عن حكايات باسمة العنزي القصصية ، التى ترينا الوجه الآخر لحياة نجهلها ولا ندرك تفاصيلها الحزينة، يكتب حسن العيسي

زاوية الكتاب

كتب 992 مشاهدات 0



 الجريدة
 حكايات باسمة العنزي
حسن العيسى

 
دنيا غائبة أو ربما غُيِّبت عنا نجدها تنبض بالبؤس في منازل باسمة العنزي، ماذا يعلم 'أرستقراطيو' الضاحية والشويخ عن منازل باسمة، هناك تصطف تلك المنازل في شوارع '... لها رائحة كائن يدعى الوحدة. تبدو الصورة كأنها مدينة خراب عبر السراب، الساحات الترابية تبدو دائماً كأنها مسرح لمعركة قادمة، محطة البنزين المزدحمة، براميل القمامة الممتلئة، وفي الصباح هناك أسراب من الخدم، تمسك بخراطيم المياه، ترش بها العتبات الخارجية علَّها تتخلص من لعنة الغبار، عبارات بذيئة جديدة على أسوار المرافق العمومية'. هكذا رسمت لنا الكاتبة باسمة العنزي في مجموعة قصصها القصيرة بعنوان 'يغلق الباب على ضجر' لكن أيّ ضجر تخبرنا به باسمة؟! هو ضجر خرج علينا من أكوام تناقضات الحداثة النفطية حين امتزج بالتقليد والموروث الصحراوي، فالحداثة هي حداثة بيوت ذوي الدخل المحدود، وفي كل بيت منها هناك حكاية، من حكاية 'حصة' إلى 'ابتهاج' حين تسحق الكآبة والقهر المرأة والمسنين في منازل باسمة... الأسماء في منازل الكاتبة لا يتحصَّن أشخاصها بـ 'الـ' التعريف، 'الـ' هذه تمنح الوجاهة الاجتماعية و'تعرف' غير المعروف بمنزلته الاجتماعية في مجتمع نهض على رياء الأسماء والشكل والمظهر وغاب عنه الاجتهاد والعمل والمعنى، أن يكون اسمك بلا 'الـ' تعريف تحتضن هويتك في نهاية السطر وتلقيك في خانة مجموعة ما، أن يَدرج الناس على مناداتك بعبد معتوق بطريقة سريعة في النطق، وكأنهم يختصرون امتداد العائلة المفقودة في كلمتين، في تلك المنازل الفاقدة 'الـ' التعريف، أحد الزملاء يتحدث عن ازدياد جرائم الأحداث وفقاً لما تنشره الصحف، وفي نهاية الحديث أشار إلى أن 'هذه الأمور تحدث غالباً في المناطق البعيدة، هم معتادون عليها...'!

الضجر يمتد أفقياً في حكايات باسمة القصيرة، هو ضجر تعاسة المنسيين وليس مجرد الضجر العام بالفراغ وملل الحياة الاجتماعية وسخفها في المجتمع الراكد في ثقافته وخواء حياته الروحية، هو ضجر اليوم يتكرر مثل الأمس، والأمس سيكون كالغد، هو الضجر الوجودي لصموئيل بكيت حين يترنم بطل مسرحية 'شرائط كراب': 'النهار الآن قد ولَّى وليل يجرّ وراءه ليل'.

حكايات باسمة العنزي، ترينا الوجه الآخر لحياة نجهلها ولا ندرك تفاصيلها الحزينة، فتحية لباسمة حين أغلقت الباب الكويتي على ضجر.

 

تعليقات

اكتب تعليقك