تحذير من تدحرج السلطة من الشيوخ إلى قوى الفساد ومراكز القوى في البلد بحجة المطالبة برئيس وزراء من الشعب- مختصر مقالة محمد عبدالقادر الجاسم

زاوية الكتاب

كتب 651 مشاهدات 0


تدحرج السلطة!
كتب محمد عبدالقادر الجاسم

سألني دبلوماسي أجنبي في الكويت عن توقعاتي في شأن «مستقبل» الأسرة الحاكمة في البلاد على ضوء الصراع والتنافس الدائر حاليا بين أفرادها، فقلت له إن الأسرة الحاكمة فقدت الكثير من قوتها وهيمنتها على القرار بعدما أجبرها التنافس والصراع على الاستعانة بمراكز قوى من خارج الأسرة، وهذه الاستعانة أتاحت الطريق لتلك القوى لمشاركة الأسرة الحاكمة سلطاتها بشكل أو بآخر. وبالطبع فإن الحكم، أي حكم، حين يتنازل طواعية أو جبرا عن قدر معين من سلطته، فإنه لن يتمكن من استرداه أبدا. وأضفت إن المستقبل قد يشهد الاقتراب من الإمارة الدستورية حيث تتقلص سلطات الأسرة الحاكمة. وعلى ضوء هذه الإجابة سأل الدبلوماسي إن كان بلوغ هذه المرحلة يتطلب تعديل الدستور؟ قلت لا أبدا فالدستور الحالي مصمم على أساس الإمارة الدستورية، إلا أن الأسرة الحاكمة منحت نفسها «صلاحيات واقعية» حالت دون تطبيق الدستور على النحو الصحيح، وبالتالي فإن بلوغ مرحلة الإمارة الدستورية يعني تطابق واقع النظام السياسي مع النظرية الدستورية.

قبل أيام كتب الأخ الدكتور محمد المقاطع مقالا في صحيفة القبس أشار فيه إلى فكرة خروج منصب رئيس مجلس الوزراء من عهدة الأسرة الحاكمة. وبالطبع فإن التأمل في نصوص الدستور الكويتي وجوهره يقود إلى تأكيد هذه الفكرة، وهي في الأساس من لوازم شعبية الحكم والإمارة الدستورية. بيد أنه إذا كانت لدى القوى السياسية تحفظات مهمة على بعض أفراد الأسرة الحاكمة تحول دون إعادتهم إلى مناصبهم الوزارية وتقضي بالتالي على فرصة توليهم رئاسة مجلس الوزراء، فإنني أظن أن لدى الشعب الكويتي تحفظا كبيرا على فكرة تخلي الأسرة الحاكمة عن هذا المنصب خاصة أن الشعب لا يثق بمراكز القوى، الاقتصادية تحديدا، المقربة من الأسرة الحاكمة حاليا. وهو يراها مراكز وأوكار فساد سياسي ومالي. وإذا كان بلوغ مرحلة الإمارة الدستورية وفق النظام الدستوري الحالي يوفر الاستقرار والأمان للأسرة الحاكمة وللشعب، فإنه يتطلب قدرا كبيرا من الرقي وحدا أدنى من الاتفاق على المصالح الوطنية. ولا أظن أن خروج منصب رئاسة مجلس الوزراء من حوزة الأسرة الحاكمة في المدى القصير يعني أن هذا المنصب سيؤول إلى القوى الوطنية مباشرة، بل من المحتم أن تسعى الأسرة الحاكمة حينذاك إلى منحه لمن هو قريب منها. ومع الأسف فإن فساد الفئة القريبة من الأسرة الحاكمة يعني أيلولة السلطة الفعلية لتلك الفئة الفاسدة والمكروهة شعبيا. ولو حصل هذا، لاقدر الله، فإنه يعني دمار البلاد!

إن مستقبل الأسرة الحاكمة في الكويت أمر مهم، ولابد من التعامل معه بجدية على ضوء التغيرات التي تحدث حاليا وعلى ضوء إمكانات الأسرة في المستقبل، وهو يستدعي من الشيوخ قبل غيرهم التفكير الجاد المتعمق من أجل بلورة تصورات واقعية حول هذا المستقبل تحول دون اضطراب الوضع السياسي ومن دون أن تجد الأسرة الحاكمة نفسها في مواجهة خيارات مفروضة عليها. إنني لا أتحدث عن استمرار حكم ذرية مبارك الصباح، فهذا الحكم سيستمر ما استمرت الكويت، لكنني أنبه إلى خطورة تدحرج السلطة الفعلية نحو حضن قوى الفساد التي تستعجل في الآونة الأخيرة فرض سيطرتها على مراكز القرار و«وراثة» السلطة الفعلية من الشيوخ!

عالم اليوم

تعليقات

اكتب تعليقك