عبدالله بشارة يستعرض خطورة القضايا أو 'القنابل' التى يحملها فى حقيبته وزير الخارجية، وكلها تمس مباشرة وبشكل مؤثر أمن الكويت الوطني..فحوى مقالة عبدالله بشارة

زاوية الكتاب

كتب 539 مشاهدات 0



قنابل في شنطة الشيخ محمد الصباح
كتب:عبدالله بشارة
 قال الشيخ الدكتور محمد صباح السالم، نائب رئيس الوزراء ووزير خارجية الكويت بأنه قلق من تكاثر القنابل التي تحيط بالمنطقة وتهدد الأمن الوطني الكويتي وكذلك أمن الخليج، مشيرا إلى أن الأوضاع الصعبة وغير المستقرة في العراق وحالة إيران ومفاوضات الشرق الأوسط، مكتفيا بهذا العدد وبهذا الحجم دون الإشارة إلى السودان ولبنان وتركيا والأكراد، وهي حكمة من الشيخ محمد لكي لا تتضخم أعداد القنابل التي تتساقط من الشنطة التي يحملها الوزير المعني بالشأن الخارجي والأمني.
والواضح أن الشيخ محمد على علم بتفاصيل تتعلق بمصادر هذه القنابل إلى درجة أن رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الكويتي السيد محمد الصقر أثنى على المعلومات الهامة التي قدمها الوزير إلى أعضاء اللجنة.
ونحن نشارك نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية قلقه وتخوفه من الوضع القاتم المسيطر على أكبر قضايا المنطقة، وكلها تمس مباشرة وبشكل مؤثر أمن الكويت الوطني، وأمن دول مجلس التعاون دون استثناء.
ونود أن نبدي بعض الملاحظات التي يمكن أن نستذكرها عند تحليل تأثير هذه القضايا على الكويت والخليج:
أولا: لنتحدث عن الوضع في العراق، وخاصة أن رئيس الجمهورية العراقية السيد جلال الطلباني ترك الكويت منذ يومين بعد زيارة رسمية التقى فيها رجال السياسة ورجال الأعمال والصحافة، وتحدث عن العلاقات بين البلدين.
تحملت الكويت الكثير من حكام العراق، ملوكهم وجمهوريتهم، من غازي الأول ومن وزرائه ومن أجهزته خلال الثلاثينيات والأربعينيات، بتدخلات مستمرة أحيانا بحجة البحث عن ميناء، ومعظم الأحيان تحت حجة التهريب وملاحقة المهربين، وسجلت الوثائق البريطانية الاستفزازات التي تعرضت لها الكويت.
وقد سعى العراق الملكي لبناء خلايا مؤازرة له داخل الكويت بالإغراء والترغيب وأحيانا بالترهيب، وكان عبدالكريم قاسم أوضح الحكام في المطالبة، ثم جاء صدام حسين وكان أوقحهم في تعامله مع الكويت.
نحن الآن في وضع يجب أن تحدد الكويت مرئياتها حول نوع العراق الذي نتمناه، وهو العراق الفيدرالي، الديموقراطي الواقع تحت إشراف الأسرة الدولية، الذي تتداول فيه السلطة وفق القواعد المتعارف عليها في العلاقات بين الدول، بدون أيديولوجيا، لا بعثية ولا شيوعية ولا أحزاب سياسية إسلامية، ولا عروبية قومية.
العراق المشحون بالأيديولوجيا خطر على الكويت قبل غيرها، ومهدد للأمن والسلام الإقليمي والدولي، ومشجع على التخريب وخصم للاستقرار ومدمر للازدهار.
وقنابل العراق هي في الفوضى التي تفرزها الصراعات الطائفية والفئوية، والتي تتيح للآخرين التدخل في الشأن العراقي، ليس من دول الجوار ومن القاعدة فقط، وإنما من الذين يريدون إجهاض نهج الاعتدال الذي بدأ يرسم خريطة المنطقة.
باختصار صوت الكويت الآن يتفق مع أصوات العراقيين الذين يبحثون عن فيدرالية ديموقراطية بجذور وطنية لانتشال العراق من الوضع المزري الذي يعيش فيه شعب العراق الذي يستحق الكثير.
ثانيا: يتحدث البرادعي في تقريره عن البرنامج النووي الإيراني عن حدوث بعض التقدم الذي لا يرقى إلى ما هو مطلوب من إيران في وقف التخصيب، مع ملاحظات بأن إيران غير متعاونة تماما ولا تتجاوب بالسرعة المطلوبة، والخلاصة أن إيران لم تتمكن من تلبية جميع مطالب الوكالة الدولية للطاقة.
ليس عندي شك مطلقا بأن إيران تسعى لكسب الوقت وأنها تعمل على الحصول على السلاح النووي الذي تتصور بأنه الضامن والرادع لبقاء النظام، وإيران سلطة ودولة شاطرة في التسويفات والمماطلات واللعب بالكلمات.
