حكايات النساء في حياة الكُتاب يرويها صالح الشايجي في قيلولة

زاوية الكتاب

كتب 1005 مشاهدات 0


 




 
 
قيلولة: الكتّاب.. وحكايات النساء بين الواقع والخيال 
 
الجمعة 19 نوفمبر 2010 - الأنباء
الكــاتب كاذب بطبيعته.. يرى قلمه ما لم تره عيناه
محمد التابعي يروي حكاياته مع 8 نساء من البلاد الباردة
عند وداع الأحبة ..نصافح باليمنى ونمسح باليسرى دموع الفراق
فريحة كان يمزج الخيال بالواقع في ذكرياته عن علاقاته النسائية
يسراي ليست كيمناي

في هذه قوتي.. وفي تلك ضعف وخور واضطراب.  
بهذه أكتب.. وأظن الكتابة خير فعل فعلته في حياتي.. أو قامت به يمناي.

وبها أسلّم وأصافح.. وأودّع وأستقبل.. وأمدّها للوعد وللعهد..

أرفع بها.. شارة النصر ـ وإن لم يحدث ذلك قبل ـ فقد يحدث يوما ما.

فأنا أهيئها لذلك الفعل اللاحق.

أما اليسرى

فإن خانت.. ووهنت.. وضعفت واضطربت..

فلها فعل التوازن والكمال.. ولولاها ما عرفت قيمة ما تفعله اليمنى..

تسلم باليمنى عليّ إشارة

وتمسح باليسرى مجاري المدامع

هكذا قال الشاعر

سلّمت عليه باليمنى تودعه.. وكان لليسرى ضرورة مسح الدمع.

فهل اليسرى.. كانت خائبة أو زائدة عن الحاجة.. وهي تمسح الدمع المنذرف من عيني الحبيبة المودّعة حبيبها؟‍!

عين باكية تغرق بدمع لؤلؤي حراق.. يغشي العين فيمنعها من الرؤية.. فتبادر اليسرى لمسحه حتى ترى المحبوبة حبيبها في آخر لحظات الرؤية واللقاء..

وهي أهم لحظات الحب والعشق..

إنها لحظات الوداع.. فلا تعود الحبيبة لحبيبها

لذلك كان الدمع.. وكان فعل اليسرى.

في صبانا وشبابنا.. كنا نقرأ.. أو كنت ممن يقرأ للصحافي اللبناني الراحل سعيد فريحة مؤسس دار الصياد اللبنانية الشهيرة وصاحبها، صفحة أسبوعية شبه دائمة اسمها ـ على ما أذكر «من الجعبة».

وفيها يروي ذكرياته وحوادثه والطرائف التي مرت عليه.

وكان يمتاز بجرأته في كتاباته عن علاقاته النسائية.. مازجا كثيرا من الخيال بقليل من الواقع بأسلوب جميل ومشوّق.

والكتابة ـ من طبيعتها ـ أن تكون مزجا بين الواقع والخيال، أو بين واقع قليل وخيال هو الأكثر فيما يكتب.

والكاتب.. كاذب بطبيعته.. وإلا لما كان كاتبا.

يرى قلمه.. ما لم تره عيناه

يعيش خياله.. ما لم يعشه جسده.


كنّا نستلذ بما كان يكتبه سعيد فريحة من حوادث وطرائف وذكريات تمتلئ بها جعبته التي لا ينفد مخزونها، وفي الوقت ذاته، كنا نستغرب جرأته في سرد تلك التفاصيل النسوية، ونحن إذاك نتاج بيئة محافظة خوافة غرست فينا الخوف والسكوت، وغرزت في قلوبنا العيب والحرام، وكان حجم العيب كبيرا جدا بحيث لا يتصوره فرد من أبناء هذا العصر، لذلك كانت تدهشنا كتابات «فريحة» بجرأتها وفصاحتها وولوجها في المناطق التي يعتبر ولوجها بالنسبة لنا من الكبائر والمحرمات والعيوب.

ومؤخرا قرأت كتابا لـ محمد التابعي، وهو أحد أركان الصحافة المصرية في زاهيات عصورها وفي أشد الأوقات التي واجهتها الحياة السياسية المصرية اضطرابا.

عنوان كتاب التابعي «بعض من عرفت» وفيه يعرض قصصه مع ثماني نساء كلهن لا جلهن أجنبيات، فمن الفرنسية الى الإنجليزية الى الألمانية فالنمساوية وهكذا تمضي ذاكرته وذكرياته بين نساء الدول الباردة.

و«التابعي» الذي عرف بلقب «أمير الصحافة» وكان من أهم كتّابها السياسيين والذي تعرض للسجن بسبب آرائه السياسية في فترات الغليان والاحتدام السياسي، لم يأنف أن يكتب عن مغامراته النسائية وفي قصص تعود الى ثلاثينيات القرن المنقرض، أعني القرن العشرين امتدادا الى اربعينياته.

لست أدري متى كتب التابعي تلك القصص؟ أو متى نشرها لأول مرة حتى وصلت الينا الآن في إصدار جديد أصدرته دار الشروق المصرية النشطة عام 2010، ولكن الذي يهمني من ذلك كله، سواء ما تعلق منه بكتابات سعيد فريحة أو محمد التابعي هو ان مثل هذه الكتابات التي قد يستخف بها البعض من قراء هذا الجيل ويعتبرها سفاسف وسفاهات وطيشا ونزقا رجوليا، لا يليق بعظماء الرجال ان ينزلقوا اليه ـ هي كتابات تمثل نوعا من الأدب الرفيع، لا في مضمونه بل في أسلوبه وطريقة السرد وبلاغة التعبير، كما انه ينطوي على معرفة مغاليق النساء وكيفية إنشاء علاقة بين الذكر والأنثى الآدميين، والتي ليس بالضرورة تكون علاقة شائنة أو آثمة، فضلا عن دور الخيال في مثل هذه القصص وارتكانها الى الأدب، وليس لإثارة الغرائز أو استعراض المفاتن.

