حق الاجتماع وحق التجمع وفقا للمادة رقم 44

محليات وبرلمان

القحطاني: وصف 'الداخلية' تفسير لا يدعمه سند واضح من الدستور

4984 مشاهدات 0

داهم القحطاني

أعد المدون والكاتب والمهتم بالقضايا الدستورية داهم القحطاني دراسة حول التفريق بين حق الاجتماع العام وحق التجمع وفقا للمادة رقم 44.

وخلـص القحطاني في دراسته الى ان الندوات التي تقام في الاماكن العامة ومنها التـي تقـام في ساحة الارادة منذ العام 2006 ليست سوى اجتماعات عامة سلمية لا يوجد قانون ينظمها بعد إلغاء المحكمة الدستورية للنصوص المنظمة في مرسوم القانون رقم 65 لسنة 1979 بسبب عدم دستوريتها ما يجعل التنظيم مستمدا حاليا بشكل مباشر من المادة 44 من الدستور الـى حيـن قيـام الحكومـة بتقديـم مشـروع قانون ويتوافق مع حيثيات حكـم المحكمـة الدستورية،

وأكد القحطاني في دراسته التي نشرتها 'الأنباء' أن تفسير «الداخلية» للندوات التي تقام في ساحة الإرادة بأنها تجمعات وليست اجتماعات عامة تفسير لا يدعمه سند واضح من الدستور، وفيما يلي تفاصيل الدراسة:

تحاول وزارة الداخلية في الكويت ترسيخ فهم جديد لتطبيق المرسوم بقانون رقم 65 لسنة 1979 بشأن الاجتماعات العامة والتجمعات مفاده أن الندوات التي تنظم في الأماكن العامة ومنها ما يعقد في ساحة الإرادة ليست سوى تجمعات يتطلب عقدها أخذ إذن مسبق من المحافظ المعني وذلك وفقا لمواد المرسوم بقانون المتبقية والتي لم يسقطها حكم المحكمة الدستورية الذي صدر في الأول من مايو العام 2006 وألغى تطبيق خمس عشرة مادة من المرسوم بقانون رقم 65 لسنة 1979 بشأن الاجتماعات العامة والتجمعات. لهذا تواجه مجموعة الكتاب والإعلاميين والمدونين التي أعلنت عن تنظيم أول ندوة في ساحة الإرادة منذ صدور بيان وزارة الداخلية في الثاني والعشرين من سبتمبر العام 2010 والمتضمن فهم وزارة الداخلية الجديد لتطبيق المرسوم بقانون رقم 65 لسنة 1979 بشأن الاجتماعات العامة والتجمعات، ضغطا من وزارة الداخلية بهدف إقناعهم بتقديم طلب مسبق لعقد الندوة لمحافظ العاصمة مع تعهدات بقبول هذا الطلب، وهو إجراء تقوم به وزارة الداخلية كي يترسخ هذا الفهم الجديد الذي نعتقد أنــه فهــم مغلوط من شأنه أن يعود في وضــع الاجتماعات العامة في الكويت إلى الوضــع غير الدستوري الذي كانت عليه في الثلاثيــن من ابريل 2006 أي قبل يوم واحد من صدور الحكم الدستوري بإلغاء مادتين في مرسوم قانون الاجتماعات العامة بشكل كامل وإلغاء ثلاث عشرة مادة أخرى بشكل جزئي، وهو الوضع الذي كان يقرر فيه المحافظ ما إذا كان الشعب الكويتي يستحق أن يجتمع في مكان عام ليناقش قضايا عامة محددة من عدم ذلك. وقبل تفنيد هذا الفهم الجديد من وزارة الداخلية يتطلب الأمر من المختصين في وزارة الداخلية الإجابة عبر بيان في وسائل الإعلام عن هذين السؤالين البسيطين:

ـ لماذا لم تصدر وزارة الداخلية قرارات وزارية منذ صدور الحكم الدستوري في الأول من مايو العام 2006 تنظم المسائل التي ترتبت على هذا الحكم؟ ولماذا اكتفت ببيان صحافي لا يمكن للمواطنين في الكويت الطعن فيه في القضاء كي يعرف مدى مشروعيته؟

