دوافع التدخل العسكري الخليجي في ليبيا وتبعاته

عربي و دولي

4489 مشاهدات 0

التدخل الخليجي

للحرف ثلاث وظائف، أن يكون علامة، وأن يحفظ، وأن يشهد. وحين يقلب جيل قادم أوراق التاريخ العربي سيجد حروفا تشهد على أن دول مجلس التعاون قد تمتعت بإدراك جاد لمحيطها العربي وبيئتها الأمنية، فقد تعدت المشاركة الخليجية بصقور الجو فيها لتنفيذ الحظر الجوي على كتائب القذافي المجاملة الدبلوماسية لتصل إلى الشراكة الاستراتيجية مع القوات المخولة بتنفيذ قرار مجلس الأمن 1973.
   
في هذه الحملة الجوية أطلقت الولايات المتحدة على تنفيذ الحظر اسم عملية فجر الأوديسا (Operation Odyssey Dawn) بينما أسماها الفرنسيون (Operation Harmattan) وأسماها البريطانيون (Operation Ellamy) أما الكنديون فقد أطلقوا عليها اسم (Operation MOBILE). لقد تعددت الأسماء والهدف رأس القذافي، وكما اختلف الحلفاء على اسم العملية، اختلفوا على هيكل القيادة والتشكيل، بل في الدوافع والمصالح الاقتصادية والسياسية، ثم الإنسانية.

 أما الطيار الخليجي فقد قادته البوصلة الأخلاقية ودفعه الواجب والبؤس غير اللائق لإخواننا في ليبيا للمشاركة. إلا أن هناك دوافع أخرى منها:    
1. شيوع مفهوم التدخل الإنساني في العلاقات الدولية، فقد كاد القذافي ينفّذ في الثوار كارثة بشرية.

2. قصر الزمن المتوقع للمهمة لسوء سلاح القذافي وإمداده وقلة رجاله.
3. حقق التدخل الخليجي الشرط الثالث من شروط الناتو وهو الدعم الإقليمي بجانب الحاجة الماسة والأساس القانوني الأممي. 
    
4. مع ترهل دور الجامعة العربية وبطء تحركها وتقلب قرارات أمينها، ستمهد الأزمة لظهور دور خليجي أكثر ديناميكية وجرأة.
      
5. تدين دول الخليج للقرارات الأممية ضد صدام بالحرب والهيمنة الإيرانية بالعقوبات الاقتصادية، فانخرطت في الجهد الأممي بالقرار 1973. وهو أيضا توجه للحد من النزعة التدخلية لمنفردة لأميركا في المنطقة.    

6. التدخل موقف أخلاقي لنصرة إخوة عرب ومسلمين أمام طاغية لم يظهر أدنى مؤشر للحوار أو العقلانية.

وقد نصت الفقرة الأولى من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة على مبدأ المساواة بين جميع أعضائها، مهما كان حجم الدولة أو درجة نموها أو قدراتها الاقتصادية أو العسكرية؛ وعليه فلا يمكن النظر إلى قيمة المشاركة في الجهد الأممي من حيث حجمها، بمعزل عن نسبتها لحجم الدولة المشاركة، حيث جاءت المشاركة بالجهد الجوي الخليجي حتى الآن كالتالي:

1. دولة قطر: جسر جوي بطائرة النقل الاستراتيجي «C-17A» و «C-130J-30»، نقل حتى الآن 224 طنا من المساعدات الغذائية والدوائية عبر مطار العلمين بمحافظة مطروح. كما شاركت أربع مقاتلات قطرية من طراز ميراج (Mirage 2000-5) في الدوريات المسلحة انطلاقا من جزيرة كريت مع الطائرات الفرنسية بصفتها شريكاً استراتيجياً وتاريخياً، ولتوفر الصيانة والتجهيز.
     
