رأي قانوني خص به ((الآن)) حول نقل التحقيقات للنيابة
زاوية الكتابد. العنزي: الفقرة الثانية بالاستثناء تعيدنا للمربع الأول لأنه بلا حدود
كتب مارس 10, 2011, 7:06 م 6191 مشاهدات 0
خص د. مساعد صالح العنزي استاذ المرافعات والتحكيم بكلية الحقوق جريدة بمقال بشأن ضم الادارة العامة للتحقيقات بالنيابة العامة:
كثر الحديث في الاونة الاخيرة عن وجوب ضم محققي الادارة العامة للتحقيقات للنيابة العامة لاعادة الامور الى نصابها الصحيح، وحسناً فعل مجلس الأمة باقراره في جلسة الثلاثاء الماضي للمداولة الأولى لقانون ضم التحقيقات للنيابة العامة.
واذ نبارك هذه المبادره، نعتقد أنها خطوة أولى نحو تصحيح وضع قانوني غير سليم وخصوصاً بعد صدور القانون رقم 35 لسنة 2001 بشأن الادارة العامة للتحقيقات.
لذلك ارتأينا أن واجبنا الأكاديمي يحتم علينا ابداء الرأي في هذه المسالة بداية، تعرف الدعوى العمومية بانها ( التجاء المجتمع ،عن طريق من يمثله، إلى القضاء للتحقق من ارتكاب عمل يمثل اعتداءً على المجتمع وتقرير مسؤولية مرتكبه وإنزال العقوبة أو التدبير الاحترازي به).
وبمعنى اخر، هي الدعوى التي يقيمها المجتمع،لتطبيق العقاب على من ارتكب جريمة يحرمها القانون. وفي القانون الكويتي نجد أن النصوص ذات الصلة هي، وعلى التوالي، نص المادة 167 من الدستور والتي تقضي بأن ( تتولى النيابة العامة الدعوى العمومية باسم المجتمع وتشرف على شؤون الضبط القضائي وتسهر على تطبيق القوانين الجزائية وملاحقة المذنبين وتنفيذ الأحكام. ويرتب القانون هذه الهيئة وينظم اختصاصها ويعين الشروط والضمانات الخاصة بمن يولون وظائفها ).
الا ان المشرع الدستوري استدرك في الفقرة الثانية من نفس المادة، واجاز على سبيل (( الاستثناء )) ان يتولى مباشرة تلك الدعوى جهات الأمن العام بوزارة الداخلية أنذاك ( أي الادارة العامة للتحقيقات في وقتنا الحالي )، بقوله: ( ويجوز أن يعهد بقانون لجهات الأمن العام بتولي الدعوى العمومية في الجنح على سبيل الاستثناء، ووفقا للأوضاع التي يبينها القانون).
ولعل السبب الرئيسي في اجازة هذا الاستثناء، بتولي الادارة العامة للتحقيقات مباشرة الدعوى العمومية في الجنح له مايبرره في ذلك الوقت، الا أنه لم يعد موجوداً اليوم بحسب اعتقادنا. فقد أوضحت المذكرة التفسيرية بخصوص المادة 167 بأنه (مراعاة لواقع الكويت أجازت هذه المادة ـ على سبيل الاستثناء ـ أن يعهد القانون لجهات الأمن العام في نطاق الجنح بتولي الدعوى العمومية بدلا من النيابة العامة صاحبة الدعوى العمومية أصلا، وذلك وفقا للأوضاع التي يبينها القانون.
ومقتضى هذا النص عدم جواز التوسع في هذه الرخصة لأنها استثناء، والاستثناءات تجري في أضيق الحدود، كما يلزم أن يبين القانون «الأوضاع» المشار إليها في المادة الدستورية المذكورة، وأن يكفل للقائمين بالدعوى العمومية المنوطة بجهات الأمن ما تقتضيه هذه الأمانة الخطيرة من مؤهلات قانونية في القائمين بها، وتنظيم إداري يكفل لهم القدر الضروري من الحيدة والاستقلال، والبعد عن أصداء ما يلازم عمل جهاز الأمن العام من اتصال يومي بالجمهور واحتكاك بالكثيرين من الناس كل يوم، فبهذه الضمانات يحقق هذا الطريق الاستثنائي الفوائد المرجوة دون أن يكون ذلك على حساب العدالة أو الحقوق والحريات).