ـ ما تعريف الاجتماع العام لدى وزارة الداخلية؟ وما موقف الوزارة من التعريفات التي وضعتها المحكمة الدستورية للاجتماع العام، هل تعترف بها؟ أم أنها تعتبر الحكم الدستوري لم يأت بتعريفات ضابطة ومحددة للاجتماع العام؟

مقدمة

سبق لوزارة الداخلية نفسها وللنيابة العامة أن وضعتا تعريفا للاجتماع العام يخرجه عن مظنة أن يكون تجمعا ففي الدعــوى الجزائية رقم 223 لسنة 2004 والتي أقامتها النيابة العامة ضد المحامي الحميدي السبيعي والنائب مبارك الوعلان المطيري (لم يكن نائبا حينذاك) وهي الدعوى التي صدر على أثرها قرار المحكمة الدستورية بهذا الشأن تم الاستناد في قرار الاتهام الموجه من النيابة العامة على أن السبيعي والمطيري خالفا نص المادة رقم 1 من المرسوم قانون رقم 65 لسنة 1979 بشأن الاجتماعات العامة والتجمعات وهي المادة التي تعرف الاجتماع العام، وأنهما كذلك خالفا المادة رقم 4 من المرسوم نفسه وهي المادة التي تتحدث عن طلب ترخيص مسبق للاجتماع العام، ولم تقم النيابة العامة بطلب معاقبة السبيعي والمطيري وفقا للمواد 12 و13 و14 وهي المواد التي تتحدث عن التجمعات لا عن الاجتماعات العامة.

ويتضمن هذا الامر تبني وزارة الداخلية والنيابة العامة تعريف محدد للاجتماع العام، وهو التعريف الذي تأتي وزارة الداخلية وبعد نحو ست سنوات من رفع الدعوى وتتبنى غيره وتعتبر أن الندوات العامة ليست سوى تجمعات تتطلب الإذن المسبق قبل عقدها.

كما أن المذكرة الإيضاحية للمرسوم بقانون رقم 65 لسنة 1979 بشأن الاجتماعات العامة والتجمعات بينت فيما يتعلق بنص المادة 4 من المرسوم الآتي «أنه جعل الأصل هو منع الاجتماع العام متى لم يصدر به ترخيص، وأضاف هذا النص حظر الدعوة إلى اجتماع عام أو الإعلان عنه أو النشر عنه إلا بعد صدور الترخيص بعقده لأن علم الجمهور بموعد الاجتماع ومكانه قد يترتب عليه أثر غير محمود لدى الجمهور إذا ما منع بعد ذلك خاصة أن كثيرين قد يتوجهون إلى مكان الاجتماع دون علمهم برفض الترخيص بعقده مما يسبب حدوث اضطرابات عند صرف الحاضرين للاجتماع».

وفي هذه الفقرة من المذكرة الإيضاحية تأكيد من الحكومة التي وضعت هذا المرسوم العام 1979 ومن وزارة الداخلية والنيابة العامة التي دافعت عن مشروعيته العام 2004 أن الاجتماع العام يختلف عن التجمع وأن الاجتماع يعقد بدعوة مسبقة وفي مكان محدد ولمناقشة مواضيع معروفة سلفا وليس تجمعا يعقد للتظاهر أو التعبير الحركي عن رفض قرار أو سياسة ما.

(أولا): الفرق بين الاجتماع العام والتجمع في الدستور الكويتي والمذكرة التفسيرية

الاجتماع والتجمع في نص المادة 44:

تنص المادة 44 من الدستور على الآتي: «للافراد حق الاجتماع دون حاجة لإذن او اخطار سابق، ولا يجوز لاحد من قوات الامن حضور اجتماعاتهم لخاصة.والاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات مباحة وفقا للشروط والاوضاع التي يبينها القانون، على ان تكون اغراض الاجتماع ووسائله سليمة ولا تنافي الآداب».

