كاتبة سورية تعتبر بثينة شعبان نموذجا مثاليا مهمته التلميع والتزيين والبهرجة وإخفاء عيوب النظام ؟!

زاوية الكتاب

كتب 1958 مشاهدات 0


مها بدر الدين / بثينة تريدها طائفية 
 
تعتبر المستشارة الإعلامية للقصر الجمهوري السوري الدكتورة بثينة شعبان نموذجاً مثالياً لقياس مستوى العاملين في بلاط النظام، والمنوط بهم مهمة تلميعه وتزيينه وبهرجته وإخفاء ما يمكن إخفاؤه من عيوب ليبدو للناظر البعيد وكأنه كامل الأوصاف، جميل المحيا، ثابت الممشى، متوازن الفكر، واثق الخطى، لكن استخدامهم المسرف للأدوات التجميلية البدائية التي تظهر القباحة أكثر قبحا، مكن الناظر القريب من معرفة العيوب الخلقية والأخلاقية التي يعاني منها النظام والذي تحاول مجموعة المزينين هذه اخفاؤها.
فالمستشارة بثينة شعبان التي أطلت على الشعب السوري في بداية الاحتجاجات لتهدئة الأوضاع المتوترة وطمأنة الشارع السوري الثائر وزف البشرى إليه بتحقيق مطالب المحتجين، قد صبت الزيت على النار بظهورها المتعجرف وتكبرها الواضح وأنفتها الزائفة التي لاحظها جميع السوريين المتابعين لمؤتمرها الصحافي الذائع الصيت ابان المظاهرات السلمية التي اندلعت في محافظة درعا واستشهد الكثير من أبنائها برصاص أجهزة الأمن السوري، فجاء وقع كلماتها ثقيلاً على قلوبهم، جارحاً لمشاعرهم، مسعراًُ للنار الشابة في أحشائهم.
لقد أطلقت حزمة من الوعود الكاذبة التي لم يتحقق منها شيء رغم تأكيدها على فورية تنفيذها، بل انها أعلنت زيادة الرواتب للموظفين السوريين بترفع ملحوظ وكأنها تمنح الشعب السوري منحة من مالها الخاص، وبدت وهي تقرأ ما كتب لها في أوراق الرئاسة وكأنها تستكثر على شعبها خطوات الإصلاح المزعوم الذي تفننت الحكومة السورية بصياغتها بطريقة زئبقية بحيث لا يمكن مسك طرف أي من خيوطها الهلامية، وهذا ليس غريباً على الحكومة السورية بمؤسساتها الإعلامية، والناطقين باسمها، والكاتبين بقلمها الذين يتقنون جيداً فن الحديث المستفز الذي لا ينتهي إلا والمستمع إليه يعاني من دوخة في الرأس، ولعية في النفس، وغصة في الحلق، وضيق في التنفس، والتمني إما أن يكون أصم أو أن يصاب المتحدث بالخرس.
فالعارف بالشأن السوري والقارئ لمقالات السيدة المستشارة وتصريحاتها هنا وهناك يدرك المدى الشاسع والواد السحيق الذي يفصل بين هموم الشعب وواقعه وأبراج الحكومة العاجية وساكنيها، فهي عندما تتحدث عن حق الشعوب العربية في الثورة على أنظمتها المستبدة وتسجل إعجابها بالثورة المصرية والتونسية، فكأنها تسقط صفة العروبة عن الشعب السوري من جهة، وتصنفه من الشعوب التي لا حق لها بالثورة لتمتعها بنظام سياسي ديموقراطي حر من جهة أخرى، وفي كلتا الحالتين تبدو السيدة شعبان أنها تعيش في كوكب آخر بعيد جداً عن هموم الشارع السوري ومتطلبات مجتمعه، وتؤكد أنها ليست سوى بوق للحكومة ومزمار للنظام كغيرها من السياسين والإعلاميين السوريين الذين باستعلائهم وتعنتهم وتهليلهم وتزميرهم وتطبيلهم للنظام، إنما يدفعونه إلى فقد مصداقيته أمام الرأي العام المحلي والعالمي وسقوطه سقوطاً حراً ومن علو شاهق.
