أحمد الديين يشير إلى واقعة استقالة نواب المعارضة الثمانية من عضوية مجلس الأمة الأول بسبب نجاح السلطة في تمرير سلسلة من القوانين المقيّدة للحريات
زاوية الكتابكتب نوفمبر 25, 2010, 3:07 ص 1060 مشاهدات 0
عبداللّه السالم... محاولة تقييم (2 من 2)
كتب احمد الديين
في هذا الجزء من المقال أتناول السنوات الخمس الأخيرة من عهد الشيخ عبداللّه السالم بين 1961 و1965 في محاولة تقييمة أولية لعهد ذلك الأمير المستنير، وهي محاولة تحتاج مستقبلا إلى استكمال وبحث ودراسة.
ولعلّ أهم انجازين كبيرين تحققا في تلك السنوات الخمس هما: استكمال نيل الكويت استقلالها في 19 يونيو من العام 1961، وذلك عندما تمّ إلغاء اتفاقية يناير 1899، التي تولت بريطانيا فيها تمثيل إمارة الكويت في علاقاتها الخارجية... ووضع دستور للبلاد في العام 1962.
لقد جاء انجاز الاستقلال ضمن سياق دولي شهد انهيار النظام الاستعماري العالمي وانتصار حركات التحرر، وفي الوقت نفسه كان الاستقلال جزءا من ترتيب مقرر في العام 1958 تمهيدا لانضمام الكويت كعضو ثالث في “الاتحاد العربي”، الذي انهار في العام ذاته بعد سقوط النظام الملكي الهاشمي في العراق، وسبقت الاستقلال خطوات على طريق استعادة السيادة الوطنية، تمثلت في انضمام الكويت إلى عدد من المنظمات الدولية، وإصدار العملة الكويتية، ونقل اختصاصات القضاء الأجنبي إلى محاكم الكويت الوطنية.
وواجه إعلان الاستقلال تحديا خطيرا عندما أطلق رئيس الوزراء العراقي حينذاك عبدالكريم قاسم تهديداته بضم الكويت، وهذا ما اضطر الأمير إلى طلب الاستعانة أول الأمر بالقوات البريطانية، إلى أن جرى قبول الكويت في الجامعة العربية وتمّت الاستعانة بالقوات العربية لضمان الاستقلال بالتزامن مع رحيل البريطانيين.
ولم يكن ممكنا التصدي للتهديد الخارجي من دون تعزيز تماسك الجبهة الداخلية الكويتية، بالإضافة إلى أنّ الدعم العربي والتفهّم الدولي للقضية الكويتية كانا يتطلبان من بين ما يتطلبانه الانتقال من صيغة الإمارة العشائرية التقليدية إلى صيغة الدولة الدستورية الحديثة، وهذا ما مهّد الأرضية لاستجابة الأمير للمطالب المتكررة بالمشاركة الشعبية ووضع دستور للبلاد، التي جرى طرحها أكثر من مرة في الفترة الأولى من عهده خلال خمسينيات القرن العشرين، وهنا بدأت الخطوة الأولى في 26 أغسطس من العام 1961 بتأليف “مجلس مشترك” يضم أعضاء “المجلس الأعلى”، الذي كان يقتصر على رؤساء الدوائر الحكومية من أفراد الأسرة الحاكمة، وأعضاء “هيئة التنظيم”، التي أنشأها المرسوم، وهي تضم عددا من رجالات النخبة التجارية بحيث يتولى هذا “المجلس المشترك” وضع مشروع قانون لانتخاب أعضاء “المجلس التأسيسي”، الذي يتولى عند تأليفه إعداد دستور للبلاد، وأعقبته الخطوة التالية بإصدار القانون رقم 1 لسنة 1962 في شأن النظام الأساسي للحكم في فترة الانتقال، الذي يُعدّ دستورا مؤقتا، ثم تمت الخطوة الثالثة بانتخاب المجلس التأسيسي، واستكملت الخطوات بإنجاز المجلس مشروع دستور 1962، الذي صدّق عليه الأمير.
ومن الواضح أنّ الشيخ عبداللّه السالم كان يمتلك وعيا تاريخيا واقعيا أدرك معه ضرورة تحقيق التوافق بين مشروع الحكم ومشروع بناء الدولة الكويتية الحديثة، مثلما أدرك مدى أهمية تعزيز الشرعية التاريخية للأسرة الحاكمة بشرعية دستورية في إطار الدولة الحديثة، ومن هنا فقد كان الدستور مكسبا للأسرة بقدر ما كان مكسبا للأمة.
ولكن ما يجب علينا ملاحظته أنّ التطور السياسي في عهد الشيخ عبداللّه السالم خلال فترتيه الأولى والثانية لم يكن خاليا من التناقضات والصعاب، حيث سبق للشيخ أن رفض في بداية الخمسينيات المطلب الشعبي بإنشاء المجلس الاستشاري، وفي العام 1957 تمّ استبعاد ثلاثة من المرشحين الفائزين في المجالس المنتخبة من عضويتها بسبب مواقفهم المعارضة، وهم الدكتور أحمد الخطيب، وجاسم القطامي، وعبدالرزاق خالد الزيد... وشهدت الفترة بين فبراير 1959 وبدايات العام 1961 فترة قمع للحريات جرى خلالها تعطيل الصحف والأندية، بما فيها الأندية الرياضية، وذلك بعد خطاب جاسم القطامي في مهرجان ثانوية الشويخ، الذي طالب فيه بالحكم الديمقراطي... وبعد الاستقلال جرت مناورة سلطوية لتقسيم الكويت إلى عشرين دائرة انتخابية على خلاف ما كان موقف أعضاء “هيئة التنظيم” الداعي إلى أن تكون الكويت دائرة انتخابية واحدة، ثم تراجع الحكم وجرى الاتفاق على تقسيمها إلى عشر دوائر... ولاحقا مارس ابن الأمير ممثل الأسرة في لجنة إعداد الدستور ضغوطا لتغيير عدد من مواد الدستور، وتحديدا إلغاء النص على قيام الأحزاب... وفي مجلس الأمة الأول نجحت السلطة في تمرير سلسلة من القوانين المقيّدة للحريات، التي كانت سببا في استقالة نواب المعارضة الثمانية من عضوية ذلك المجلس، وهي استقالة كان من المقرر تقديمها في عهد الشيخ عبداللّه السالم، ولكنها أُرجئت بعد مرضه وتمّ تقديمها بعد وفاته غفر اللّه له، وكانت تلك الاستقالة إشارة الإنذار المبكرة إلى بداية النكوص المؤسف عن التوافق التاريخي بين مشروع الحكم ومشروع بناء الدولة الكويتية الحديثة، حيث جاءت الوفاة في مثل هذه الأيام قبل خمسة وأربعين عاما لينطلق معها ذلك النكوص!
تعليقات