الشعب أسقط مبارك وأنقذ تشافيز.. أسباب هذه المفارقة في مقال عبدالهادي الجميل

زاوية الكتاب

كتب 3235 مشاهدات 0



العدل أساس الملك 
 
كتب عبدالهادي الجميل

كان تمثال الزعيم الفنزويلي الخالد”سيمون بوليفار”-المنتصب بالقرب من ميدان التحرير بالقاهرة- يسمع الهتافات الشبابيّة الآتية من الميدان والمطالبة بعزل الرئيس”حسني مبارك” عن الحكم.
أشعل شباب مصر، ثورة شعبية لم تشهد البلاد مثيلا لها من قبل، بعد أن ضاقوا ذرعا بالحكم المستبد القائم على قانون الطوارئ والمحاكمات العسكرية والتعامل العنيف والملاحقات السياسية تحت غطاء القانون. شعر هؤلاء الشبان بأنهم أُجراء وعبيد في وطنهم، فانتفضوا ضد الفساد والقمع والذل، وهتفوا مخاطبين الرئيس؛ “امشي بأة، كفاية30 سنة”.
هذا الهتاف يشبه إلى حد ما، هتاف “سيمون بوليفار”الذي أشعل ثورة شعوب أمريكا الجنوبية ضد الاستعمار الاسباني لبلدانهم خلال القرن 19، عندما قال” ثلاثمائة عام من الصمت، ألا تكفي؟”.
لم يتوقف الشعب المصري، إلا بعد أن أقصى الرئيس وأسقط الحكومة وعاقب تجّار وقادة الحزب الوطني الحاكم، فعادت مصر إلى أبنائها من جديد.
في الجهة الأخرى من العالم، وفي  فنزويلا  بلاد”سيمون بوليفار”، وقبل تسع سنوات من الثورة المصرية، قام بعض رجال الأعمال الفنزويليين وبعض قادة الجيش المدعومين من الاستخبارات الأمريكية، بالانقلاب على الرئيس”هوغو تشافيز” ذو الميول اليسارية”البوليفارية” المنحازة للطبقات الفقيرة من الشعب. نجح الانقلاب في بادئ الأمر، وحظي بتأييد فوري وصريح من الدول الرأسمالية التي كانت ترى في “تشافيز” خطرا يساريا يهدد مصالحهم الحيوية في أمريكا الجنوبية، وفي”فنزويلا” الغنية بالنفط.
نجح الانقلابيون في اعتقال الرئيس”تشافيز”، وكانوا ينوون ترحيله عن البلاد ونفيه. لكن المؤامرة لم تنجح، وفشل الانقلاب قبل مضي أكثر من 48 ساعة على إعلانه.
لم يفشل الانقلاب بسبب أخطاء الانقلابيين أو بسبب التدخل الخارجي أو لولاء بعض قطاعات الجيش للرئيس المخلوع أو لوقوف الأجهزة الأمنية إلى جانب الرئيس الدستوري. كل هذه القوى لم يكن لها أي فضل في إحباط الانقلاب، فمن أحبط المؤامرة الانقلابية هو الشعب الفنزويلي الذي هبّ عن بكرة أبيه للدفاع عن رئيسه الشرعي المنتخب، فنزلت الجماهير الى الشوارع واحتلت الميادين العامة وحاصرت القصر الرئاسي وأعلنت بأن الشعب هو من يملك الشرعية الآن. طالب الفنزويليون بإطلاق سراح الرئيس فورا وبلا تردد، فلم يجد الانقلابيون بدا من الخضوع للمطالب الشعبية، وأطلقوا الرئيس الذي عاد منتصرا الى القصر الرئاسي تحت حماية الشعب.
الشعب أسقط حكم الرئيس المصري، والشعب حمى حكم الرئيس الفنزويلي. إذا تحرك الشعب، فلا شيء يستطيع إيقافه، لا القوات المسلّحة ولا البوليس السري ولا أجهزة المباحث ولا أمن الدولة ولا القوات الخاصة ولا الإعلام المنافق.
لا شيء يحمي نظام الحكم أكثر من إرساء قيم العدالة والمساواة واحترام القانون وتطبيق الدستور والحفاظ على كرامة الشعب وتحقيق آماله وتلمّس آلامه.
عندما يتحقق كل هذا، يجد الشعب نفسه شريكا حقيقيا في الوطن، فيلتحم بقيادته، ويتحوّل-عند الحاجة- إلى درع صلب يحمي النظام، وخندق أمين للحاكم، وجيش باسل يحمي الوطن.
 

عالم اليوم

تعليقات

اكتب تعليقك