تزامنا مع محاكمة المسلم
زاوية الكتابالعنزي يخص ((الآن)) بدراسة عن ضوابط رفع الحصانة
كتب يناير 25, 2011, 11:05 م 4393 مشاهدات 0
خص المحامي الدكتور عبيد العنزي بدراسة عن ضوابط رفع الحصانة البرلمانية، وجاء مقاله تزامنا مع قضية بنك برقان ضد النائب د.فيصل المسلم، نص الدراسة أدناه، والتعليق لكم:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحصانة وضوابط رفعها
تنص المادة 111 من الدستور الكويتي على أنه لا يجوز أثناء دور الانعقاد، في غير حالة الجرم المشهود، أن تتخذ نحو العضو إجراءات التحقيق أو التفتيش أو القبض أو الحبس أو أي إجراء جزائي آخر إلا بإذن المجلس، ويتعين إخطار المجلس بما قد يتخذ من إجراءات جزائية أثناء انعقاده على النحو السابق، كما يجب إخطاره دواما في أول اجتماع له بأي إجراء يتخذ في غيبته ضد أي عضو من أعضائه، وفي جميع الأحوال إذا لم يصدر المجلس قراره في طلب الإذن خلال شهر من تاريخ وصوله إليه اعتبر بمثابة إذن.
وجاءت هذه الصياغة في المادة 20 من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة الكويتي.
ثم نصت المادة 21 من هذه اللائحة على أن يحيل رئيس المجلس الطلبات الخاصة برفع الحصانة إلى لجنة الشئون التشريعية والقانونية، ويكون نظرها في اللجنة وأمام المجلس بطريق الاستعجال.
وهذا النص يقابله نص المادة 18 من اللائحة الداخلية للمجلس الوطني الاتحادي في دولة الإمارات وتكاد الصياغة تتطابق بين النصين، خاصة الجزء الأخير من المادتين والتي جاءت على الوجه التالي:
وفي جميع الأحوال إذا لم يصدر المجلس قراره في طلب الإذن خلال شهر من تاريخ وصوله إليه اعتبر ذلك بمثابة الإذن.
من الواضح لمن يقرأ هذه النصوص أنها لا تغطي الفترة التي لا يكون المجلس منعقدا فيها، لأن النص يقول لا يجوز أثناء دور الانعقاد.
وبالتالي فإن الحكم مقصور على ما يقدم من طلبات أثناء دور الانعقاد، أما ما قد يقدم من طلبات فيما بين أدوار الانعقاد، أو في حالة عدم الاجتماع فلم يقدم النص حلا لها.
حتي في حالة التلبس فإن النص يعالج حالة التلبس التي تتم في أثناء الانعقاد، وإذا ما حدثت حال التلبس في غيبة المجلس فلابد من إخطاره بما اتخذ من إجراءات في أول اجتماع له.
وعلى هذا لابد من فهم عبارة وفي جميع الأحوال إذا لم يصدر المجلس قراره في طلب الإذن خلال شهر من تاريخ وصوله إليه اعتبر ذلك بمثابة إذن، لابد من فهم هذه الصياغة بأنها تتعلق بالطلبات التي تقدم لمجلس منعقد يستطيع مناقشة الطلب والرد عليه بالموافقة أو الرفض، أما أن نفترض أن مجرد مرور الفترة الزمنية المشار إليها بمثابة إذن برفع الحصانة، فهذا قول لا يتفق مع ضوابط التفسير، لأن مناقشة الطلب واتخاذ موقف منه يحتاج إلى تقديم الطلب إلى رئيس المجلس الذي يحيله إلى لجنة الشئون التشريعية والقانونية التي تنظر الطلب على وجه الاستعجال(المادة 21 من لائحة مجلس الأمة) ثم يأذن المجلس باتخاذ الإجراء متى تبين له أن الدعوى ليست كيدية(المادة 22 من لائحة مجلس الأمة)،وليس هناك إجراء آخر لرفع الحصانة غير ذلك، أما أن ترفع الحصانة آليا وبدون إجراءات فهذا قول غير مفهوم ولا يتفق مع أهمية الحصانة في النظم الدستورية المعاصرة.
من هنا نستطيع القول إن مجلس الأمة وحده هو الذي يستطيع اتخاذ إجراء رفع الحصانة، فإذا لم يكن المجلس مجتمعا فلا توجد وسيلة لرفع الحصانة.
الدليل على ما نقول أن هناك بعض الدساتير عالجت الحالات التي تقدم فيها طلبات رفع الحصانة في حالة عدم انعقاد المجلس ووضعت لها حكما واضحا، ومن ذلك نص الدستور المصري في المادة 99 التي تنص على أنه :
' لا يجوز في غير حالة التلبس بالجريمة اتخاذ أية إجراءات جزائية ضد عضو مجلس الشعب إلا بإذن سابق من المجلس وفي غير دور انعقاد المجلس يتعين أخذ إذن رئيس المجلس ويخطر المجلس عند أول انعقاد له بما اتخذ من إجراء'.
