دول الخليج ومصر وإيران بينهما

عربي و دولي

3198 مشاهدات 0


في عام 525 ق.م. تقدم  قورش الأكبر' Cyrus' من السلالة الاخمينية الفارسية يطلب يد أبنة أحمس الثانى،فاحتال الفرعون بارسال فتاة اخرى،مما جعل قورش يقرر إحتلال مصر بعد إنكشاف الحيلة. لكن قورش لقي حتفه،فتولى إبنه قمبيز الثاني ' Cambyses II' المهمة بجيش من 50 ألف رجل ضم في مؤخرته عرب الجزيرة بجمالهم.ويذهب هيرودوت الى ان قمبيز  لقى معارضة رجال الدين المصريين، فاراد بعد إحتلال مصر تدمير معبد آمون في واحة سيوه تنكيلا بهم .لكن الجيوش  الفارسية بقضها وقضيضها  اختفت فجأة في الصحراء الغربية، حتى ان وكالة الفضاء 'ناسا'  فشلت في استخدام الصور من الفضاء للبحث عن مؤشرات لبقايا ذلك الجيش.
وفي هذه الايام يقوم رئيس الوزراء المصري د.عصام شرف،بجولة خليجية أحاط بها الجدل من جهات عدة،فهناك عتب خليجي يقابله ردة فعل مصرية  قوية ،بينما تراقب طهران هذا الجدل بحياد مصطنع رغم كونها المحور الثالث فيه. وسوف تتناول الجولة الى السعودية والكويت وقطر التعاون الاقتصادي،و الموضوعات الإقليمية التي منها أمن الخليج العربي.
لكن هذه الجولة تنطلق من قاعدة يحيط بها الارتباك والتوتر غير المعلن من كلا الطرفين،وإن كانت تقوم على ركيزتين هما العتب المصري من البرود الخليجي لسقوط الطاغية حسني مبارك،والتوجس الخليجي من التقرب المصري المفاجئ لطهران. وفي الخليج ندرك بوعي تام إن مصر هى الدولة العربية الوحيدة التى ليست لديها علاقات كاملة مع طهران،وإن من حق القاهرة وضع علاقتهما في إطار المراجعة الشاملة في ظل أهمية محور القاهرةطهران في إعادة ضبط المعادلات الاقليمية .من جهة اخرى ندرك القلق المصري من تنامي الدور الخليجي حين أتخذنا نهجا قياديا في تدويل الأزمة الليبية، سبقها دور الكويت في مبادرتها الاقتصادية، ليأتي موضوع تداول منصب أمين الجامعة العربية بمنافس خليجي كحجر في طريق الترابط التاريخي الاخوي بين مصر والخليج. أما وجهة النظر الخليجية فيمكن قراءتها في جملة نقاط منها :
 1. تقود 'ثورة الشباب' مصر بعقلية الانتقام، فأظهرتنا جماعات منهم بوجه حماة الديكتاتوريات،وان لنا تدخل في الشأن المصري الداخلي ومحاولة وأد الثورة . بل إن الناشطة السياسية'وسام' ذهبت الى حد نفي مشاركة القوات العربية في الحروب ضد إسرائيل. ولا نعلم كيف يتسق دعم الدكتوريات، الى جانب ترددات قناة الجزيرة والعربية والطائرات الاماراتية والقطرية في سماء ليبيا ! أو كيف إن جيش الكويت كان الجيش العربي الوحيد الذي شارك المصريين في حرب67،وخسرت الكويت في حرب الاستنزاف 1967-1970م أكثر مما خسرت في حرب تحرير الكويت.    
2.لم تبذل الجهات الرسمية المصرية جهدا يذكر للحيلولة دون تسرب أخبار التحقيقات مع الرئيس المخلوع وزمرته،مما سبب حرجا لدول خليجية عدة لعل خير مثال عليها أزمة توشكى،والشركةالكويتيةالمصرية ،ومشكلة شركة الفطيم الإماراتية، مظهرة الخليجيين كمصاصي دماء للشعب المصري مما يهدد بنسف أو مراجعة الاستثمارات الخليجية هناك.