ولم تكتف المستشارة باستفزاز الشعب السوري بل انها باتهامها الشيخ القرضاوي بإثارة الفتنة الطائفية وهو الذي لم ينطق كفراً، فإنها توحي إيحاء وتعطي إيعازاً لأيدي النظام بتحويل الاحتجاجات السورية من صورتها السلمية الشعبية الجماهيرية إلى صورة طائفية تناقض واقع الاحتجاجات التي ينضوي تحت لوائها جميع طوائف الشعب السوري ويرددون معاً شعارهم الرائع «واحد واحد... الشعب السوري واحد» وهو ما يدحض كل صبغة طائفية تريد الحكومة إصباغها بها، ويؤكد أن النظام السوري كعادته في خلط الأوراق عند الأزمات يريد أن يجد مخرجاً له من أزمته الحالية بتحويل مجرى الأحداث إلى اتجاه طائفي يصعب السيطرة عليه لو كان لها ما أرادت.
ويبدو أن الوادي السحيق الذي تكلمنا عنه، والفاصل الواسع بين النظام الفاسد وحقوق الشعب، لم يسمح له بأن يدقق النظر في سمات شعبه ليرى أنه أصبح أكثر وعياً لواقعه، وأكثر تماسكاً بأفراده، وأكثر شجاعةً في تحديه، وأكثر إصراراً على تحقيق حلمه، فالشعب السوري بجميع طوائفه وأطيافه قد تغيرت ملامحه الاجتماعية والنفسية والعقائدية، وتوحدت اليوم مطالبه المشروعة تحت راية الحرية والكرامة، وأصبحت عقيدته التي تضم أبناءه جميعاً هي عقيدة «الله وسورية وحرية... وبس».
ولا أشك بأن السيدة بثينة لو كانت تحفظ خريطة القطر العربي السوري، و تعرف جغرافية بلدها، ومطلعة على التركيبة السكانية في كل أنحائه، وبقليل من النظرة الموضوعية والحكمة السياسية والدراسة المستوفية لمناطق اندلاع الاحتجاجات الشعبية، لتأكدت أن جميع الطوائف السورية تسير باتجاه إجباري واحد نحو سورية جديدة ناهضة، تكفل لجميع أفرادها حياة كريمة مشرفة وتعيد إليهم الشعور بالأمان في بلدهم وهم الذين يعانون الغربة القسرية في وطنهم منذ زمن، ولو أنها قرأت قليلاً في كتب التاريخ السوري لعرفت أن تآخي الطوائف السورية المتعددة كان ومازال ملحمة تاريخية فريدة على مرالعصور، كما أن تاريخنا القريب الذي كان مثالاً للنشاط السياسي الحر وكثرة الانقلابات السياسية لم يسجل أي حركة أو انقلاب سياسي قام على أساس طائفي، والدليل الدامغ على انتفاء هذه النزعة الطائفية عند الشعب السوري، قيام الحكم العلوي في بلد ذي غالبية سنية لأكثر من أربعين سنة وبدعم سني كامل، ولعله من المفارقات الغريبة أن أكثر من ساند هذا الحكم ودعمه وثبت أركانه مجموعة من رجال درعا السنة الذين خدموا النظام بإخلاص شديد ابتداء بفاروق الشرع وانتهاء برستم غزالة وبينهما كثر.
وآخر القول، انه لو كان التونسيون قد هرموا للحصول على حريتهم، فالسوريون قد ملوا وانتفخوا وانفجروا من أساليب الساسة السوريين في معالجة المستجدات، فهل تكف أبواق الحكومة السورية عن الصدح، ومزامير الإعلام السوري عن التزمير، وهل يكف أمثال بثينة والشرع والشيخ البوطي عن الاستهانة بقدرات ووعي الشعب السوري الذي أصبح اليوم شجاعاً وحراً.
 
 

الراي

تعليقات

اكتب تعليقك