ويبدو واضحا أن المادة الدستورية تتحدث عن أنواع مختلفة من حق الإجتماع وفق الآتي:

ـ اجتماعات خاصة لا يجوز لقوات الأمن حضورها وبالتالي لا يجوز لهذه القوات الاقتراب من الأماكن الخاصة التي تعقد فيها كما لا يجوز التضييق على من يريد حضورها بغلق الطرق تحت أي ذريعة.

ـ اجتماعات عامة.

ـ مواكب (مظاهرات، مواكب سيارة).

ـ تجمعات ذات طابع متحرك.

كما يلاحظ في هذه المادة الدستورية أنها قررت وقبل أن تبين أنواع الاجتماعات قررت أن للأفراد الحق في الاجتماع من دون حاجة لأن أخذ الإذن بالموافقة أو عدم الموافقة، كما رفضت المادة الدستورية ايضا حتى مجرد إخطار السلطات بشكل مسبق وذلك كي لا يفتح المجال أمام تقييد هذا الحق بأساليب متعددة.

الاجتماع العام والتجمع في المذكرة التفسيرية

في المذكرة التفسيرية تتحدث عن تأثير أصداء القضايا العامة في الراي العام حينما تنص على الآتي «كما ان تجريح الوزير، او رئيس مجلس الوزراء، بمناسبة بحث موضوع عدم الثقة او عدم التعاون، كفيل بإحراجه والدفع به الى الاستقالة، اذا ما استند هذا التجريح الى حقائق دامغة واسباب قوية تتردد اصداؤها في الرأي العام. كما ان هذه الاصداء ستكون تحت نظر رئيس الدولة».

والسؤال هنا كيف ستكون هناك أصداء في الرأي العام إذا كان الإذن بعقد الاجتماعات العامة بيد من يفترض أن هذه الاصداء ستكون ضدهم أو معهم؟ وكيف سيتم قياس هذه الأصداء في الرأي العام إذا اقتصر السماح بعقدها على عدد لا يتجاوز العشرين شخصا وفي ديوانية خاصة قد لا تتسع لعدد من يريد المشاركة في التعبير عن تأييد طلب طرح الثقة أو ربما رفضه؟

خطورة حصول الاضطرابات إذا ما تم تقييد حق الاجتماع العام

المذكرة التفسيرية تعلن أن على الحكم الديموقراطي أن يجعل رقابة الراي العام العمود الفقري لشعبية الحكم أي ان الحكم يفتقد الشعبية من دون توفير مقومات وضمانات رقابة الراي العام ومن ابرز هذه الضمانات والمقومات التي ذكرتها المذكرة التفسيرية المادة 44 من الدستور بل ان المذكرة التفسيرية التي تفحصها الآباء المؤسسين قبل ان يصدروها مع الدستور كي تكون منارة نهتدي بها جميعا ولا نهمشها لمصالح ضيقة.

هذه المذكرة التفسيرية قالت وبوضوح عن الحريات ومن ضمنها حق الاجتماع العام أنها تساهم في رفع الوعي السياسي وليس كما يقول البعض المشكك دوما بأنها تؤجج الشارع.

كما أن هذه الحريات وحسب المذكرة التفسيرية تقوي الرأي العام وهو هدف كان الآباء المؤسسون في المجلس التأسيسي يخلصون في سعيهم لتحقيقه وليس كما هو الحال في وضعنا الحالي حيث لا تتوقف الإجراءات عن القيام بتكرار المحاولات من أجل تهميش الرأي العام ووصمه بالغوغائية وبالتأجيج.

الأخطر من كل ذلك أن الآباء المؤسسين حذروا عبر المذكرة الدستورية من المس بهذه الحريات والتضييق عليها ومنها حق الشعب في الاجتماع العام معتبرة أن ذلك من شأنه أن يجعل النفوس متذمرة بصورة لا يمكن معالجتها بوسائل دستورية، وأن ذلك قد يجعل الصدور تكتم آلاما لا متنفس لها بالطرق السلمية، وأن القلاقل والاضطرابات ستسود نتيجة لذلك في الدولة.