2. دولة الإمارات: شاركت بست طائرات «F-16E/F Desert Falcon» ‏ وست طائرات ميراج المقاتلة «Mirage 2000-9» لتنفيذ منطقة حظر الطيران، فضلاً عن طائرات أباتشي «AH-64A Apache» وشينوك «CH-47C/D Chinook» وطواقمها للبحث والإنقاذ.

3. دولة الكويت: أقلعت طائرات النقل C130 من قاعدة عبدالله المبارك الجوية محملة بالمواد الطبية والمساعدات الإنسانية لتقديمها كمساعدات عاجلة للمتضررين.

4.المملكة العربية السعودية: تشارك بطائرة مراقبة أواكس «Boeing E-3 Sentry» وأخرى للتزود بالوقود «Boeing KE-3A».. وستكون قاعدتها مرسى مطروح الجوية قرب الحدود الليبية.      
لقد غاب التنسيق الخليجي الذي كنا نتمنى وجوده عن هذه العملية، وباستثناء التصريحات الدبلوماسية، تم تهميش دور مساعد الأمين العام للشؤون العسكرية، وغاب دور وحدات التوجيه المعنوي في قواتنا، وانعزلت القوة الخليجية هناك عن مجتمعها، وفقدت المتابعة وشد الأزر بغياب الرسالة اليومية، كما حصل للقوة الكويتية في الصومال والإماراتية في كوسوفو، مما يفتح المجال لتضخم حجم انتقادات المشاركة وتبعاتها والتي منها:

1. التكاليف الضخمة التي يندرج ضمنها ثمن وقود الطائرات والذخائر، وقطع الغيار، والأنظمة العسكرية، ودفع بدلات للقوات المشاركة في العمليات، حيث وصلت كلفة عمليات اليوم الأول 100 مليون دولار، وسترتفع الكلفة الإجمالية إلى مليار دولار من دون اعتبار لنتائج الحملة.

2.دورنا في صنع النظام القادم الذي كان لنا يد في وصوله والخوف من العودة لنظام له وفاءات بدائية كالقبلية والطائفية والمناطقية، وقلة خبرتهم السياسية التي قد تقود لنهج متطرف داخل الجامعة العربية وداخل منظمة أوبك كما كان يفعل القذافي.
      
3.تكاليف الإغاثة وتموين النازحين ودفع تعويضات عاجلة للعمال المهاجرين حتى يصلوا إلى ديارهم، بالإضافة إلى التبعات الإنسانية من خيام ومأوى.

4. رغم الغطاء الأممي لتقليم أظافر القذافي، فإن الشارع العربي قد يكون له ردة فعل عاطفية قد يطالنا رذاذها، ولنا في الكويت تجربة مريرة حين سهلنا عملية إسقاط الطاغية صدام بقرار من مجلس الأمن 2003م.      

5.أتت قوة الثوار الليبيين من ضعف خصمهم، فرغم ما أنجزوا من تقدم كبير على الأرض فإن ذلك لا ينفي واقع ضعف خبراتهم القتالية، وغياب القيادة الميدانية الطاغية والقادرة على منع تشرذمهم وتحولهم إلى ميليشيات تتكسب من النصر المنتظر.
     
6.في زمن تردد وضعف مقاربات الجامعة العربية للأحداث، يظهر توجس من تحميل الدول الخليجية وزر شرعنة ضرب القذافي من قبل الغرب، واستخدام الورقة الخليجية لشرعنة أعمال مماثلة داخل الوطن العربي.    
بقي أن نشير إلى أن الحرف الذي يشهد ويحفظ لن يجد اسماً خليجياً لهذه العملية، لا موحداً من قبل الأمانة العامة لمجلس التعاون، ولا منفرداً من قبل رئاسة الأركان في الدول التي شاركت، مع أن صقور الجو يستحقون أكثر من اسم ومن رسالة يومية.

الآن-د. ظافر محمد العجمي –المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج

تعليقات

اكتب تعليقك