د.عبدالنبي العطار يشيد بإسهامات الفرس في مناحي الثقافة العربية، ويدرج مسلسل كريمو تحت باب تلاقح الحضارات
زاوية الكتابكتب سبتمبر 1, 2010, 11:50 م 1214 مشاهدات 0
الفرس والثقافة العربية
كتب عبدالنبي العطار :
لست متأكدا من سبب قلق بعض السادة المحترمين من عرض مسلسل تلفزيوني لمجرد احتوائه على حوارات باللغة الفارسية، ولكن، قطعا، أكثر ما شد انتباهي هو اعتبار هذا المسلسل اختراقا فارسيا للثقافة العربية؟! وشخصيا، لا اشاطر السادة المحترمين هذا القلق، والسبب هو ان تلاقح الحضارات وتأثير بعضها على بعض ظاهرة مستمرة ومتواترة عبر التاريخ شملت جميع أمم الدنيا ولا تكاد تجد حضارة سادت أو بادت الا وقد شملتها هذه الظاهرة. وثقافتنا العربية التي هي جزء من ثقافة الاسلام ليست استثناء، فكما كان للثقافة العربية بصمتها الواضحة على مجمل الثقافة الفارسية بعد دخول الاسلام، كان من الطبيعي ان يكون للفرس اسهاماتهم في مجمل مناحي الثقافة العربية كونهم باتوا جزءا من تركيبة الدولة الاسلامية، ولعل ما يميز الفرس هو العقلية العلمية المنظمة التي أشاد بها رسول الله، صلى الله عليه وآله، بقوله «لو كان العلم في الثريا لناله رجال من فارس»، هذه العقلية التي ترجمت نفسها في شخصيات حملت على عاتقها حماية وتطوير علوم اللغة العربية احساسا منها بالمسؤولية تجاه الاسلام، فمن الصحابي الجليل سلمان الفارسي ودوره المشهود في نقل الحديث عن النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، الى الخليل بن احمد الفراهيدي مؤسس علم العروض الى سيبويه عمرو بن عثمان واضع قواعد النحو، الى الامام البخاري صاحب الصحيح الشهير، الى الفيروز ابادي محمد بن يعقوب صاحب القاموس المحيط في اللغة العربية، الى الإمام ابوحنيفة الدينوري مؤسس المذهب الحنفي، الى الجوزجاني، الى البيهقي، وغيرهم العشرات ممن تمتد جذورهم الى فارس ثم صاروا بفكرهم وعطاءاتهم مكونا من مكونات الثقافة العربية والاسلامية، ومع تطور الدولة الاسلامية وانتقالها من وضع الدولة القبيلة الى الدولة «النظام»، ونتيجة لتلاقح الأفكار والثقافات والهويات ضمن اطار الدولة، صار المكون الفارسي جزءا من ثقافة الدولة، بل خلال عصور متأخرة، خصوصا في الصالونات «الراقية» في كثير من اصقاع الدولة الاسلامية (من الصين الاسلامية الى قصور الهند وصولا الى تركيا)، أصبحت اللغة الفارسية وتعابيرها الأدبية وسيلة للتواصل الفكري واحيانا للتباهي الثقافي، بل وفي بلاد العرب كانت الفارسية تعتبر اضافة ايجابية الى جانب العربية يتداولها أهل العلم وأهل التصوف والعرفان من دون أي غضاضة، وهو أمر سجله كثير من أدباء العرب في مدوناتهم ونتاجاتهم (انظر المستطرف في كل فن مستظرف للابشيهي وانظر ملحمة الحرافيش لنجيب محفوظ). والآن هل يصح ونحن في زمن باتت التعابير الاجنبية في كل الحضارات والثقافات في شرق العالم وغربه مكونا يعتز به اهل كل لسان ولغة، وصار التلاقح الثقافي سمة الشعوب المتحضرة المنفتحة على العالم، أقول في عصر مثل عصرنا هذا هل يعقل ان نحارب لغة حية مثل الفارسية تمثل جذورا ثقافية لما يقارب نصف الكويتيين (بكل طوائفهم) والذين باتوا يشكلون جزءا لا يتجزأ من كويت الدولة (لا كويت الفريج) ولأسباب قد يظن البعض (وليس كل الظن اثما) ان التعصب الأعمى والعنصرية البغيضة هما المحرك الأساس لها؟
ملاحظة: للتوضيح فقط كاتب هذه السطور عربي الأصل من منطقة الاحساء ولا يفقه من الفارسية الا اللمم.
د. عبدالنبي العطار
تعليقات