وكانت المذكرة التفسيرية صريحة في هذا الأمر إلى الحد من التحذير أن تتحول الكويت نتيجة تقييد الحريات العامة، ومنها حق الاجتماع العام، إلى وضع مشابه لما يحصل في دول أميركا اللاتينية آنذاك (1962) من اضطرابات وقلاقل.

فهل بعد هذا الوضوح في المذكرة التفسيرية يأتي من يفسر نصوص القانون بصورة متشددة بما يعرض الكويت إلى وضع قد تسوده القلاقل والاضطرابات لا سمح الله.

ـ غل يد مجلس الأمة عن تقييد حق الاجتماع:

المذكرة التفسيرية وفي التفسير الخاص لنص المادة 44 من الدستور كانت واضحة في منع المشرع أي مجلس الأمة والحكومة بالتبعية من مجرد حتى تقديم تشريع يطلب من الناس أخذ الإذن قبل عقد اجتماعاتهم الخاصة أو إخطار السلطات بشكل مسبق كما أوضحت المذكرة التفسيرية في تفسير لا يحتمل اللبس أنه لا يجوز لقوات الامن إقحام نفسها على هذه الاجتماعات.

ولهذا يبدو غريبا في الآونة الأخيرة تواجد القوات الخاصة في المناطق السكنية الآمنة لمجرد أن مجموعة من المواطنين عقدوا في منازلهم اجتماعات خاصة بهم لا تخالف القانون.

مع ملاحظة أن الاجتماع الخاص قد يعقد داخل المنزل أو «أمامه» وفقا لحيثيات حكم المحكمة الدستورية بشأن المرسوم بقانون رقم 65 لسنة 1979 بشأن الاجتماعات العامة والتجمعات.

ـ معيار التفرقة بين الاجتماع العام والتجمع في المذكرة:

المذكرة التفسيرية قررت وبوضوح أن الصورة المعتادة للاجتماعات العامة هي التي تتم في مكان معين، كما هو الحال، حسب فهمنا، لتنظيم الندوات في مكان عام كساحة الإرادة، ولاحقا ذكرت المذكرة التفسيرية أن الاجتماعات العامة قد تأخذ صور مواكب تسير في الطريق العام أو تجمعات يتلاقى فيها الناس في ميدان عام.

وهنا يتضح أن المذكرة التفسيرية فرقت بين الاجتماع العام الذي يعقد لمناقشة مواضيع محددة في مكان معين وبين التجمعات التي تعقد من دون بحث موضوع معين وتأخذ طابعا متحركا لا ثابتا ما جعل المذكرة ونص المادة 44 من الدستور قبل ذلك يضعها في الترتيب بعد المواكب السيارة ولم يقرنها بالاجتماعات العامة وهو ترتيب انتبه له الحكم الدستوري بشأن مرسوم قانون الاجتماعات العامة والتجمعات كما سنبين لاحقا.

كما يبدو لافتا أيضا أن المذكرة التفسيرية حينما بينت أن القانون هو من يضع المعيار الذي يفرق بين الاجتماع العام والخاص فإنها اعتبرت كل أنواع الاجتماعات العامة في كفة واحدة والاجتماعات الخاصة في كفة أخرى ما يجعل حكم المواكب السيارة والتجمعات السيارة يدخل في حكم الاجتماع العام الذي لا يتطلب أخذ الإذن المسبق ولا الإخطار المسبق للسلطات، وما من شأنه ايضا أن يجعل المواد أرقام 12 و13 و14 من المرسوم بقانون رقم 65 لسنة 1979 بشأن الاجتماعات العامة والتجمعات معرضة لشبهة عدم الدستورية.

