وليد الرجيب يروي جانبا من الماضى المشرق للأحمدي قبل 40 عاما.. متحسرا على حالها الذى صار

زاوية الكتاب

كتب 562 مشاهدات 0




وليد الرجيب / أصبوحة / التلوث الثقافي والسياسي
 
 

 
في ستينيات القرن الماضي، كنا نحسد سكان الأحمدي، خصوصا القاطنين في منطقة «سينير ستاف»، المخصصة لكبار موظفي شركة نفط الكويت، فالمنطقة التي بناها الإنجليز منذ أكثر من ستين عاماً تعتبر عالية التنظيم، ومثالية في كل شيء، في تخطيط الشوارع وتنظيم بناء المنازل والمرافق والحدائق، وهي المنطقة الوحيدة في الكويت، التي لا يشتري سكانها أنابيب غاز، لكنه ممد مباشرة إلى البيوت، مثل المدن الأوروبية العريقة.
ففي الوقت الذي كانت تطفح فيه مجاري المناطق الكويتية، وتغرق شوارعها من زخات مطر قليلة لم تكن شوارع الأحمدي تتأثر بأي كمية أمطار، فكنا نقول دائماً ان الإنجليز خبثاء، بنوا هذه المدينة لهم، ولذا فهي على مر العقود أنظف المناطق وأكثرها خلوا من مشاكل البنية التحتية، وحتى مستشفى الشركة كان يضرب به المثل بالمستوى اللائق في الخدمات الطبية والنظافة والنظام والمواعيد.
كانت الأحمدي التي تبعد 40 كيلو متراً عن مدينة الكويت مبنية على تل مرتفع ذات هواء عليل وفيها حدائق ومساحات خضراء، وكان سكانها راقين ومتعلمين تعليماً جيداً، ولديهم احتكاك يومي ومباشر مع الإنجليز، وكنا نفرح أيام الُجمع عندما نزور حديقة الأحمدي، ونتنزه في شوارعها، وكانت العوائل الكويتية والوافدة تفترش الحشائش وتحت الأشجار.
عندما قلت ذلك لولدي، قال لابد وأنك تحلم، لأن الأحمدي هي نقيض كل ما قلته عنها، وكان الحق معه، بل الكويت الآن بأجمعها هي نقيض ما عشناه وعرفناه في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي خصوصا في السنوات الأخيرة حيث بدأ الفساد يستشري في كل ركن وزاوية من هذا البلد، بما فيها مستشفى الأحمدي الذي تحول إلى بؤرة تخلف بعد تحويله إلى حكومي، وشركة النفط والقطاعات النفطية، التي لم تخل من فساد وإهمال، بعدما أصبحت التعيينات فيها حسب الواسطة والقبلية، لا الكفاءة والخبرة، وتردت الخدمات فيها فشاخت الأحمدي سريعاً وانهارت أمام مطرقة الفساد.
وما التلوث الغازي الكارثي، الذي يحدث الآن إلا انعكاس للتلوث الثقافي والسياسي، الذي عبأ النفوس في السنوات الأخيرة، وطال كل أركان وأروقة البلاد.
كانت مدينة الأحمدي صامدة كل تلك العقود الطويلة، فلماذا الآن هذا الانهيار في كل شيء؟! كانت الخطوط الجوية الكويتية أفضل الخطوط من حيث كل شيء، فلماذا الآن الخلل المتكرر في أجهزتها؟! وهذا ينطبق على كل شيء ولا أتحفظ على قول كل شيء من التعليم إلى الرياضة إلى مجلس الأمة، إلى معيشة المواطن، وهكذا دون توقف.
*
إذا أردت أن يعلق القراء على مقالك فلا تكتب مقالاً فكرياً أو أدبياً أو فلسفياً مثيراً للجدل والحوار، فقط اكتب احتجاجك على ملاحقة وسجن كتّاب الرأي، ستجد عدة تعليقات لمعلقين جاهزين، ومنتظرين للتصدي لمثل هذه الكتابات، ودفاعاً عن المسؤولين الحكوميين، الذين لا يحتاجون إلى دفاع أساساً.


وليد الرجيب

الراى

تعليقات

اكتب تعليقك