هذا النص الوارد في الدستور المصري لا يترك فراغا في هذا المجال، فإما أن يكون المجلس منعقدا فيعرض عليه الأمر لاتخاذ الإجراء المناسب، وإما ألا يكون المجلس منعقدا فيصدر الرئيس الإذن ويتم إخطار المجلس بما تم.
لابد إذن من التسليم بوجود نقص في التنظيم الدستوري الكويتي.
وقد يقال إن نص الدستور الكويتي قد جاء بهذه الصياغة حتي يحال بين المجلس وبين المماطلة في رفع الحصانة، وهذا القول صحيح وهو يفترض أن يكون المجلس مجتمعا، لأنه لا يتصور أن يكون المجلس غير مجتمع ثم نتهمه بالمماطلة أو بالتسويف.
فإذا سلمنا بوجود نقص في التنظيم الدستوري فلابد من بيان طبيعة هذا النقص، وهل هو غموض في الصياغة، أم هو نقص في التنظيم؟
فإذا انتهينا إلى أن هذا النقص بسبب غموض في الصياغة فهنا يكون الحل بخلق عرف دستوري مفسر يجلي الغموض المفترض في النص، أما إذا كان النقص سببه أن المشرع الدستوري لم ينظم هذه المسألة فهنا يكون الحل عن طريق عرف مكمل نستكمل به النقص الموجود بهذا التنظيم الدستوري، وفي كلتا الحالتين فإن الحل لا يمكن أن يتم إلا من خلال العرف الدستوري.
العرف الدستوري وكيف ينشأ:
رغم انتشار الدساتير المكتوبة يلعب العرف دورا أساسيا في البناء الدستوري في كل الدول، بل إن كثيرا من القواعد الدستورية التي استقرت في الدول التي تعرف الدساتير المكتوبة يوجد أصلها في العرف الدستوري.
من الأمثلة على العرف ما جرى عليه العمل في فرنسا من أن لرئيس الجمهورية – في الجمهورية الثالثة- إصدار اللوائح التنفيذية على الرغم من خلو دستور هذه الجمهورية من النص على ذلك، ولكن العرف نشأ استنادا إلى نص في الدستور يقرر أن رئيس الجمهورية يسهر على تنفيذ القوانين، وجري العرف على أن السهر على تنفيذ القوانين لا يتصور بغير منح رئيس الدولة سلطة إصدار اللوائح التنفيذية.
من الأمثلة على ذلك أيضا على العرف الدستوري في مصر ما جرى عليه العمل من حق الملك في الاعتراض على أسماء المرشحين للوزارة، رغم عدم النص على ذلك في الدستور، فضلا عن نشوء عرف يتعلق بإصدار اللوائح المستقلة رغم عدم النص عليها في دستور 1923.
وإذا كان العرف في القانون الخاص ينشأ بين الأفراد العاديين فإن العرف الدستوري على العكس من ذلك ينشأ بين السلطات الحاكمة من خلال إتباع هذه السلطات قاعدة أو مسلكا معينا في تصرفاتها نحو موضوع دستوري أو مشكلة دستورية معينة ويطرد العمل بالأخذ بهذه القاعدة أو هذا السلوك دون اعتراض من سلطة أخرى.
هذا التحديد لمعنى العرف الدستوري يؤدي إلى نتيجة حتمية، وهى أن أية سلطة من السلطات الثلاث في الدولة لها الحق في المساهمة في خلق العرف الدستوري، يستوي في هذا السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية.
ولما كانت المشكلة المطروحة على بساط البحث تتعلق بعمل قضائي فهنا يبرز دور السلطة القضائية في خلق عرف في هذه المسألة.
ويستطيع القاضي - من خلال قراءته المتأنية لنص الدستور ولنصوص اللائحة الداخلية لمجلس الأمة ولنصوص الدساتير المقارنة - أن يقرر أن الدستور يتضمن نقصا في تنظيم مسألة رفع الحصانة، لأنه لم يعرض لطلب رفع الحصانة عندما لا يكون المجلس منعقدا، وبالتالي لا يجوز رفع الحصانة بطريقة آلية إلا إذا كان المجلس منعقدا، أما تقديم طلبات رفع الحصانة فيما بين أدوار الانعقاد فيمكن أن يقرر القاضي أن هذه الحالة لم يعرض لها المشرع الدستوري وبالتالي لا يستطيع القاضي اتخاذ أية إجراءات جزائية ضد عضو يفترض أن الحصانة لم ترفع عنه حيث لا يمكن إكراه نصوص الدستور على الاستجابة لطلب رفع الحصانة في حالة لم يعرض لها المشرع الدستوري.
وإذا كان العرف ينشأ من خلال الاعتياد على تصرف معين، بما يعني أن العرف لاينشأ إلا إذا توافر فيه الركن المادي الذي يراد به تكرار التصرف مرتين على الأقل، فإن هذا القول وإن كان صحيحا، إلا أن التكرار لا يتصور قبل صدور التصرف الأول، وبالتالي لابد من إقدام إحدى السلطات على القيام بالمرة الأولى أو التصرف الأول حتى تكون هناك فرصة للتكرار وهذا هو دور القضاء في هذه المنازعة.
المحامي الدكتور/عبيد العنزي
تعليقات