ثانيا: الفرق بين الاجتماعات العامة والتجمعات وفقاً للمحكمة الدستورية

ـ المحكمة الدستورية لم تضف الدستورية على طلب الإذن بتنظيم المظاهرات والتجمعات:

عدم بت المحكمة الدستورية في حكمها الصادر في الأول من مايو 2006 بشأن المرسوم بقانون رقم 65 لسنة 1979 بشأن الاجتماعات العامة والتجمعات في المواد المتعلقة بالمواكب السيارة والتجمعات لا يعني أن الحكم أضفى على هذه المواد الدستورية وذلك لأن ولاية المحكمة الدستورية في الدعاوى التي تنظرها تمتد فقط للدفع الجدي بعدم الدستورية، والدفع في قضية المحامي الحميدي السبيعي ومبارك الوعلان المطيري تم فقط بعدم دستورية المادتين 1 و4 من المرسوم.

كما أن امتداد ولاية المحكمة الدستورية للمواد الأخرى تم وفق حيثيات الحكم الدستوري بسبب تداخل مضامين النصوص الأخرى مع النصوص المطعون في عدم دستوريتها وهو التداخل الذي رأت المحكمة ضمنا أنه لم يحصل مع المواد المتعلقة بالمواكب والمظاهرات والتجمعات وهو ما يعني أن هذه المواد لم تحصن دستوريا، وأنه قد يحكم بعدم دستوريتها مستقبلا إذا ما طعن بذلك.

ـ لا تقييد للرقابة الشعبية:

كانت المحكمة الدستورية واضحة في الحكم الدستوري في رفضها وضع القيود على حق الرقابة الشعبية والذي ينبثق منه حق الاجتماع العام، إلى درجة أنها اعتبرت ذلك هدما للديموقراطية.

كما أن المحكمة الدستورية اعتبرت أن نقض حق الاجتماع ليس سوى تقويض للأسس التي يستند فيها النظام من أجل أن يستمد شرعيته من الإرادة الشعبية.

ـ معيار التفرقة بين الاجتماع العام والتجمع:

انتقدت المحكمة الدستورية في حيثيات الحكم جعل منع الاجتماعات العامة هو الأصل ورأت ان ذلك يعطي للإدارة سلطة مطلقة.كما انتقدت المحكمة جعل فيصل التفرقة في ماهية الاجتماع الموضوع الذي يبحث لا المكان الذي يعقد فيه هذا الاجتماع.

كما رفضت المحكمة الدستورية أي صيغة تشريعية مبهمة تطلق العنان لسوء التقدير.

وكان لافتا أن المحكمة الدستورية شددت في حيثيات الحكم أنه لا يتصور أن الدستور الكويتي قد قصد أن يكون تنظيم حق الاجتماع العام بقانون «ذريعة لتجريد الحق من لوازمه أو العصف به أو تعطيل الحق في الحوار العام».

ـ الاجتماع العام حسب المحكمة الدستورية:

المحكمة الدستورية وضعت توصيفا محددا لحق الاجتماع وفق التالي «مكنة الأفراد في التجمع في مكان ما فترة من الوقت للتعبير عن آرائهم فيما يعن لهم من مسائل تهمهم، وما يرمي إليه ـ بالوسائل السلمية ـ من تكوين إطار يضمهم لتبادل الفكر وتمحيص الرأي بالحوار أو النقاش أو الجدال توصلا من خلال تفاعل الآراء إلى أعظمها سدادا ونفعا».

ويبدو واضحا من هذا التوصيف أن الاجتماع الذي يبحث بالوسائل السلمية الآراء ضمن إطار للتبادل الفكري ـ حسب وصف المحكمة الدستورية ـ لا يمكن أن يتصور أنه تجمع يثير قلق السلطات ما يتطلب تواجد رجال الأمن للتنظيم أو فض الاجتماع فهذا الامر قد يحصل في المواكب والمظاهرات والتجمعات وهي حالات تختلف عن الاجتماع العام الذي أبدعت في وصفه المحكمة الدستورية وأبدعت كذلك في ربطه بالفكر والنقاش وتفاعل الآراء.

ولهذا كانت المحكمة الدستورية أكثر من واضحة حينما بينت أن أخذ الإذن المسبق في الاجتماع العام وقيام قوات الأمن بفض الاجتماع متى ما أرادت ليس سوى «إطلاق سلطة الإدارة في إخفات الآراء بقوة القانون» و«منح سلطة الإدارة سلطة وصاية تحكمية على الرأي العام» و«تعطيل الحق في الحوار العام».