اما قانون الاجراءات والمحاكمات الجزائية رقم 17 لسنة 1960 ، فقد اشار في المادة 9 منه على أن ( تتولى النيابة العامة سلطة التحقيق والتصرف والإدعاء في الجنايات ، ويتولى سلطة التحقيق والتصرف والإدعاء في الجنح محققون يعينون لهذا الغرض في دائرة الشرطة والأمن العام ).
و البين من القاعدة الدستورية بأن المشرع قد قرر بأن - يعهد بقانون - بتولي الاختصاص في الجنح على سبيل الاستثناء، وبالتالي فإن عمل - الادارة العامة للتحقيقات - هي ولاية قضائية عامة في الدعوى العمومية في الجنح، حيث جاء في المذكرة التفسيرية بأن تكون ولايتها عامة في الجنح - بدلا من النيابة العامة - صاحبة الدعوى العمومية اصلا ومقتضى هذا الاستثناء ان يكون في اضيق الحدود وان يمنح اعضاء الادارة العامة للتحقيقات الضمانات الكافية للعمل بحياد واستقلال من خلال تنظيم اداري كفيل بضمان تحقيق فوائد هذا الاختصاص الاستثنائي.
وقدت اكدت محكمة التمييز الكويتية هذه الصفة القضائية لأعمال المحققين في حكمها بالطعن رقم 2001/243 مدني بجلسة 18/3/2002، بتأكيدها على «.. ان ما يصدر عن الادارة العامة للتحقيقات بصفتها الأمينة على الدعوى العمومية في الجنح والمشرفة على رجال الضبطية القضائية اثناء مباشرتها التحقيق والتصرف والادعاء في قضايا الجنح مثلما اناط بالنيابة العامة سلطة التحقيق والتصرف والادعاء في قضايا الجنايات يعد اعمالا قضائية صادرة عن هيئة قضائية وليس من قبيل القرارات الادارية سواء منها ما كان سابقا على رفع الدعوى أو متعلقا بسيرها أو متصلا بتنفيذ الحكم فيها..».
ان من بين المبادئ الهامة في القانون مبدأ الفصل بين السلطات الذي تكرسه نصوص المادة 50 من الدستور، بالاضافة الى مبدأ الاستقلالية لكل من عضو النيابة العامة، وعضو التحقيقات والذي أشار اليه القانون رقم 53 لسنة 2001 في شأن الإدارة العامة للتحقيقات بوزارة الداخلية في مادته الثانية عندما نص على أنه (يرأس الإدارة العامة للتحقيقات مدير عام يعاونه نائب أو أكثر ومدعون عامون ورؤساء تحقيق أ، ب ومحققون أ، ب، ج. ويتبع مدير عام التحقيقات وزير الداخلية، ويتبع أعضاء الإدارة العامة للتحقيقات المدير العام).
وهو ذات النص الذي كرس به المشرع مبدأ الاستقلال الفني لاعضاء النيابة العامة عن وزير العدل بالنص في المادة 60 من قانون تنظيم القضاء رقم 23 لسنة 1990 على أن ( ويتبع النائب العام وزير العدل وذلك فيما عدا الاختصاص المتعلق بأي شأن من شؤون الدعوى الجزائية وعلى وجه الخصوص ما يتعلق بتحريك هذه الدعوى ومباشرتها وتحقيقها والتصرف والادعاء فيها).
ولعل من الواجب التأكيد بأن المقصود بالتبعية وفقاً لهذا النص التبعية الادارية وليس الفنية، مما يؤكد بأن النائب العام وأعضاء النيابة العامة مستقلون من الناحية الفنية ولا سلطان لوزير العدل عليهم في ممارستهم سلطاتهم، أما فيما يتعلق بالجوانب الإدارية فإنهم يتبعون وزير العدل.
