السؤال ليس عن موافقة المعارضة.. بل عن موافقة الحكم على المبادرة الكويتية
زاوية الكتابكتب مارس 28, 2011, 2:01 ص 2504 مشاهدات 0
على عكس ما يظن الكثيرون، فإن السؤال حاليا ليس عن موافقة جمعية الوفاق وعموم المعارضة البحرينية على المبادرة الكويتية، وإنما السؤال الحقيقي يتمحور حول موقف الحكم من هذه الوساطة، وهل مازال النظام راغب بالفعل في الدخول في حوار منتج مع المعارضة، بعد أن 'حقق نصرا عسكريا مظفرا'، كما تقول بعض أطرافه، صراحة أو مواربة، يريد تحويله إلى نصر سياسي. ويقال أن هذه معادلة كلاسيكية. قبل 16 مارس الجاري، أي قبل الهجوم (الثاني) الدامي على دوار اللولو، وما سبقه من إعلان حالة الطوارئ، وما تلاه من إجراءات أمنية عنيفة، وحملة إرهاب منظمة، كان السؤال يتركز عن مدى موافقة المعارضة، برئاسة الوفاق، على النقاط السبع التي عرضها ولي العهد. أما بعد 16 مارس، فتعتقد السلطات أن الوضع تغير، وهو كذلك بالفعل، فبعد أن كانت هي من تسعى وراء المعارضة، أصبحت الأخيرة تحاول جر الأولى لطاولة حوار، برعاية كويتية، لا أريد الخوض في تفاصيلها حاليا، لكني أتمنى نجاحها. التصريحات الحكومية، على لسان وزير الخارجية ووزير العدل ووزيرة التنمية الاجتماعية، لا تعكس رغبة واضحة في دخول الحوار، فجميعهم يتحدثون عن 'باب مفتوح للحوار شريطة استتباب الأمن وعودة الاستقرار'. ولا تفصح الحكومة عن مفهومها لعودة الأمن والاستقرار، وعلى الأقل فإن هذه عبارة فضفاضة وحمالة أوجه، ومن المؤكد الآن أن السلطات لا تعني بعودة الأمن تفريق المحتجين من الدوار، أو ما تسميه 'تطهير' الدوار، بدليل أنها مازالت تعتبر الاستقرار غير مستتب، وإن الخيار الأمني يظل أولوية. إن مفهوم استتباب الأمن إذا كان المقصود منه، إنهاء جميع مظاهر الاحتجاج، في كل مكان، فأظن أننا سننتظر طويلا، حتى يتحقق ذلك، ولا أظنه سيتحقق أبدا، من دون آلية سياسية. إذ فضلا عن المطالب التي يراها المحتجون مشروعة، تتغذى الاحتجاجات على يوميات دامية، وجنائز تشيع إلى مثاويها الأخيرة، وجرحى ومعتقلين ومفقودين بالمئات، ومداهمات لا تتوقف للمناطق السكينة والبيوت.. وتاريخ موثق ومتبادل من سوء الظن (وثائق ويكيليكس نموذجا). على أن هناك معطى آخر مهم، يمكن أن يعبر عن موقف السلطات من 'الآخر' الذي يفترض التحاور معه، يتمثل في استمرار تلفزيون البحرين في نزعاته ـ التي ليس من المبالغة وصفها بـ ـ البغيضة تجاه نصف البلد، محتجين وغير محتجين، قادة وشعب، ونعتهم بما لا يليق بدولة تسب مواطنيها علنا، وفي جهازها الإعلامي الرسمي، ومن المأساوي أنها تفخر بذلك، وتصر عليه. وقد كان تغيير خطاب التلفزيون من بين الشروط التي كانت المعارضة تطالب بها، لخلق ما تسميه أرضية للحوار الذي كان دعا إليه ولي العهد في 19 فبراير الماضي، على اعتبار أن خطاب الشاشة الفضية يقع تحت سيطرة القطاع النافذ في النظام، يتحكم به، ويسيره من خلال مركز الأخبار بالتلفزيون، وأغلب كوادره غير بحرينيين بالمناسبة. لكن التلفزيون واصل حتى بعد 19 فبراير الماضي نهجه في الشحن الطائفي، ولعل ذلك ما كان يعطي انطباعا بأن السلطات لم تكن راغبة في إطلاق حوار جدي، بل كسب الوقت لحين اختيار الخطوة التالية، وقدوم قوات درع الجزيرة، لقمع ـ أو لعمل غطاء سياسي لقمع ـ المتظاهرين السلميين، الذين تمكنوا من الصمود في الموجات الأولى من القمع، الذي بدأ مع انطلاقة الاحتجاجات في 14 فبراير الماضي، وبلغ مداه في 17 من الشهر نفسه، أي أن النهج الأمني لم يكن وليد تدخل إقليمي، وإن زادت وتيرته. وأمام تقهقر المعارضة الواضح، صعدت الحكومة من خطابها السياسي والأمني والإعلامي...، وذهبت إلى أقصى ما يمكنها فعله أحيانا، في محاولة للتأكيد على ما تسميه استعادة زمام المبادرة العسكرية والسياسية، وغيرها من النواحي، التي يبدو أنها أعطت ضوء أخضر لإساءات تطال المواطنين الشيعة (هكذا صراحة) في أماكن عملهم ومناطق سكناهم وفي نقاط التفتيش الرسمية وغير الرسمية. بيد أن استمرار تعالي الحكم على الإشكالية السياسية التي كانت معلومة منذ 2002، بل منذ 1975، قد يقود النظام إلى التغني أكثر مما يُتوقع بالحل الأمني، واستمرار الدبابات في الشوارع، وغياب حالة اللاتوافق، الذي سيكون مكلفا للحكم أيضا، وليس فقط للناس، ليس على الصعيد المالي فقط، وهو ما ستعوضه السعودية في بعض الجوانب، وإنما على صعد أكثر عمقا، لا يمكن تعويضها بالمال. ولعل الكويت، باعتبارها راعي الحوار البحريني البحريني، يمكنها دعوة الفرقاء البحرينيين، للالتقاء في قصر بيان، على طاولة حوار، يرعاها أمير الكويت، ومن دون ذلك، يخشى أن الزمن سيطول حتى تجلس المعارضة والنظام، أو على الأقل حتى نصل إلى توافق وطني. بيد أن الكويت تعيش ـ فيما يبدو ـ الإشكالية الراهنة بنَفس بحريني. ويأمل أن لا يعيق ذلك جهودها للمساعدة في إخراج البحرين في عنق الزجاجة.
تعليقات