كما برز في الحكم الدستوري أن المحكمة الدستورية رفضت أن تكون نصوص القانون بشأن الاجتماعات العامة «ذات تأويلات متعددة»، «وفاقدة لنص محدد وجازم» ما يجعلها سببا للإخلال بحقوق كفلها الدستور، ومنها حق الاجتماع أي ان المحكمة الدستورية طلبت أن تكون النصوص محددة وواضحة بحيث لا يلتبس المعنى على المواطنين فيخشون ممارسة حقوقهم في التعبير.

الخلاصة

ـ الندوات التي تقام في الأماكن العامة في الكويت ومنها الندوات التي تقام في ساحة الإرادة منذ العام 2006 ليست سوى اجتماعات عامة سلمية لا يوجد قانون ينظمها بعد إلغاء المحكمة الدستورية للنصوص المنظمة في مرسوم القانون رقم 65 لسنة 1979 بسبب عدم دستوريتها ما يجعل التنظيم مستمدا حاليا بشكل مباشر من المادة 44 من الدستور إلى حين قيام الحكومة بتقديم مشروع قانون أو قيام اعضاء مجلس الأمة بتقديم مقترح بقانون يتوافق بشكل تام مع حيثيات حكم المحكمة الدستورية.

ـ تفسير وزارة الداخلية الذي صدر في بيان في العشرين من سبتمبر 2010 للندوات التي تقام في ساحة الإرادة بأنها تجمعات وليست اجتماعات عامة، تفسير لا يدعمه سند واضح من الدستور، كما أنه يتضمن تقييدا واضحا لرقابة الرأي العام، وهو باعتقادنا تفسير لا تتبناه وزارة الداخلية بشكل جاد وإلا لكانت أصدرته في قرارات وزارية تخضع لسلطة القضاء.

ـ منع المواطنين من اقامة اجتماع عام في ساحة الإرادة يتيح لهم التقدم بدعوى قضائية ذات شق مستعجل يتم فيها طلب تنظيم الاجتماع العام إلى حين فصل القضاء في الأسانيد التي من المفترض أن تسوقها وزارة الداخلية من اجل إثبات ان الندوات التي تنظم في الأماكن العامة تجمعات تتطلب الإذن المسبق وفق المواد 12 و13 و14 من مرسوم بقانون رقم 65 لسنة 1979 وليست اجتماعات عامة رفضت المحكمة الدستورية ان يطلب قبل عقدها إذن أو إخطار مسبق.

ـ تشدد الحكومة في مسائل الحريات العامة ليس قضية قانونية بحتة كي يحسم فقط في القضاء إنما وكما قالت المذكرة التفسيرية يعتبر قضية من شأنها زرع الضيق في صدور المواطنين بسبب حرمانهم من حقهم في التعبير السلمي، وهو أمر يجب أن تنتبه له الحكومة جيدا فرقابة الرأي العام، وكما قال الحكم الدستوري بهذا الشأن، ليست منحة من الحكومة كي يتم تقييدها بل هي حق طبيعي رسخه الدستور كي يحافظ على الكويت من القلاقل والاضطرابات وهو أمر يحمل الجهات المعنية والمسؤولين المباشرين عن هذه الملفات مسؤولية تاريخية في عدم التعرض للحريات العامة وخصوصا حق الاجتماع العام.