والخيال حاضر بكثرة وشدة في مثل هذه القصص، رغم ان خميرة الحقيقة موجودة فيها، ولكن الخيال يتغذى على هذه الخميرة ويكبّر من حجمها ليجعلها مادة مكتملة.

والقارئ الذكي أو المتذاكي، لا شك انه يلفت نظره ويثير استغرابه، دقة الحوار والتفاصيل في تلك القصص التي مر عليها ـ عند نشرها ـ سنوات وربما عقود من سنوات، فكيف للذاكرة الإنسانية أن تحفظ حوارات مر عليها الزمن، ولكنها موهبة الكاتب التي تجعل قارئه يصدق بدقة تلك الحوارات والتفاصيل، وهنا يأتي دور الخيال ليكمل الصورة.


هرما

ولعل أكثر قصص «التابعي» تأثيرا فيّ هي قصة الفتاة النمساوية «هرما»..


 

يقدم التابعي لكل قصة من قصصه الثماني ببعض الأبيات الشعرية التي يرى انها تناسب القصة، ولهذه القصة يقدم التابعي أبياتا شعرية للشاعر اللبناني إلياس أبوشبكة يرى انها تلخص مضمون القصة، أما الأبيات فهي:

وحق حبك لم أشمت بفاتنة

زلّت بها قدم أو غرها ذهب

فكيف اختلس الحق الذي اختلسوا

وكيف أذأب عن لؤم كما ذئبوا

لي ذكريات كأخلاقي تؤدبني

فلا يخالجني روغ ولا كذب


لقاء فرح.. ووداع باكٍ

.. و«هرما» فتاة نمساوية عرفها التابعي في القاهرة، وبنت الأيام بينهما علاقة إنسانية بريئة، كانت فتاة رقيقة الحال فقيرة تعيش في كنف أختها الراقصة في احدى الفرق، واستمرت علاقته المحيرة بها، فهي لا تعرف ماذا يريد منها هذا الرجل الذي يعطف عليها ويسد بعض احتياجاتها المادية، ولقد أنست اليه وارتاحت لمعشره واطمأنت اليه أختها.

حتى كان أن سجن «التابعي» في احدى قضاياه الصحافية، والقصة تعود الى ثلاثينيات القرن العشرين.

وخلال السجن بقيت تراسله وتبعث له الرسائل من كل بلد تحل فيه بصحبة أختها، وكانت قد زودته بعنوانها في بلدها.

وحدث أن ماتت أختها، ولم تجد الفتاة «هرما» بدا من العودة الى بلدها كما أخبرته في إحدى رسائلها.

ويحكي التابعي كيف انه وبعد سنوات من الفراق بينه وبين «هرما» ترتب له الأقدار زيارة لبلدتها في «النمسا» وهي البلدة التي لم تكن ضمن خارطة زيارته الأوروبية، هو وشريكاه كريم ثابت وأحمد أبوالفتح.. فلما كان هناك فتح مفكرته مستعيدا عنوان «هرما» فراح يبحث عنها في عنوانها المكتوب في مفكرته، ولكن حارس العقار يصدمه حين يقول له وبما يشبه الامتعاض لقد رحلت من هنا! فلما ألح عليه «التابعي» لمعرفة عنوانها الجديد، تفضل عليه الحارس بإعطائه ما طلب.

وراح التابعي يطرق أبواب البيت البديل، بحثا عن فتاته، ليفاجأ بأنه بيت يبيع المتعة لمن يدفع ثمنها لنسائه.

يطلب فتاته بالاسم ويدفع الثمن.. لتفاجأ هي بعد قليل بأن الزبون الذي مضت إليه، لم يكن سوى ذلك الرجل المصري الذي عرفته على نيل القاهرة قبل سنوات والذي حدب عليها وأشفق على رقة حالها، ولم يغرف من عبقها شيئا!

ما أصعب الموقف على الاثنين، على الرجل الذي حاول تحصين فتاة عن طريق الانزلاق وهي المرشحة لذلك الطريق، وعلى تلك الفتاة التي صانت نفسها كثيرا، ولكن القدر هتك أستار الصيانة وجردها من حماياتها، فكان طريق الانزلاق.

ينصرف التابعي.. بعد حوار مأساوي مع فتاته، يخرج محملا بأحزانه وبدموع آن لها أن تنسكب.. فانسكبت!


لن تأكله الذئبة

لم يكن يعرض قلبه الأبيض للبيع، ولكن الطامعين كانوا كثرا

أقاموا مزادا وهميا.. واشترت الذئبة قلبه

لم يقبض هو فلسا واحدا.. ثمنا لقلبه

ولم تدفع الذئبة.. فلسا واحدا ثمنا لذلك القلب الأبيض

هي لم تكن في حاجة لقلب أبيض.. ولكنها ـ مدفوعة ـ بالطمع، اشترت ما لم تكن في حاجة إليه..

ضاع القلب الأبيض.. بين يدي الذئبة

صارت تنهش فيه.. نهشا

لا ترتوي.. ولا تشبع

ولكنها لا ترعوي

مازالت تنهش ذلك القلب الأبيض.. حتى سقطت أسنانها.. وهر جلدها

وانسلخت أعضاؤها.. وتقصفت أطرافها.. وسقطت أذناها وانقطع ذيلها

ولكنها.. بقيت ذئبة.. في روحها
 
 

الأنباء

تعليقات

اكتب تعليقك