بالاضافة الى هذا النص، هناك العديد من النصوص الاخرى الواردة في قانون تنظيم القضاء رقم 23 لسنة 1990 بشان اعضاء النيابة والتي تتطابق مع النصوص المقابلة لها في القانون رقم 53 لسنة 2001 في شأن الإدارة العامة للتحقيقات والتي تخاطب المحققين.
ونرى أن أهم هذه النصوص هي: - النصوص المتعلقة بأداء كل من أعضاء النيابة والمحققين للقسم قبل مباشرة عملهم - النصوص المتعلقة بحظر قيام أعضاء النيابة والتحقيقات ببعض الأعمال صيانة لكرامة عملهم وحفظاً لاستقلالهم - النصوص المتعلقة بتمتع كلا من عضو النيابة والتحقيقات بالحصانة الجنائية الاجرائية. - النصوص المتعلقة بوحدة قواعد عدم الصلاحية لكل من عضو النيابة والمحقق.
ولعل أهم نص يقطع بتماثل المركز القانوني لعضو النيابة مع المركز القانوني لعضو التحقيقات هو نص المادة 24 من القانون رقم 53 لسنة 2001 والقاضي بأن (ينقل أعضاء الإدارة العامة للتحقيقات الموجودين بالخدمة وقت العمل بهذا القانون إلى الوظائف الجديدة المعادلة لوظائفهم في المادة الثانية من القانون مع احتفاظهم بأقدميتهم في هذه الوظائف ويتقاضى كل منهم مرتب الوظيفة المنقول إليها أو المرتب الأساسي الذي يتقاضاه عند العمل بهذا القانون أيهما أكبر ).
ان من الواجب الاشارة الى بعض مادار في محاضر اجتماعات المجلس التأسيسي للدستور لتدعيم وجهة النظر هذه ان لم يكن لتأكيدها.
ومن بعض مدار ما يلي: حوار محضر الجلسة الثانية عشرة (9/6/1962) والذي جاء كالتالي: الخبير الدستوري الدكتور عثمان خليل: لا يجوز التحقيق من قبل الشرطة.
الخبير الدستوري الدكتور عثمان خليل: الامر الاول والاخير في الدعوى العمومية يجب ان يكون بيد النيابة العامة فهي التي تمثل المجتمع وهي الامينة على الدعوى العمومية بهذه الصفة.
الشيخ سعد العبدالله السالم: في قانوننا الحالي لا يجوز ان تشترك مع الشرطة أي جهة اخرى في هذا الشأن.
الدكتور عثمان خليل الخبير الدستوري: هذا لا يجوز ابدا والشرطة قد تخطئ في تكييف الجريمة من الناحية القانونية وقد تتعمد احيانا الانحراف عن الحق.
الاستاذ محسن عبدالحافظ: النيابة سلطة قضائية ولا يجوز تخطيها في خصوص الدعوى العمومية ولكن القانون الحالي بعد تعديله خصوصا يخالف ذلك وانا سبق ان اعترضت عليه.
الشيخ سعد العبدالله السالم: انا اطلب تأجيل المادة واعادة بحثها في الجلسة القادمة حتى يطلع الدكتور عثمان على قانون الاجراءات المعمول به في الكويت حاليا.
رئيس مجلس الامة التأسيسي: امر في غاية الخطورة ولا نقبل في المستقبل هذا الوضع.
وتحدث رئيس المجلس ثنيان الغانم وقال: نحن لنا انتقادات كثيرة على القانون الحالي، ولو ان الظروف الحالية تدعونا الآن للتساهل بعض الشيء بسبب كثرة الجرائم المرتكبة من الاجانب الا اننا في المستقبل لا نقبل هذا الوضع لانه قد يمس بالكويتيين وحقوقهم ويؤثر في ممارستهم لنشاطهم السياسي الدستوري الجديد.
ورد على ذلك وزير الداخلية الشيخ سعد العبدالله: نحن مستعدون للتنازل عن جميع السلطات المخولة الآن لوزارة الداخلية ونتركها للنيابة العامة، ولكن لن نكون مسؤولين عما يحدث في البلد من اخلال بالامن.
