جولة بين الشخير الجماعي للموظفين في وزارة الشئون في نهار رمضان يرويها لنا حسين الراوي
زاوية الكتابكتب سبتمبر 3, 2010, 1:49 ص 1161 مشاهدات 0
حسين الراوي / أبعاد السطور / شخير الموظفين الجماعي
حسين الراوي
في رمضان أين ما تسوقك الأقدار في الفترة الصباحية لأي مراجعة حكومية، ستجد أن ذلك المكان الحكومي أصبح خاوياً على عروشه، وكأنه حل به بلاءٌ عظيم، وسكنته بعد أهله الأشباح والأرواح الشريرة! في الأسبوع المنصرم، كانت لي مراجعة في مجمع الوزارات وبالتحديد في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، فكنت أسير في ممرات وردهات الوزارة وكان الهدوء العميق ضارباً أطنابه في كل أرجائها، كما يضرب الموت هدوءه وسكينته على كامل الجسد! كان عدد الموظفين الموجودين على مكاتبهم قليل جداً في رمضان، أذكر أني دخلت أحد المكاتب الكبيرة فلم أجد فيها إلا موظفة واحدة قصيرة، غاطسة بين دفاتر الصادر والوارد العملاقة ومنظرها يكسر الخاطر! وفي إحدى المرات أخذت أبحث عن أحد الموظفين لإنهاء إجراءات معاملتي، فلما دخلت عليه وجدته مفترشاً كلتا يديه على الطاولة وواضعاً خده العريض عليهما، وكان حينها تصدر منه سيمفونية عجيبة غريبة وهو نائم! كان يشخر شخيراً ذكرني بصوت إطارات السيارات عندما يتم ترقيعها عند البنشرجي! والمصيبة أن فم الموظف كان يسيل منه مادة لامعة تلوّع الجبد! فلما أيقظته من النوم بعد جهد جهيد مددت له أوراق معاملتي، فأخذ يمعك عيناه بشدة ويتثاءب ويتمغط وله خوار كخوار الثور، ثم قال لي بصوت سايح: نعم، شنو تبي، ليش هذا الإزعاج، فيه أحد يجي يراجع برمضان؟ ولأني مُسالم جداً ولا أحب العُنف، ولأنه ضخم البنية وشكله شراني وجائع، قلت له: أنا آسف يا طويل العمر على إزعاجك، نام نام ما عليك مِني، أصلاً أنا ما عندي سالفة من الأساس، نام يا حبيبي نام وربي لو بسيارتي كنبل كان جبته ولحفتك فيه، وحكيت لك بعد حزاية ليلى والذيب!
وبعد يومين اتجه خط سير معاملتي نحو الشؤون القانونية في وزارة الشؤون، وهناك الكسل كله، هناك فقط يتجلى معنى النوم، هناك فقط يسجل النوم والكسل والغياب أروع انتصاراته الساحقة، فالبريد هناك لا يتم توقيعه أول بأول، بل يتم تجميعه لمدة يومين أو ثلاثة أو أكثر فيتم التوقيع عليه دفعة واحدة وبالكود بعد، والزين عندنا والشين حوالينا! في الشؤون القانونية للأسف يتم تعطيل المعاملات بشكل مستمر، دون النظر لأهميتها عند أصحابها، وبدل أن تأخذ المعاملة وقتها الطبيعي في السير، تأخذ مدة مضاعفة، ودبل عند الشؤون القانونية.
لكن الحق يقال، فمكتب وكيل الوزارة السيد محمد الكندري وبقية المكاتب التابعة له دائماً في حركة نشطة واستعداد جميل وتأهب لاستقبال أي مراجع، وإنهاء معاملته بشكل سريع وفوري بحسن تعامل ووضوح، من دون أن تسمع شخير أو أن ترى ماده لامعة، أو تجميع للمعاملات بالكود ومن ثم توقيعها بأثر رجعي دون الاهتمام والالتفات لحقوق المراجعين.
نحن الكويتيين بعضنا فاهم الدوام في رمضان غلط... يظن بعضنا أن الدوام في رمضان يعنيا غيابا وكسلا ونوما في المكاتب وعدم احترام للنفس وللمراجعين! على الأقل أي مسؤول كبير أو أي موظف بسيط في أي وزارة حكومية إذا رأى أن العمل يرهقه في نهار رمضان ولا يستطيع أن يتم واجبه على أتم وجه، فهذا ينام في بيتهم أحسن، ويفك المراجعين من شره وكسله وربادته، وعشان بعد ما تصير ممرات الوزارات عبارة عن نشيد جماعي لشخير الموظفين في نهار رمضان!
حسين الراوي
تعليقات