجود صوت معارِض في المجلس يجب على الأغلبية احترام رأيه، وتنفيذ ما هو مقنع منها.
والآن، هل تعلمون ما الذي يعيق هذا الكلام الوردي الخيالي، ويمنعه من التحقق على أرض الواقع؟ إنه الشيء ذاته الذي يخشاه الكثير من المواطنين الطيبين، عدم وجود قانون ينظم الأحزاب السياسية في الكويت حاليا، حيث إن عدم وجود الأحزاب السياسية، هو الذي يعيق الاستقرار السياسي في الكويت حاليا، وليس العكس، مع أن الكثيرين قد يرون أن الأحزاب ستفرِّق وتخلق المشاكل السياسية.
الأحزاب السياسة في الكويت، الآن، وقبل إقرار أي قانون منظم لأمورها من المجلس، هي موجودة وجوداً حقيقياً كاملاً، ولكن المطلوب الآن تنظيم الحياة الحزبية في الكويت، بدلا من تركها للمجهول وللظَلام وللمزاجية لتلعب بها، حيث إنه لا يوجد حاليا قانون يقوم بتنظيم الحياة الحزبية القائمة حالياً في الكويت بشكل فعلي، فمقترحات القوانين المطروحة حاليا لا تُنشِئ أحزاباٍ سياسية في الكويت، ولكنها تقوم، ببساطة شديدة، بتنظيم تلك الأحزاب القائمة حالياً بالفعل، كما تقوم قوانين تنظيم الحياة الحزبية بنقل نشاطها من السراديب إلى الروف تحت الشمس، كأية دولة عصرية.
نحيي الكتل والنواب الذين تقدموا بقوانين لتنظيم الأحزاب السياسية في الكويت، وندعو الآخرين، ولا سيما الإخوة في الحكومة، لِلَّحاق بهذا الطريق، فالحكومة، واستقرار الحياة السياسية في البلاد، وعموم المواطنين، سيكونون من ضمن المستفيدين الأساسيين من تنظيم الحياة الحزبية في البلاد، وتقليل فرص تكاثر الاستجوابات، وتقليل فرص نجاح الاستجوابات التي ستحدث... فهل من آذان مُصغِيَة؟ هل تبحثون عن الاستقرار السياسي؟ علما بأن تقليل الاستجوابات مع الوضع الحزبي الجديد لن يكون على حساب حقوق المواطنين، لأن الحكومة في تلك الحالة السياسية الراقية ستتكون من كتل برلمانية عريضة، لها وجود جماهيري واسع في مرحلة زمنية محددة، فإن أحسنت تلك الحكومة، بجميع كتلها، إدارة البلد، جدد الناس ثقتهم بها بعد أربع سنوات في الانتخابات المقبلة، وإلا...!

د. جلال محمد آل رشيد
 

الراى

تعليقات

اكتب تعليقك