فؤاد الهاشم يروي ذكرياته مع غازي القصيبي

زاوية الكتاب

كتب 1989 مشاهدات 0


 



«غازي القصيبي».. الرجل – الرصاصة!!

 
كتب فؤاد الهاشم
 
2010/08/21    07:11 م

 
.. كانت مفاجأة محزنة لم أملك أمامها إلا القول.. «إنا لله وإنا إليه راجعون»، بعد أن رحل السفير والشاعر والأديب والوزير والإنسان – قبل كل ذلك - «غازي القصيبي»! تناولنا طعام الغداء – أو العشاء – معاً لثلاث أو أربع مرات خلال السنوات العشرين الماضية، لكننا تبادلنا العشرات من المكالمات الهاتفية كان يبدأها وعلى الدوام – بصيحة معتادة منه.. «فؤاد الهاشم.. أهذا أنت»؟! في عام 1998 – على ما أذكر – كان الضيف الرئيسي – كعادته – في أمسية جميلة أقامتها «مؤسسة الكويت للتقدم العلمي» داخل مقرها في منطقة «شرق»، وكان الحديث – وقتها – عن روايته الجديدة «شقة الحرية»!! الصالة كانت في غالبيتها تمتلئ بالنساء، وقد سبق أن قلت له – ذات يوم – إنه «نزار قباني – الخليج»، فضحك – رحمه الله – كثيراً وقال.. «أحذرك – يا فؤاد الهاشم – من كتابة هذا التشبيه عني في جريدتك حتى لا تغضب أم العيال»! كنت جالساً في الصف الرابع أو الخامس – وهي إحدى «عاداتي وتقاليدي» العريقة – لكي أستطيع الانسحاب من أي ندوة بهدوء وبدون إثارة انتباه أحد عندما يكون دم الضيف المتحدث أثقل من طائرة «جامبو» - لكن الراحل الدكتور «القصيبي» كان من النوع الذي يدقك بـ«مسمار» فوق مقعدك – حتى لو كنت جالساً في الصف العاشر – ويجبرك بأسلوبه ورشاقة كلماته وبشاشته على متابعته حتى.. النهاية!! إحدى بطلات روايته «شقة الحرية» كانت.. كويتية حملت – بالطبع – اسماً مستعاراً، فوجهت إليه سؤالاً – عبر الميكروفون المثبت على مقعدي – قائلاً له.. «أريد أن أعرف اسمها الحقيقي.. دكتور غازي»! ارتفعت أصوات الضحكات النسائية في القاعة مع تصفيق حاد، فعرفت – وعرف الدكتور «غازي» أيضاً – أنها ليست رغبتي «الرجالية» فقط، بل رغبة كل امرأة حضرت تلك الأمسية، و.. بقية الرجال الموجودين بالطبع! الإضاءة كانت مسلطة على المسرح حيث جلس الراحل مع «عريف الحفل» مما يعني صعوبة أن يرى وجوه الحضور – ومنهم أنا – لكنه بحركاته الذكية – وخفة الدم المعتادة منه – رفع يده اليمنى ووضعها فوق عينيه مباشرة – كمن ينظر باتجاه الشمس – ثم لمحني – بعد أن أشار عدد من حضور الصف الأمامي بأياديهم تجاهي – وقال «فؤاد الهاشم.. أهذا أنت»؟! فلما رفعت له يدي – محيياً – أجاب بقوله.. «تعال الى لندن ولنتناول طعام الغداء معاً، ثم أخبرك عن.. اسمها الحقيقي»!! كان الراحل الكبير – وقتها – سفيراً لخادم الحرمين الشريفين في بريطانيا، وما إن أتم جملته هذه حتى التفتت ناحيتي العديد من السيدات – والآنسات – وقلن – في صوت واحد «لازم تعلمنا باسمها بعدما يقولك.. عنه»!! بعد هذه الأمسية بحوالي ستة أو سبعة أشهر كان عام 1998 قد رحل الى بطن التاريخ وجاء عام 1999 الذي صدر فيه حكم قضائي ضدي بالسجن لمدة ثلاثة أشهر – مع النفاذ – بسبب مقال صحافي فنصحني مسؤول أمني كبير بالسفر قائلاً.. «قب.. أحسن لك»، - وهي كلمة بالعامية الكويتية لغير الناطقين بها تعني.. «اهرب» - فكانت مغادرتي الى لندن للبقاء لمدة أسبوعين او ثلاثة حتى يتم استئناف الحكم بعد أن طلب المحامون استبداله – أو وقف تنفيذه – بالغرامة أو الكفالة.. الى آخره!! بعد يوم واحد من وصولي، اتصلت بالسفارة السعودية للحديث مع سعادة السفير وترتيب اللقاء ودعوة الغداء و«كشف الاسم الحقيقي لبطلة روايته»، كان خارج لندن، فتركت اسمي واسم الفندق ورقم غرفتي و.. ارتكبت خطأ غبياً لا يفترض أن يقع به صحافي معتق مثلي حين تدفقت الاتصالات الهاتفية على مقر إقامتي من زملاء المهنة في بريطانيا ومواطنين كويتيين وحتى عناصر من المعارضة العراقية – في ذلك الوقت – بعد أن تسرب خبر صدور الحكم بالحبس و«الهروب الكبير» من الكويت الى المملكة المتحدة، فكان أن طلبت من مكتب الاستقبال في ذلك الفندق الضخم المطل على حديقة «هايد – بارك» أن يمنع تحويل كل المكالمات!! قضيت في لندن اسبوعاً كاملاً ثم غادرتها الى القاهرة لأسبوع آخر قبل العودة الى الكويت بعد سقوط حكم الحبس، لأتفاجأ بصوت الدكتور «القصيبي» وهو يقول – كعادته - «فؤاد الهاشم.. أهذا أنت؟ أين كنت؟! ولماذا منعت تحويل المكالمات الى غرفتك في لندن»؟! ثم علق على ذلك بقوله.. «المتزوجون – فقط – هم الذين يخفون أخبار سفرهم الى عاصمة الضباب عن زوجاتهم، وحسب علمي، فأنت – حالياً – أعزب، فلماذا التخفي.. إذن»؟! و.. اتفقنا على موعد آخر للغداء والبوح باسم بطلته.. لكنه رحل عن عالمنا – قبل أيام – ولم يتم اللقاء طيلة السنوات العشر الماضية التي مرقت.. كالرصاص!! كان المرحوم – بإذنه تعالى – الدكتور «غازي القصيبي» رصاصة ثقافية وشعرية وأدبية وسياسية واجتماعية وإدارية «انطلقت – بسرعتها المعروفة – باتجاه جبين «التخلف» وبين عيون «الأصنام الجدد»، ولولا أنها اصطدمت بتلك العقول المتحجرة والأدمغة المتجلطة واخترقتها تباعاً مما خفف من انطلاقتها وعنفوانها، لكان تأثير هذا الرجل وفكره المستنير مائة ضعف من إرثه الحالي الذي تركه.. لبلده وشعبه وعشيرته الخليجية.. جمعاء! رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته، و«إنا لله وإنا إليه راجعون».
???
.. ما حدث في باكستان من دمار إنما هو.. «عقاب من الباري عز وجل لهم ولما فعلوا ويفعلون»!! أليس هذا ما قاله المطاوعة والملالي عن الكويت والكويتيين في الثاني من آب 1990؟! أم أن «سوء العاقبة» لنا، وظاهرة «التغيير المناخي».. لغيرنا؟!!

فؤاد الهاشم
 

الوطن

تعليقات

اكتب تعليقك