علي المتروك يطالب الجميع بأن يعرف حدوده، فلا يستقوى أحد على أحد بفئة أو قبيلة، أو بجهات لتنفيذ أجندات خارجية ؟!
زاوية الكتابكتب إبريل 14, 2011, 12:23 ص 1505 مشاهدات 0
خطوات على الطريق
الاستبداد
علي يوسف المتروك
لم يترك الباري جل شأنه عباده سدى، بل جعل لهم قيادة من اختياره سبحانه وتعالى، لتقود الناس حسب تعاليمه الى معارج الرفعة، والأمن والسلام، فقال لنبيه ابراهيم عليه السلام: {اني جاعلك للناس اماما} ففرح ابراهيم بهذا التعيين، وهذا التكريم، فرغب وتمنى ان تكون هذه الامامة في ذريته من بعده، فقال: {ومن ذريتي} فأجابه الباري جل شأنه قائلا: {لا ينال عهدي الظالمين} أي ان هذه الامامة والقيادة تنزع الشرعية من كل ظالم يستبد بأحوال الأمة، بغير رضى منها، وهذا الاختيار الالهي يرجع الى الباري جل شأنه، وليس لانسان كائن من كان ان يعترض على هذا الاختيار، لقوله تعالى: {وماكان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى الله ورسوله أمرا ان يكون لهم الخيرة} (الاحزاب 36).
لقد سبق في علم الله وهو العالم بما تؤول اليه الأمور، ان يخرج الناس عن نطاق هذا الاصطفاء، والجعل الالهي، فقال سبحانه وتعالى لمن يتولى أمور الناس محذرا: {واذا حكمتم بين الناس فاحكموا بالعدل} حيث ان العدل روح الحكم ومشروعيته، ونهى الحاكم ان يحكم بمزاجه الشخصي حسب رضاه وغضبه، تجاه من يحكمهم، أو يحكم عليهم فقال جل شأنه لأولئك الحكام الحائدين عن الحق: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يَجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله ان الله خبير بما تعملون} (المائدة 8).
تشاء الصدف ان يستولي أحدهم على السلطة، أما بالوراثة، أو الانقلاب العسكري، أو بقوة القبيلة او بالغلبة بغفلة من الزمن، فيخرج عن حدود العدل، ويمارس الاستبداد والظلم، ويفتك بالأبرياء، ويصادر ارادتهم بالقوة والبطش، فيتصدى القرآن الكريم لهذا النوع من الحكام بالتقريع واللعن فيقول: {فهل عسيتم ان توليتم ان تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم} (محمد 23/22).
وما ظنك بمن أصم الله أذنيه، فهو لا يسمع الا ما يحب ان يسمعه من بطانة السوء المحيطة به، وجوقة المدلسين والمنافقين، الذين يشترون رضى المخلوق بسخط الخالق، فيسّوقون للحاكم كل أعماله مهما عظمت، ويبررون له ظلمه وجوره، ثم تسترسل الآية فتقول: {وأعمى أبصارهم} وهذا العمى ليس عمياً جسمانيا بفقدان البصر، ولكنه عمى معنويا يحجبه عن النظر الى معاناة الاخرين، أي أنه لا يبصر ولا يهتدي الى سبيل الرشاد للغواية التي ركس فيها، لانفصاله عن الناس وبعده عن سماع اصواتهم وهكذا يضله الله بسوء عمله، ومن يضلل الله فلن تجد له وليا مرشدا وما يجري على الساحة من أدنى المعمورة الى أقصاها في أكثر من بلد خصوصا في عالمنا الاسلامي ما يغني عن البيان.
ان تحمل همك الشخصي فالناس في هذا الهم سواء، أما ان تحمل الهم العام فتلك فضيلة مصداقا لقول رسول الله صلى الله عليه وآله: (من لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم) والأخ الفاضل الاستاذ فهد المعجل من أولئك الاشخاص، الذين يحملون الهم العام، فقد أفضى لي بالأمس عن هواجسه، لما يجتاح المجتمع من فتن طائفية، يخاف عواقبها ونتائجها، وأتمنى ان يحذو حذوه كل مخلص لهذا البلد الطيب، فالجميع في سفينة واحدة، علينا بتكاتفنا ان نعين ربانها للوصول بها الى بر الأمان، والكويت منذ نشأتها لم تعرف الصراع الطائفي البغيض، بل كان التسامح سمة من سماتها المميزة عندما كانت تسمى (ديرة بن صباح) لجأ اليها الناس من كل حدب وصوب، على الرغم من شظف العيش، وقلة الموارد، وقساوة الطبيعة، فشكلوا مجتمعا مثاليا، أصبح مضرب الأمثال، وسيكون كذلك إن شاء الله بحكمة مواطنيها وولاة امورها.
والمهم ونحن في هذا السياق ان يعرف الجميع حدوده فلا يستقوى أحد على أحد بفئة أو قبيلة، أو بجهات خارج حدود الوطن أو بأفراد لتنفيذ أجندات خارجية لا تريد لهذا البلد الاستقرار والنهج الديموقراطي الذي ارتضاه هذا الشعب لنفسه قدرا ومسارا.
علي يوسف المتروك
تعليقات