ونحن هنا نتحدث عن قنبلة واقعية ليست بالمجاز كما يشير الشيخ محمد الصباح وإنما قنبلة نووية ستغير ميزان القوى في المنطقة وتدخل الخليج في فصول مستمرة من التوتر والقلق والمخاطر.
والكويت مع دول مجلس التعاون تتحمل مسؤولية متابعة المفاوضات الدائرة بين إيران والمجموعة الأوروبية، للوقوف على ما يدور، مع ضرورة اتخاذ موقف خليجي صريح وواضح وموحد يصل إلى طهران بكلمات غير قابلة للتفسيرات وبدون تباين في المواقف.
وأن تقترن هذه المتابعة بإسداء النصح الصادق بأن برنامج إيران سيعرضها إلى مواجهات عسكرية. فيبدو من تصريحات المسؤولين الإيرانيين استبعاد هذا الاحتمال، دون إعطاء تفسير مقنع لاستبعاد المواجهة.
يوم السبت الماضي قام رئيس الجمهورية الإيرانية السيد أحمدي نجاد بزيارة البحرين لمدة ساعات، بحث الطرفان خلالها المخرج الممكن لشبح الحرب الذي يهيمن على المنطقة في إشارة إلى تصريح لوزير الخارجية البحريني الذي قال فيه: بأن البحرين تترقب هذه الزيارة من أجل التشاور مع الجار الإيراني لإبعاد احتمالات المواجهة العسكرية عن المنطقة.
في رأيي لا بد أن تخرج القمة الخليجية التي ستتم في الثاني من ديسمبر القادم بقرار تشكيل وفد يرأسه رئيس الدورة وتشارك فيه جميع الدول الست، لكي يذهب إلى طهران ليشرح موقف دول مجلس التعاون، مخاوفها وقلقها والتزاماتها تجاه مجلس الأمن، ومسؤولياتها في أمن المنطقة ودورها في الدبلوماسية العالمية لتطويق التوتر ونزع فتيل الانفجار. فإيران لا زالت غير مقتنعة بوجود موقف خليجي قلق ومتخوف من سياستها النووية.
كما أن مؤتمر قمة أوبيك في الرياض فرصة لتقديم المقترح السعودي الداعي إلى الإشراف الدولي على التخصيب، الذي سيكون في دولة محايدة، بما يوفر لإيران التمتع بالطاقة النووية للأغراض السلمية، على أن تقف دول مجلس التعاون داعمة لهذا الاقتراح الذي لم تقبله إيران، رغم أن الاقتراح نزيه وينقذ إيران من مواجهات لا تقدر عليها.
ثالثا: نأتي إلى القنبلة الثالثة، وهي مساعي السلام ومؤتمر أنابوليس، والدور الخليجي فيه، وأهمية نجاح المؤتمر، لأن الفشل هو انتصار للتطرف وللمتشددين، فحول قضية فلسطين يتواجه محوران، المعتدل الذي يدعم مسيرة أبو مازن ومساعي الأسرة العالمية والحريص على أن ينال شعب فلسطين حقوقه في السيادة والدولة وتقرير المصير، والآخر المتطرف الذي يريد إجهاض المؤتمر ويقضي على الاعتدال ويسقط الفرصة التاريخية.
وهنا لا بد أن تقوم دول مجلس التعاون بدعم أبومازن بوضوح وقوة، فهذه المجموعة المعتدلة التي تبرز المملكة كقوة موجهة لها تملك الكثير من الوزن والمكانة والمقام، حيث يردد المسؤولون في حكومة أبومازن بأنه لن يكون هناك تحرك سياسي فلسطيني من دون العودة إلى المملكة.
كما سيعقد وزراء خارجية العرب الأعضاء في لجنة المتابعة، اجتماعا في القاهرة لبحث مسيرة السلام، ولحسن الحظ بأن المملكة ستكون قائدة المداولات بفضل ترأسها للؤتمر.
وليس من السهل أن يتخذ الوزراء العرب موقفا موحدا، فهناك من يزايد، وهناك من يريد إضعاف أبو مازن، وهناك من يتحمس دون أن يقدم شيئا.
لهذا فلا مناص من تأكيد دور مجلس التعاون في تقبل تبعات المسؤولية التاريخية التي تتحملها دول المجلس ودعم الريادة المعتدلة في فلسطين ومصر والأردن، وتأكيد لائتلاف الخليجي مع هذه الدول في موقف لا يهدر الفرصة النادرة التي تلوح في الأفق. فالشعب الفلسطيني يستحق أن يعيش مثل باقي الشعوب في دولته، آمنا مطمئنا، صحيح أنه سيعطي الكثير من التضحيات، لكن الفشل سيعزز عناصر التخريب وسيقضي على آمل الفلسطينيين في العيش الكريم، فالفرصة مع الدينميكية المتوفرة لن تعود مرة أخرى..
الكويت عضو في المجتمع الدولي، عليها أعباء لا تستطيع أن تتجاهلها، والقيادة الكويتية، مثل الآخرين في مجموعة الاعتدال، واعية للدور المطلوب منها.
هذا هو الأسلوب الذي يسحب الفتيل من القنابل التي تحملها شنطة الشيخ محمد الصباح.


* رئيس المركز الدبلوماسي للدراسات
 

الوطن

تعليقات

اكتب تعليقك