قنوات (المحروسة) التلفزيونية

زاوية الكتاب

كتب 833 مشاهدات 0


لو استعرضنا برامج إحدى قنوات الريادة لوجدناها كالآتي::

الافتتاح في تمام العاشرة صباحا بتلاوة ما تيسر من آيات الذكر الحكيم بصوت الشيخ محمود صديق المنشاوي أو عبدالباسط عبدالصمد (وجميعهم من جيل الرواد وفارقوا الدنيا من سنين عديدة) يرتل آيات ' يا أيها الذين امنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم '

 وبعد ذلك برنامج الأطفال 'صح النوم' ومقدمته خفيفة الدم ثقيلة الوزن حسنيه نحمده. ويبدأ البرنامج علي أضواء خافته وخلفية غير معلومة الهوية وموسيقي تصويرية جنائزية من القرن الثامن عشر غالبا ما كانت تصاحب مسرحية 'هاملت' وتحكي المذيعة حكايات تراثية عن أمنا الغوله وأبو رجل مسلوخة وتنهي الحلقة بنصيحة للأطفال بسماع الكلام وطاعة الكبار وعدم التدخل فيما لا يعنيهم وإلا فالغول متربص بالمشاغبين ولا يخفي علي أحد أن موعد إذاعة البرنامج لا يتوافق مع موعد الدراسة حيث يكون معظم أطفال المحروسة في المدارس ولا يبقي في المنازل غير الشباب العاطل عن العمل الذي ما زال في فراشه طريحا فرأت الحكومة الذكية أن تبعث له برسالة عن طريق هذا البرنامج الذكي لتخويفه وتهديده حتى يقوم من فراشة بحثاً عن رزقه.

 بعد ذلك نسمع أغنية وطنية للعظيم الراحل صاحب شعار 'الطأطأة من أجل العلو' 'وعشان نعلي نعلي نعلي (بصوت عالي وحماسي) لازم نطاطي نطاطي نطاطي (بصوت وديع خفيض)' في موسيقي ملحمية وبقيادة أوركسترا اوبراليه تثير النفس وتشحذ الهمم والطاقات.

 تأتي فقرة الأخبار وتكون كالأتي:

الكاميرا مسلطة علي نصف وجه المذيع الذي ينظر للكاميرا الثانية بعد أن أومئ له المخرج بالنظر في الكاميرا الجانبية. يتنحنح المذيع الذي يري من خلفه صورة الوزير في ريعان شبابه وهو البالغ من العمر أرذله هو ينقل الخبر بحماس وبعصبية شديدة:

 قام فخامة وزير مراجيح مولد النبي بالتكرم علي كفر التنح في زيارة خاطفة استغرقت عدة أسابيع وسلك الزعيم المخلد بالوزارة  طريق صلاح سالم لتجنب الاختناقات المرورية في العتبة ووسط البلد ترافقه وحدات الجيش والشرطة والطيران المدني والعسكري وأقفلت المدارس وتعطلت المصالح في جميع المدن والقرى التي شرفها الوزير بالمرور وأصطف أهالي العباسية منذ الصباح الباكر لتحية الوزير الضيف وصحبه الكرام. واصطف الحرس من الأمن المركزي والمخابرات العامة والمخابرات الحربية منذ أسابيع عديدة في انتظار سيادته وبعد نزول فخامته علي مصطبة المطار التي أعدت علي أراضي المواطنين الزراعية بعد تجريفها وصب الكتل الخراسانية عليها وإخلاء جميع المنازل المجاورة والمطلة علي موقع نزول الوزير الملهم وقام سيادته بمصافحة أكابر الكفر ومطالعة العامة الذين كانوا يترقبون الزيارة منذ الإعلان عنها قبل خمس سنوات وقام معاليه بتسليم مفاتيح ثماني شقق إيجار جديد وعلي المحارة للمحظوظين من أتباع الحزب وهنأهم وقبلهم متمنيا لهم الرفاء والبنين في عششهم الجديدة إن استطاعوا للزواج سبيلا في عهد الحكومة الذكية.

بعد هذا الفاصل والذي يأخذ معظم وقت النشرة الإخبارية في تتبع حركات وهمسات عباقرة الحكومة الذكية تنتقل الكاميرا 'للأخت السهاينه أم كحلة ولبنانه اللي تاكل وتعمل عيانه' وهي تحرك رموشها حركات لا إرادية وجفونه العلوية مشدودة شدة قوية ربما من تأثير البانجو والمخدرات التي تباع علي ناصية ماسبيرو وتنقل أخبار الجريمة في مصر كالآتي:

 أستيقظ أهالي القرى الواقعة شمال قنا – أحدي محافظات صعيد مصر الجواني – علي صوت انفجار عنيف عنيف عنيف (بمياصة ومياعة مصطنعه لزوم الخبر) ووقع الانفجار في تمام الخامسة إلا الربع فجر اليوم وعلي الفور هرعت سيارات الإسعاف ومكافحة الشغب ومكافحة الإرهاب ومكافحة المتفجرات ومكافحة المواطنين المشاغبين لموقع الحادث للتعرف علي هوية الجثث ولتحديد هوية الضالعين في الحادث.

 وبعد الفحص والبحث والمحص والتمحيص وُجد أن 'علاوة مش قديم' انفجرت في أحدي البيوت علي أطراف القرية مما أدي لتطاير الدود علي مسافات بعيدة. هذا وسنوافيكم بآخر المستجدات وبيانات وزارة الداخلية حول الحادث الذي أعلن قبل وقوعه بضلوع أعضاء من المحظورة فيه ويجري حاليا اعتقال ناشطين منهم لتسببهم في تكدير الصفو العام.

 تأتي الفقرة الرياضية من النشرة ونري في الخلفية صورة محمود الخطيب وشطة وإكرامي بملابسهم الكروية في أوائل الثمانينات وقد انتقلت الكاميرا للمذيع المُحمس العصبي وقد أجهش صوته وأصبح له بحه ولا أجمل من محمد عبدالوهاب وهو يقول الخبر الرياضي:

 مازال المواطنون علي ترعة المحمودية يتابعون فعاليات الحدث الرياضي الكبير لمسابقة الغطس والتي قادها الشرقاوي الأصل الروسي المنشأ هريدي إبراهيمكوف والذي غطس ليلة أول أمس ومازال غاطسا حتى الساعة ومن المتوقع أن يخرج علينا من غيبته الكبرى عقب صلاة العشاء اليوم أو غدا علي أفضل التقديرات ومازلت الجماهير محتشدة من جميع المحافظات لتهنئة البطل رد الله غربته وفرج عنه كربته.

 وفي آخر النشرة يكرر المذيع أحدث ما يصله من فتاوى فضائية ويحذر المصريين من المحرضين والمتربصين بالأمة ويدعوهم إلي عدم الاستماع للقنوات المأجورة التي تبث أخبارا مغلوطة عن مصر المحروسة.

* كاتب ومترجم مصري مقيم بالكويت

مجدي عبداللاه *

تعليقات

اكتب تعليقك