د.وليد الحداد يكتب عن الأبعاد الإدارية والاقتصادية في سيرة أم المؤمنين عائشة رضوان الله عليها
زاوية الكتابكتب سبتمبر 17, 2010, 11:46 م 912 مشاهدات 0
الأبعاد الإدارية والاقتصادية في سيرة أم المؤمنين عائشة رضوان الله عليها (1 ـ 4)
السبت 18 سبتمبر 2010 - الأنباء
بينما أنا أصلي ليلة الـ 27 من رمضان والتي يرى كثير من العلماء أنها الليلة المعنية بليلة القدر، وأدعو بالدعاء المعروف الذي روي عن أم المؤمنين عائشة ـ رضوان الله عليها ـ عندما سألت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا أدركت ليلة القدر فماذا أقول فيها؟ قال: قولي «اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني»، فقلت في نفسي أمي عائشة يُعتدى عليها وتتهم في عرضها وتكفر وأنا جالس مكتوف اليدين. فلا وألف لا. فقررت أن أكتب وأدافع عن أمي عائشة - رضوان الله عليها - بما أستطيع وفي مجال اختصاصي وهو الإدارة والاقتصاد، فكتبت هذا المقال لأن سيرة أم المؤمنين عائشة رضوان الله عليها مدرسة من جميع نواحي الحياة والمطلوب ان نستفيد منها قدر الإمكان، فهي النبراس والقواعد الربانية التي نرتكز عليها في حياتنا المعاصرة.
أولا - فضل عائشة رضوان الله عليها:
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام».
ونزلت بها آية التيمم، وأيضا نزلت براءتها عندما اتهمت بالزنا في سورة النور (إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم...)، وقال العلماء لم يبرئ الله في كتابه عز وجل من الزنا إلا يوسف عليه السلام، ومريم بنت عمران، وعائشة رضوان الله عليها.
وقال موسى بن طلحة ما رأيت أحدا أفقه من عائشة.
وكان الصحابة رضوان الله عليهم يستفتون عائشة رضي الله عنها إذا أشكل عليهم أمر.
والاستطراد في فضائل أم المؤمنين عائشة رضوان الله عليها لا يسعه هذا المقال بل لا تسعه مكتبة كاملة من مئات الكتب، ولكن لقيود كتابة المقالات نكتفي بهذا القدر.
ثانيا - الأبعاد الإدارية:
من الأمور والقواعد المهمة لنجاح أي أمة هي قدرتها على بناء نظام تعليمي وتربوي فاعل تكون له القدرة على بناء أفراد يقودون هذا المجتمع إلى النجاح، فالأمر الرباني الذي جاء للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بزواج عائشة لم يكن إلا تمهيدا لبناء قاعدة تعليمية وتربوية للأمة جمعاء، فكانت عائشة صغيرة السن ولذلك استطاعت أن تستوعب أحاديث وفقه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبعد ذلك نقلت هذه الحياة العطرة لرسولنا الكريم داخل بيته للأمة جمعاء وهذا ما يفسر أن جميع نساء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يروين حتى الربع مما روته أم المؤمنين عائشة، وهذا يفسر أيضـــا هجوم أعداء الأمة الإسلامية عليهــــا، فالتشكيك فيها والقضاء على ما نقلتـــــه لنا هو القضاء على الأمة الإسلاميـــــة، فالأسرة والتعليم هما أسس بناء أي مجتمع وتخريبه تخريب للمجتمع.
ومن سيرة أم المؤمنين عائشة نستنتج التالي في مجال الإدارة:
التعليم جزء أساسي للنجاح سواء على مستوى الفرد أو المنظمات الإدارية: وما يسمى (بالمنظمة التعليمية) فأي قائد إداري أو منظمة دون البناء التعليمي لها مصيرها إلى الفشل، وهكذا في سيرة أمنا رضوان الله عليها التركيز على التعليم. فقالت عائشة رضوان الله عليها: «انها كانت لا تسمع شيئا لا تعرفه إلا راجعـــــت فيه حتى تعرفه..» (رواه البخاري)، وكان عروة يقول لعائشة ـ رضوان الله عليها: يا أمتاه لا أعجب من فقهك، أقــــــول زوجة نبي الله وابنة أبي بكر، ولا أعجب من علمك بالشعر وأيام النـــــاس، أقول ابنة أبي بكر وكان أعلم الناس، ولكن أعجــــب من علمك بالطب (كيف هو ومن) أيــــن هو؟، قال: فضربت على منكبه وقالت: أي عرية ان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يسقـــــم عند آخر عمره أو في آخر عمره وكانت تقدم عليه وفود العرب من كل وجـــــه فتنعت له الأنعات وكنت أعالجها له (سيرة أعلام النبلاء).