3. لم تظهر مملكة البحرين وعمان على جدول جولة د.شرف،وكأن مصر تسعي   للمساعدات المالية والقروض والمنح،فشملت الزيارة الدول الخليجية الغنية. كما ترى المنامة خاصة ان قرار تحسن علاقات القاهرة مع طهران أتي في وقت حسّاس وغير مناسب قامت خلاله طهران بالتحريض على تغيير النظام في المنامة. فهل تقفز المنامة لتحل محل الدوحة وكأننا نتناوب الجفوة مع مصر ؟
4.لم تخف أبوظبي إمتعاضها من أسلوب معاملة الرئيس المخلوع،ولا من إتهامات القاهرة لها بقيام مبارك ونجلاه بتحويل أمواله لها خلال الفترة التي سبقت مرحلة التنحّي، مما أقلق الإمارات فأعلنت عدم تهيئها لاستقبال عصام شرف .     
5. سعت دول خليجية الى خروج غير حاد لمبارك لكن تعامل المجلس العسكري مع المقترحات الخليجية خربت سيناريو كانت تريد تطبيقه مع الرئيس اليمني علي عبدالله صالح وغيره من الطغاة لصالح شعوبهم .
6. أعتبرت العواصم الخليجية كمايرى البعض التقارب المصري الإيراني بمثابة ورقة ضغط من المصريين بهدف طلب معونات،فرفضت هذاالأسلوب،لكي لايكون مبدأ للتعاون مع حكومة القاهرة الجديدة .
7. أربكت تناقضات السياسة الخارجية المصرية بين موقف العسكر وموقف وزارة الخارجية دول الخليج،حيث وجدت لومًا من قيادات المجلس العسكري للخارجية على كثرة تصريحات تقربها من طهران،حيث صرح المجلس العسكري بموقفه عدم السماح لإيران بالنيل والإنفراد وبسط نفوذها على منطقة الخليج. 
8. لم تبد دول الخليج ارتياحاً لتوجهات السياسة المصرية في الفترة المقبلة مع ايران،  حيث تتخوف أن يكون على حساب مصالحها،وهو درس وعته العواصم الخليجية من تبدل الاهتمام الامريكي المصلحي تجاه العراق بعد سقوط الطاغية صدام على حساب المصالح الخليجية .
9. كما يرتاب الخليجيون في دوافع مصر من الانفتاح المفاجئ بعد قطيعة طويلة،وهل الولايات المتحدة هي التي تشجع انفتاحها على إيران أم أن هذا خيار مصري بحت.
10 . في الوقت الذي تظهر في الافق بوادر تغيير في سوريا قد يعيد دمشق  إلى الصف العربي، يأتي التغيير في علاقة القاهرة مع طهران كخلط مفاجئ للأوراق على الطاولة الخليجية المرتبكة .
 في عودتنا  لجثث جيش قمبيز الثاني أنتشر  في سبتمبر 2009م خبر حل لغز فلول الجيش الفارسي المفقود منذ 2500 سنة، حيث استطاع الشقيقين التوأمين آنجلو و الفردو کاستيجليوني' Angelo Alferio  Astejleoni'  مع فريق من الباحثين الإيطاليين حله بعد أن وجدوا المئات من الهياكل العظمية، وإلى جانبها أسلحة برونزية وأقراط فضية في  الصحراء الغربية.ليضع الاكتشاف العلاقات بين حضارتين عظيمتين في إطارها الصحيح من التمازج والتواصل.   ثم هبت 'رياح قبلي'الخريفية في نوفمبر 2009م ، ومعها  قال المجلس المصري الاعلى للاثار في بيان أصدره إن : 'ما ذكرته وكالات أنباء وقنوات فضائيه حول عثور الأخوين أنجلو والفريدو كاسنيجلوني أثناء قيامهما بحفائر في واحة البحرين بالقرب من واحة سيوة ليس صحيحا خصوصا وأن الأخوين لا يعملان في بعثة إيطالية للتنقيب عن الآثار'.   ولم يبق مؤكد من علاقة لحمتها الجثث بين القاهرة وطهران إلا جثة الشاه محمد رضا بهلوي فى مسجد الرفاعى في القاهرة والتي ستطالب طهران بنبشها نظير عودة العلاقات. وذلك خير من أن يكون الثمن جثثنا !

د.ظافر محمد العجمي –المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج

تعليقات

اكتب تعليقك