عوضا عن سياسة التبذير المالي المسيس، ونحو وقف سياسة 'تفليس' البلد، بدر الديحاني ينصح بالتوسع في المشاريع الاقتصادية المنتجة ؟!
زاوية الكتابكتب فبراير 23, 2011, 12:13 ص 2472 مشاهدات 0
وقف تفليس الدولة
د. بدر الديحاني
يبدو أن الخوف من التطورات المتسارعة في منطقتنا العربية هو ما جعل حكومتنا تتراجع سريعا عن بعض القرارات الخاطئة التي اتخذتها في الأشهر الأخيرة، ثم تطلق الوعود السرابية المخدرة عن قرب: زيادة الرواتب، وإسقاط الفواتير، وزيادة القروض الإسكانية، وغير ذلك من المنح والعطايا؛ بغية شراء الود السياسي المؤقت للناس وكسب رضاهم على حساب المال العام، وهو الأمر الذي سيكون له أضرار بالغة على مستقبلنا ومستقبل أجيالنا القادمة، إذ إنه سيؤدي، من بين أمور أخرى، إلى 'تفليس' الدولة في المدى القريب.
وحتى لا يساء الفهم فإنه من حق الناس أن تطالب بتحسين ظروفها المعيشية، ومن حقها أيضا أن تأخذ نصيبها العادل من الثروة المالية، لكن ذلك أمر مختلف عن سياسة العطايا والهدايا المجانية، فالأولى حقوق تأتي ضمن منظومة متكاملة ومتوازنة للدولة الحديثة، أما الثانية فهي هدايا وعطايا مسيسة وشتان ما بين الأمرين. إن السياسة الحكومية التي تعتمد على إعطاء المنح المجانية والعطايا والهدايا المالية لأغراض سياسية هي في الحقيقة سياسة عامة خاطئة تدل على سوء إدارة الحكومة للشأن العام وللثروة الوطنية، إذ إن تكاليفها المالية والاقتصادية والاجتماعية تعتبر تكاليف باهظة بينما فوائدها، إن كان لها ثمة فوائد، لا تتعدى الشعور النفسي المؤقت والزائف.
قل لي بربك ما الفائدة، مثالا لا حصرا، من زيادة طفيفة على الراتب الشهري أو هدية حكومية مالية مجانية سرعان ما يلتهمهما غلاء الأسعار والتضخم في الوقت الذي تزداد فيه يوما بعد يوم طوابير الشباب الباحثين عن عمل، ويتدهور التعليم وتزداد الخدمات الصحية سوءا، وينتظر شبابنا عقودا لكي يحصلوا على سكنهم الخاص؟
من هنا فإنه من مصلحة المواطنين كافة، لاسيما أصحاب الدخول المتوسطة والدنيا، وقف سياسة 'تفليس' البلد التي لا فائدة حقيقية منها، بل إنها سياسة تبذير واستنزاف للثروة الوطنية، وتدمير لقيم العمل والإنتاج والادخار.
إن المطلوب، عوضا عن سياسة التبذير المالي المسيس، هو التوسع في المشاريع الاقتصادية المنتجة التي تخلق فرصا وظيفية جديدة لأجيالنا الشابة، وتنمي مهاراتها وتخلق قيما اجتماعية إنتاجية جديدة، وتحفظ ثروتنا الوطنية وتنميها على المدى الطويل، كما أن المطلوب هو وقف السرقات والتعديات على الأموال العامة التي بدأت ترتكب في وضح النهار، ومحاسبة المتورطين فيها، ووقف المناقصات المليونية التي تحيط بها الشبهات، وإعادة تسعير أملاك الدولة التي منحت منذ عقود 'بسعر التراب'، وتحصيل أموال الدولة، ثم فرض ضرائب تصاعدية على الدخول المرتفعة وعلى الأرباح الخيالية للشركات الخاصة والبنوك والمؤسسات المالية.
تعليقات