الدكتور عثمان خليل: نحن اذ نضع النص الاستثنائي الان انما نترك ذلك الاستثناء للقانون اذا كان يرى ان يمنح وزير الداخلية وجهات الامن هذه السلطات ويحدد مدى هذا الاستثناء.
رئيس المجلس التأسيسي: هذا امر في غاية الخطورة ويمس حريات الناس ويؤثر في عمل القضاء.
الدكتور عثمان خليل: هناك جنح خطيرة قد تكون اخطر من الجنايات، فمثلا هناك جنح تمس احد رجال السلك السياسي هل تحقق مع رجال السلك السياسي جهات الشرطة؟، هذا لا يجوز، كذلك جنح الصحافة والرأي.
وزير العدل في المجلس التأسيسي: عندما يستقر القضاء يجب ان يعود الاستثناء.
تحدث في محضر جلسة لجنة صياغة الدستور الثامنة عشر الموافق 3/10/1962.
وزير العدل: انا اعتقد بان اعطاء التحقيق للشرطة كان لظروف الكويت الانتقالية ولان النظام القضائي جديد ولكن في المستقبل عندما يستقر النظام القضائي وتتطور المحاكم فيجب ان تعود كل الامور للقضاء.
رئيس المجلس التأسيسي ثنيان الغانم: ان الشروط الواردة في المادة من الضمانات الاساسية التي كفلها الدستور للمجتمع والديموقراطية وهذه الضمانات لا يمكن التنازل عنها ونحن لم نعط سلطات استثنائية للشرطة والامن العام الا لفترة مؤقتة ولظروف الكويت الحالية ووجود عدد كبير من الاجانب في الكويت ورغم ذلك فان خاطرنا غير راض عن هذا الاستثناء وهذه ضمانات عامة لا يجوز التنازل عنها ابداء نحن نستطيع التنازل عن امور ادارية شكلية ولكن الضمانات الاساسية لا يمكن التنازل عنها، وحتى لو تنازلنا عنها فسيحاسبنا المواطنون على ذلك ويلوموننا.
الخبير الدستوري للدستور: هذه المادة (167) مأخذ كبير على الدستور.
الخبير الدستوري الدكتور عثمان خليل: تسجيلا للحقيقة فانا لم اقترح وضع الاستثناء الا بعد مناقشات طويلة لظروف الكويت وحتى بعد ان اقترحت وضع هذا الاستثناء اكتشفت ان هذا الاستثناء يخالف رغبة غالبية اعضاء اللجنة والفقرة الاخيرة التي وضعت في هذه المادة من المآخذ الكبيرة على مشروع الدستور.
وزير العدل: مصلحة الكويت ان تتولى النيابة كامل سلطاتها وتأخذ جميع اختصاصاتها ولا يعتدى عليها وان تأخذ كل جهة حقوقها.
وزير الداخلية الشيخ سعد العبدالله: اذا كانت المصلحة تقتضي ذلك فلا مانع عندي من تولي النيابة جميع امور التحقيق وانا اعرف ان في كل البلاد التي فيها نيابة تتولى الشرطة -رغم وجود النيابة- جزءا كبيرا من امور التحقيق.
الدكتور عثمان خليل: على ان يذكر في المذكرة الايضاحية الجملة الآتية: «وضعت الفقرة الاخيرة لمجاراة الوضع في الكويت وبذلك يترك الدستور امر المستقبل للمشرع اذا كان يرى إبقاء هذه السلطة للنيابة ام يترك الجنح للشرطة».
اقرار المادة 167 على اساس ادارة التحقيقات بدلا من النيابة العامة في الجنح.
وتم اقرار الاستثناء في محضر جلسة لجنة صياغة الدستور الثالثة والعشرين 92/23 السبت 27/10/1962.
نخلص من ذلك كله الى وجوب توحيد الدعوى العمومية من خلال ضم التحقيقات للنيابة العامة، ووقف الاستثناء الذي أورده الدستور لمراعاة واقع الكويت انذاك، من خلال تعديل قانون الاجراءات والمحاكمات الجزائية رقم 17 لسنة 1960، وتحديداً المادتين 9، 105.
د. مساعد صالح العنزي استاذ المرافعات والتحكيم بكلية الحقوق
تعليقات