الخاتمة

نص مقتطف يستحق أن يكتب بأحرف من ألماس من حيثيات حكم المحكمة الدستورية بشأن مرسوم بقانون رقم 65 لسنة 1979 بشأن الاجتماعات العامة والتجمعات:

«الأصل أن حريات وحقوق الإنسان لا يستقل أي مشرع بإنشائها، بل انه فيما يضعه من قواعد في شأنها لا يعدو أن يكون كاشفا عن حقوق طبيعية أصيلة، ولا ريب في أن الناس أحرار بالفطرة، ولهم آراؤهم وأفكارهم، وهم أحرار في الغدو والرواح، فرادى ومجتمعين، وفي التفرق والتجمع مهما كان عددهم مادام عملهم لا يضر بالآخرين، وقد غدت حريات وحقوق الإنسان جزءا من الضمير العالمي واستقرت في الوجدان الإنساني، وحرصت النظم الديموقراطية على حمايتها وتوفير ضماناتها كما درجت الدساتير على إيرادها ضمن نصوصها تبصيرا للناس بها، ويكون ذلك قيدا على المشرع لا يتعداه فيما يسنه من أحكام، وقد تطورت هذه الحريات فأضحت نظاما اجتماعيا وحقا للأفراد ضروريا للمجتمعات المدنية لا يجوز التفريط فيه أو التضحية به إلا فيما تمليه موجبات الضرورة ومقتضيات الصالح المشترك للمجتمع، والحاصل أن الحريات العامة إنما ترتبط بعضها ببعض برباط وثيق بحيث إذا تعطلت إحداها تعطلت سائر الحريات الأخرى، فهي تتساند جميعا وتتضافر ولا يجوز تجزئتها أو فصلها أو عزلها عن بعضها، كما أن ضمانها في مجموع عناصرها ومكوناتها لازم، وهي في حياة الأمم أداة لارتقائها وتقدمها، ومن الدعامات الأساسية التي لا يقوم أي نظام ديموقراطي بدونها، كما تؤسس الدول على ضوئها مجتمعاتها، دعما لتفاعل مواطنيها معها، بما يكفل توثيق روابطها، وتطوير بنيانها، وتعميق حرياتها».

 

المراجع المستخدمة في الدراسة

ـ نص المادة رقم 44 من الدستور «للأفراد حق الاجتماع دون حاجة لإذن او اخطار سابق، ولا يجوز لأحد من قوات الأمن حضور اجتماعاتهم الخاصة. والاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات مباحة وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون، على ان تكون اغراض الاجتماع ووسائله سليمة ولا تنافي الآداب».

ـ نص المادة رقم 101 من الدستور «كل وزير مسؤول لدى مجلس الأمة عن أعمال وزارته، واذا قرر المجلس عدم الثقة بأحد الوزراء اعتبر معتزلا للوزارة من تاريخ قرار عدم الثقة ويقدم استقالته فورا. ولا يجوز طرح موضوع الثقة بالوزير الا بناء على رغبته او طلب موقع من 10 اعضاء اثر مناقشة استجواب موجه اليه. ولا يجوز للمجلس ان يصدر قراره في الطلب قبل 7 ايام من تقديمه. ويكون سحب الثقة من الوزير بأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس فيما عدا الوزراء. ولا يشترك الوزراء في التصويت على الثقة.

ـ المذكرة التفسيرية لدستور الكويت.

ـ مرسوم بقانون رقم 65 لسنة 1979.

ـ حكم المحكمة الدستورية بشأن عدم دستورية المواد رقم (1) و(4) بشكل كامل والمواد أرقام (2) و(3) و(5) و(6) و(8) و(9) و(10) و(11) و(16) و(17) و(18) و(19) و(20) فيما تضمنته تلك النصوص متعلقا بالاجتماع العام من المرسوم بقانون رقم 65 لسنة 1979 في شأن الاجتماعات العامة والتجمعات والمنشور في الجريدة الرسمية «الكويت اليوم» العدد رقم (769) السنة الثانية والخمسون بتاريخ 11/5/2006.

ـ نصوص المرسوم بقانون رقم 65 لسنة 1979 في شأن الاجتماعات العامة والتجمعات (قبل صدور الحكم الدستوري بإلغاء بعض مواده).

ـ نصوص المرسوم بقانون رقم 65 لسنة 1979 في شأن الاجتماعات العامة والتجمعات (بعد صدور الحكم الدستوري بإلغاء بعض مواده).

 

الآن - الأنباء

تعليقات

اكتب تعليقك