مبارك الذروة لا يستبعد سقوط جميع النظم الوراثية، ويتساءل:عن صيحة 'الشعب.. يريد.. إسقاط النظام'، من أين جاءت ؟!

زاوية الكتاب

كتب 2735 مشاهدات 0


Xد. مبارك الذروة / «الشعب يريد إسقاط النظام»
 

تلك كانت صيحات الجماهير في تونس، مصر، اليمن.
هي الحنجرة العربية ذاتها منذ الأزل ما إن تغيب حتى تعود أشد غضباً بعد احتقان النفس العام يقودها الإصرار وركوب الصعاب، انطلقت تلك الصيحات القاتلة التي تصم آذان الظالمين في كل مكان، والغريب أنها هي هي... لم تتغير في العواصم الثلاث.
لقد نادت تلك الرصاصات بإسقاط النظام قبل مئات الأعوام! فمتى بدأت تلك الصيحات، ومن أين جاءت؟
منذ ان جاء الصحابي المعروف معاوية بن ابي سفيان غفر الله له، بفكرة التوريث لابنه يزيد لحجب إمامة الحسن بن علي رضي الله عنه للأمة ولترسيخ مفهوم الاستقرار السياسي المزعوم والصراع يتزايد بين القوى المذهبية والفرق الإسلامية.
لقد تمت مبايعة الملك من قبل بعض الصحابة مرغمين ومكرهين، وربما متأولين، وهروب البعض الآخر. منذ ذلك الوقت ونظرية التوريث السياسي وانتقال السلطة جملة واحدة مع بقية (الميراث) أصبحت نهجاً للحكام فيما بعد، وطيلة التاريخ الإسلامي، إلا ما ندر، إلى اليوم في كثير من الأنظمة العربية!
حاول الفقهاء فيما بعد التهرب من الضغوط المستبدة للخلفاء باستخدام مخارج الحيل الشرعية منها مثلاً قصة فتوى الإمام مالك بأن (يمين المكره لا تلزمه) والتي أولها الشارع السياسي يومئذ بعدم شرعية بيعة المكرهين للخليفة العباسي أبي جعفر المنصور!
وتوريث الحكم على النهج الأموي ثم العباسي يقطع الطريق أمام فكرة تداول السلطة والمشاركة السياسية الكاملة للمعارضة مثلاً! وهي الفكرة التي نادى بها كثير من الدساتير العالمية اليوم، كما قابلتها فكرة أخرى اصبحت جزءاً من العقيدة السياسية عند الشيعة وهي فكرة توريث الإمامة المقيدة لاقتلاعها وحصرها في البيت الحسيني الهاشمي!
فهل كانت حركة استباقية تلك التي قامت بها الجماهير الغاضبة في قصرين، وميدان التحرير، وصنعاء، وربما غيرها... حين قطعت الطريق على توريث النظام حتى خرج الرئيس مبارك عن صمته وصرح بعدم ترشيح نفسه أو توريث ابنه من بعده!
وكعادة الشرارات الثورية حين تشتعل فإنها كما تحرق فإنها تضيء، وعلى طريقة تساقط حبات العقد الواحد فقد أقال الملك الأردني حكومته وطلب تشكيل أخرى مع تعديلات إصلاحية شعبية!
حبات العقد طالت النظام اليمني الذي صرح رئيسه علي صالح بعدم ترشيح نفسه او توريث الرئاسة لولده من بعده. الرئيس الجزائري بو تفليقه يعلن رفع قانون الطوارئ والسماح بالاحتجاجات السلمية في المحافظات عدا العاصمة. الرئيس السوري يطالب بإصلاحات تتعلق بالبطالة ومنح مزيد من الحريات!
هل يعد ذلك انقلاباً شعبياً على الأنظمة الوراثية السفيانية في المنطقة العربية، لاستعادة روح النظام الشوري الديموقراطي الأول؟ ربما!
الشعوب العربية تعي التاريخ تماماً، هذا على الأقل ما نقرأه من الأحداث الأخيرة
فالورث والوراثة وفكرة التوريث إنما يكون في ما يملك الإنسان أو ما يقع تحت ملكه، فانت تورث أبناءك المال والعقار والمتاع.... أليس كذلك؟ طيب، لو ورثت شيئاً لا تملكه، هل يجوز؟ كأن تورث لابنك بيت جارك، او مال صديقك، طيب هل يجوز أن يقوم الرئيس بتوريث السلطة (سلطة الأمة) لابنه؟
والسلطة السياسية ليست ملكاً لفرد معين... إذاً النتيجة المنطقية هي أن من يورث شيئاً لا يملكه فهو مغتصب له!
من هنا ينطق العقل العربي الفكر الدستوري الرئاسي لمن يتولى أمره إلى الحد الذي يشعر معه الشعب العربي أنه مغتصب لأنه مصدر كل السلطات، وهو الحاكم الحقيقي للامة!
وبما أن الشعوب لا تورث كالمتاع، فإن النتيجة التي توصل لها الشعب العربي هي أنه أصبح مملوكاً أو رقيقاً أو عبداً للسلطة التي تورثه لأبنائها كما تورث المتاع والمال والعقار!
ولأن تغييب الشعوب العربية عن وعيها وإلغاء مشاركتها بأبسط حقوقها السياسية كان دأب الأنظمة منذ عهود ما بعد الاستعمار فإن عودة الوعي الحقيقي للشعوب العربية تبدأ من عودة السلطة له ورفض فكرة التوريث الباطلة أصلاً!
نعم، قد تنعم الشعوب في النظام الوراثي بحالة من الأمن والنمو الاقتصادي كما كان في حقب من التاريخ، لكن استمرار ذلك كان منوطاً بالعدل وقوة السلطة من الناحية العلمية والعسكرية والسياسية، ولم نقرأ في التاريخ السياسي لدول المنطقة استقرارا للأنظمة الوراثية خالياً من الصراع الذي عادة ما ينتهي بالدم!
الاستقرار السياسي والأمن الذي تنعم به شعوب المنطقة الخليجية تحديداً والتوافق بين حكامها ومحكوميها من خلال العقد الذي اتفق عليه مسبقاً يجعل النظام الوراثي أكثر عدلاً وأمناً للحاضر والمستقبل!
لكن هذا التوافق منوط باستقرار المنطقة وأمنها وشيوع العدل والحرية والمساواة ومتى ما التهبت الأرض يوماً تحت أقدام الشعوب، لا قدر الله، بالظلم والاستبداد والبغي والعدوان الخارجي فإني لا استبعد سقوط النظم الوراثية قاطبة. والله خير حافظاً.

الراي

تعليقات

اكتب تعليقك