التعليــــم لا ينجــــــح إلا إذا كـــــان مبنيا على معلمين ذوي خبرة ودرايــــة:
في سيرة أم المؤمنين هــــــو تلــــــق من فرد صغير الســـــن من معلم ذوي خبرة ودراية وهو سيد الخلـــــق ـ صلى الله عليه وسلم، وهـــــذا يوضح لنا أهمية البناء التعليمـــــي مـــــن خلال الاهتمام بنوعية المعلمـــــين، فهم الجـــــزء الأساسي لنجاح التعليم وان الأطفال وصغار السن لديهم القـــــدرة على تلقي هذا العلم واستيعابه، وأن التعليم يكون بالتلقي والأهم بالممارسة وعيش الواقع وهذا ما حدث مع أمنا رضوان الله عليها، فهـــــي عايشت حياة النبـــــي بجميع جوانبها حتــــــى في المعـــــارك كانت تذهب معه، وهذا لا شك يعطينــــا دلالات تعليمية مهمـــــة لبنـــــاء نظامنـــا التعليمي.
القاعدة الأسرية القوية والناجحة هي من أهم أسباب نجاح القادة:
من المعلوم في علومنا الإدارية الحديثة أن القائد الذي لا يستطيع أن يدير أسرته ولديه قاعدة أسرية قوية وفاعلة فأسس تحقيق النجاح أمامه ضئيلة جدا، وهناك مثل شائع يقول «وراء كل رجل عظيم امرأة «وبتعبير آخر وراء كل رجل عظيم أسرة ناجحة، وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم مع عائشه رضوان الله عليها كانت توحي بالأسرة الناجحة من جميع النواحي فالحب بينهم كبير حتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصرح به للرجال وفي المجتمع الإسلامي، وأيضا العناية بالزوجة متى ما فرغ من أعماله، فقد روى البخاري: «أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان بالليل سار مع عائشة يتحدث»، وهكذا فالبناء الأسري سبب نجاح القادة والمجتمع.
الإدارة بالقدوة
لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يكتفي بالقول والحديث وإنما كان يدير أصحابه بالقدوة، وهذا شيء أساسي في النجاح وهذا ما كان يعلمه زوجته في إدارة أسرتها ومفاهيم الحياة والإدارة والاقتصاد، فعن عائشة رضوان الله عليها «أنهم ذبحوا شاة فتصدقوا بها سوى كتفها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بقي كلها وذهب كتفها» رواه البخاري، وهنا يعلم الرسول صلى الله عليه وسلم زوجته وأمته أن البناء الاقتصادي والمجتمعي للدولة لا يكون إلا من خلال المساهمة المجتمعية والإنفاق ودور القائد يكون هنا أكثر لإظهار القدوة للآخرين، فكانت عائشة تظن أن جميع الشاة ذهبت فيما عدا الكتف، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم وضح لها أن الذي بقي الشاة فيما عدا الكتف لأن بقية الشاة ذهبت للمحتاجين وأيضا مكتوبة عند رب العالمين، وهذا ما نسميه الإدارة بالقدوة.
مهارات الاتصال الفعال
من مهارات القائد والإداري الذي يريد أن يحقق أهدافه أن تكون لديه مهارات فاعلة في الاتصال، وهذا ما كان لدى أفضل الخلق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وبما أوحى الله إليه وبما يتمتع به من صفات فطرية خلقها الله به، وكان يعلم زوجته الحبيبة أمنا رضي الله عنها هذه المهارات لأنه كان يعدها لنقل العلم الشرعي وتعليم المسلمين بعد ذلك، ففي الحديث عن عائشة رضوان الله عليها «أن رجلا استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رآه قال: بئس أخو العشيرة، وبئس ابن العشيرة، فلما جلس تطلق النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه وانبسط إليه، فلما انطلق الرجل قالت عائشه: يا رسول الله حين رأيت الرجل قلت له كذا وكذا، ثم تطلقت في وجهه وانبسطت إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عائشه متى عهدتني فحاشا؟ ان شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره» رواة البخـــــاري ومسلم، ويقول العلماء أن هـــــذا الحديث من جوامع الأدب وإصلاح وركائـــــز التربية وشروط الدعوة الصالحـــــة، وقال فيه الإمام الخطابي رحمه الله «جمع هذا الحديث علما وأدبا»، وفي حديث آخر قالت عائشه رضي الله عنها: دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود، فقالوا: السام عليك يا أبا القاسم، فقالت عائشة: وعليكم الســــــام (وفي رواية عليكم السام والذام واللعنــــة)، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عائشـــــة إن الله لا يحب الفحش ولا التفحـــــش، فقلت: ألا تسمعهم يقولون الســـــام عليكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو مـــــا سمعت أقول وعليكم، فأنزل الله (وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به اللـــــه) تفسير ابن كثير، رواه البخاري، وهـــــذا يدل على حسن مهارات اتصال النبــــي صلى الله عليه وسلم حتى مع أعدائه لأنه صاحــــب دعوه وفكر وتربية ومفاهيم عقائديــــة يريد أن يوصلها للآخرين حتى ولو لــــم يحسنوا إليه القول، وهو قدوة كقائـــــد ويريد صلى الله عليه وسلم أن يوصل مثل هذه المفاهيــــم من خلال زوجته أمنا عائشة رضــــوان الله عليها إلى جميع الخلق.
(يتبع غدا)
تعليقات