د. مبارك الذروة يطالب بتشكيل مجلس للإفتاء، ومفت عام للدولة، حتى لا ندع مجالاً للخلافات الفقهية تلبس على العامة أمر دينها

زاوية الكتاب

كتب 923 مشاهدات 0


الفتوى... والرأي العام

حسناً فعلت المملكة العربية السعودية الشقيقة في تخصيص الفتوى وجعلها في اللجنة العامة للإفتاء. فتقييد الفتوى بهذه الصورة قد يكون فيه خير كثير لا سيما بعد الإفلات الفكري والفقهي الذي تموج به الفضائيات وتتسابق لإبرازه.
نحن نصحب يومياً في حياتنا، ودواويننا، ومكاتبنا، وعند أصدقائنا، كثيراً من آراء وفتاوى وأفكار صدرت من علماء ومشايخ، وكثيراً ما كانت غير ناضجة، وربما كانت متناقضة أيضاً. والناظر إلى أدبيات الفقه الإسلامي يجد العديد من الآراء والفتاوى التي لا تراعي المقاصد العامة للشريعة، وهي بعد ذلك تمثل شذوذاً عن القواعد الفقهية وأصولها.
وقديما قالوا ما كل ما يعرف يقال. وفي الحديث «ما أنت محدث قوماً بحديث لا تدركه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة».
ندرك حقيقة الخلاف الفقهي ونعرف أسبابه ونقدر ظروفه، فكل مجتمع تختلف طبيعة أحواله في حال السلم عن حال الحرب، فضلاً عن اختلاف كل مجتمع عن الآخر أصلاً. والفتوى كذلك تختلف باختلاف الزمان والمكان.
فهذا الشافعي الفقيه المعروف يفتي في الحجاز بعدم جواز الخلوة بالأجنبية إلا المرأة العجوز لأنها غير مشتهاة، وفي مصر أفتى بعدم جواز الخلوة مطلقاً حتى بالمسنة العجوز!
وكان له مذهبان قديم وجديد. ففتاوى الغناء والاختلاط والرضاعة وغيرها قد أثارت البلبلة والفوضى وزعزعة الثقة بمقام الفتوى عند العامة، وقد كان بعض الأئمة يتركون بعض ما يعتقدونه من الفقه مراعاة للجو العام.
وقد كان الإمام مالك بن انس يتورع من الفتوى ويقول ما أفتيت حتى شهد لي سبعون من علماء الاسلام فقيل له لو لم يشهدوا لك. قال: ما افتيت!
هناك عشرات المشايخ والدعاة الذين تصدروا للفتوى كل على مذهبه الذي يؤمن به، والمطلوب من المشايخ والدعاة أن يتصدروا للدعوة والإرشاد والتوجيه الديني وتذكير الناس وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر دون أن يخلطوا ذلك بالإفتاء.
ومجلس الوزراء معني في أن يكون هناك مفتٍ رسمي، ومجلس إفتاء يصدر الفتاوى الرسمية مذيلاً بأسماء الأعضاء. لماذا لا توقف وزارة الأوقاف العبث الحاصل ممن يعتلون المنابر ويخوضون بفتاوى وآراء فقهية حادة ومتشددة، ولماذا لا تحاسب أولئك الذين يتعجلون الفتاوى خصوصاً المتعلقة بالنوازل والمستجدات والمتغيرات اليومية الحديثة، نريد أن نعرف ما هي شروط الإفتاء، فمن هو المفتي وما هي صفاته؟
هنا الحل... تشكيل مجلس للإفتاء، ومفت عام للدولة، حتى لا ندع مجالاً للخلافات الفقهية تلبس على العامة أمر دينها، فقد جمع عمر بن الخطاب الناس على صلاة التراويح باثنين وعشرين ركعة إلى يومنا هذا، كما جمع عثمان الناس على مصحف واحد حتى لا يختلف أهل الثغور. وفي القواعد دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح.


د.مبارك الذروة

الراي

تعليقات

اكتب تعليقك