خيارات الطغاة كما يراها بن طفلة
زاوية الكتابكتب إبريل 23, 2011, 1:06 م 1365 مشاهدات 0
ورطة الطغاة
حاول أن تدخل في تفكير طاغية يثور شعبه ضده هذه الأيام، لا يهم من يكون، وليس مهماً أين. التجارب التي انتهت بها ثورتا تونس ومصر تجعل خيارات الطغاة محدودة: هل أهرب؟ أم أبقى لأواجه العدالة؟ وأي عدالة تلك؟ لا ندري بعد؟ إن ثورتي تونس ومصر تضع الطغاة أمام خيارين ثالثهما الدم والولوغ في القتل، وهما خيارا الهرب أو البقاء بعد التنحي:
سيناريو الهرب: هو ما اتبعه الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي بعد ثلاثة وعشرين يوماً من ثورة شعبه ضده، وبعد هروبه تاركاً 'الجمل بما حمل'، ألقي القبض على أركان حكمه وبعض وزرائه السابقين وأعوانه ومستشاريه بل وحتى أخيه، الذي اعتقل قبل أيام. والمؤكد أن هروب بن علي جاء سريعاً، ودون معرفة أي من أعوانه وأركان حكمه، فلو أنهم علموا بنيته الهرب لما تركوه يرحل دون أن يأخذهم معه، أو لما ترددوا بأن ينقلبوا عليه في اللحظات الأخيرة قبل أن يغرق المركب، ويقدموه قرباناً للشعب الذي انفجر من الظلم والطغيان. لكن 'بِنْ علي هْرَبْ'، وهذا ما لن يفكر به أي من الطغاة مستقبلًا خوفاً من الذين يتمسكون بالنظام حتى اللحظة الأخيرة، فهم لن يتركوا الطاغية يرحل ويحترقوا بروح الانتقام أو قل العدالة التي يفرضها أو يفترضها الثوار.
سيناريو البقاء: في المقابل، فإن الرئيس المصري السابق حسني مبارك، وبعد أن ضاق عليه الخناق تنحى عن السلطة، لكنه رفض رفضاً قاطعاً الهروب سواء على طريقة بن علي أو حتى بطريقة أقل 'هروباً' بعد أيام من تنحيه، فقد كان بإمكان مبارك مغادرة مصر، واللجوء لبلد لا يسلمه للسلطات المصرية، أو بإمكانه أن يتمارض بهدوء في أحد المصحات الأوروبية البعيدة عن مصر، ويقضي ما بقي له من العمر محصناً بحالته الصحية، ولكنه آثر البقاء، وهذه تحسب له، فقد قال في آخر كلمة له، أنه لن يرحل عن مصر وسوف يموت على ترابها، وهذا ما يتوقعه المتابعون للمشهد المصري، فكل نفس ذائقة الموت، وقد يأخذ الله أمانته قبل تقديمه للمحاكمة.
لكن الحقيقة المؤلمة أن مشهدي تونس ومصر قد ورطا بقية الطغاة، وخاصة من تلطخ منهم بالدم، فلا هو قادر على الهرب، ولم يعد بالإمكان البقاء دون محاكمته مهما تقدم من تنازلات، وكلما غرق في الدم، غاصت أقدام نظامه في وحول السقوط، وضاقت عليه الربقة، وعاش حالة من الهلع من أقرب مقربيه، وسقط ضحية الشك المرضي حتى بأفراد عائلته، فالخوف من المحيطين يصبح هوساً وجنوناً عقلياً، لعلمه أن رصاصة واحدة يمكن أن تقضي عليه وتنهي الحالة الدموية وتضع حداً للنظام. لذلك لم يعد أمام الطغاة سوى الانغماس بالدم والبطش والسفح، لأنه لم يعد لديهم خيارات، ولعل القذافي يشكل أنصع صور ورطة الطغاة، فلا هو قادر على الهرب لأن من حوله يلتصقون به ومصيرهم مرتبط ببقائه، وهروبه يعني الانتقام منه بالانتقام منهم، ولا القذافي قادر على التنازل عن السلطة الآن لعلمه الأكيد أنه لن ينجو من المحاسبة والمحاكمة لجرائمه ضد شعبه، وحتى لو 'عفا' عنه شعبه- وهو ضرب من المستحيل، فلن يتركه أوكامبو- مدعي عام محكمة الجرائم الدولية ضد الإنسانية، والذي أعد قائمة بالقذافي وأبنائه وأعوانه منذ أسابيع، وكلما استمرت حرب الإبادة لمعارضي القذافي، كلما طالت القائمة وامتدت قائمة التهم الموجهة له ولحاشيته.
الطغاة محاصرون بخياري الهرب أو العدالة: خياران أحلاهما مر، إنها ورطة الطغاة التي قادوا لها أنفسهم بالطغيان وقهر شعوبهم.
تعليقات