سرد تاريخي من أحمد الديين لتاريخ الإنقلابات العسكرية، وتغيرها إلى الإنتفاضات الشعبية ؟!

زاوية الكتاب

كتب 1233 مشاهدات 0


من الانقلابات إلى الانتفاضات 
 
كتب احمد الديين

 

في عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين كانت الانقلابات العسكرية هي الوسيلة الشائعة للتغيير السياسي في البلدان العربية بعدما انسدت أبواب الإصلاح والتغيير بالوسائل الديمقراطية والسلمية... ومع الفارق الكبير بين الانقلابات العسكرية والثورات، فقد سُمي بعض تلك الانقلابات “ثورة”، وكان بعضها مدعوما شعبيا والبعض الآخر منها كان فوقيا معزولا عن شعبه، وبعضها حقق أهدافا وطنية وإنجازات تقدمية لم تكتمل، فيما أعاد بعضها الآخر عقارب الساعة إلى الوراء، إلا أنّها جميعا لم تحقق الديمقراطية، بل أقامت نظما ديكتاتورية عسكرية متفاوتة القسوة والتراخي!

ومع أنّ هناك انقلابات عسكرية سابقة في العراق وسورية، إلا أنّ “ثورة 23 يوليو” 1952 في مصر، التي أطاحت بالملك فاروق، كانت هي الانطلاقة الفعلية لموجة التغيير عن طريق الانقلابات في عالمنا العربي، وبعدها “ثورة 14 تموز” 1958 في العراق، التي أطاحت بالنظام الملكي الهاشمي، و”ثورة سبتمبر” 1962 في اليمن، التي أطاحت بحكم الإمامة... وتوالت موجة الانقلابات العسكرية بانقلاب الانفصاليين في سورية عام 1961، وبعده انقلابا حزبي البعث في العراق وسورية في فبراير ومارس 1963 على التوالي، وانقلاب العقيد هواري بومدين في يونيو 1965 على الرئيس أحمد بن بله في الجزائر، وانقلاب البعث العراقي مرة أخرى في 1968، وانقلاب مايو 1969 في السودان بقيادة جعفر النميري، و”ثورة الفاتح” من سبتمبر 1969 بقيادة القذافي.

 وربما كانت الثورتان الوحيدتان في عقدي الستينيات والسبعينات اللتان تستحقان بجدارة تصنيفهما كثورات وطنية ظافرة، هما: الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي، التي انطلقت بقيادة جبهة التحرير الوطني في 1954 وأحرزت الاستقلال الوطني للجزائر في العام 1961، وثورة جنوبي اليمن، التي انطلقت في أكتوبر 1963 بقيادة الجبهة القومية ضد الاستعمار البريطاني ونجحت في طرده في نوفمبر 1967، وهناك خصوصيات لا مجال للتوقف أمامها طويلا للثورة الفلسطينية غير المنجزة، ولثورتي الجبل الأخضر وظفار في عمان قبل استقلالها.

 أما أسلوب التغيير عن طريق الانتفاضات الشعبية فلم يكن القاعدة في عقدي الخمسينيات والستينيات وإنما كان الاستثناء من تلك القاعدة... والمثال الأول كان انتفاضة أكتوبر 1964 في السودان، التي أطاحت ديكتاتورية الجنرال إبراهيم عبود وأقامت نظاما ديمقراطيا برلمانيا، وتكرر المثال الناجح لاحقا في الانتفاضة الشعبية الثانية في 1985 لإسقاط ديكتاتورية نميري العسكرية، التي نجحت في إعادة النظام الديمقراطي البرلماني إلى السودان... وكان الفارق الأهم بين الانتفاضتين الشعبيتين وبين الانقلابات العسكرية التي شهدتها السودان وغيرها من الانقلابات العربية يتمثّل في النظام الديمقراطي البرلماني الذي أقامته أو أعادته الانتفاضتان الشعبيتان، فيما أسست الانقلابات نظما ديكتاتورية عسكرية... وغير المثالين السودانيين كانت هناك الانتفاضة الشعبية الفلسطينية الأولى المسماة “انتفاضة أطفال الحجارة”، التي انطلقت في 1987 وقادت إلى الاعتراف الدولي بحقوق الشعبي الفلسطيني وقيام الكيان الوطني في جزء من الضفة الغربية وقطاع غزة.

ومع مرور الوقت توقفت موجة الانقلابات العسكرية في البلدان العربية وخفّ بريقها “الثوري”، وكان آخر الانقلابات انقلاب عسكريي جبهة الإنقاذ الإسلامية في يونيو 1989 على الحكم الديمقراطي البرلماني في السودان... ولعلّ توقّف موجة الانقلابات يعود إلى أمرين، أولهما نجاح الأنظمة العربية القائمة في تحصين نفسها أمنيا ضد الانقلابات العسكرية، التي سبق أن أوصلت بعض حكامها إلى السلطة وتعرف أسلوبها حق المعرفة، وثانيهما اكتشاف شعوبنا العربية على ضوء تجاربها المؤلمة أنّ الانقلابات العسكرية ليست هي الطريق الأمثل للتغيير، بل أنّ عواقب بعضها استبدادا وفسادا وتبعية كانت أسوأ من مفاسد أسلافها البائدين واستبدادهم وتبعيتهم، هذا ناهيك عن تحوّل بعض هذه “الجمهوريات” إلى ملكيات تحمل مسميات “جمهورية” وتحكمها رئاسات مدى الحياة أو قابلة للتوارث!

          والجديد الآن يأتينا من تونس ومصر عبر إعادة الاعتبار إلى دور الشعب نفسه في التغيير، حيث أصبحت الانتفاضة الشعبية وليس الانقلاب العسكري هي وسيلة التغيير بعدما انسد أفق الإصلاح، الذي طال انتظاره، والأهم هو ما تفضي إليه الانتفاضتان التونسية والمصرية من آفاق مفتوحة لتحولات ديمقراطية جدّيّة مقبلة ليس في البلدين فحسب، وإنما في عموم منطقتنا.

عالم اليوم

تعليقات

اكتب تعليقك