رغم دموع الموظف العراقي، ذعار الرشيدي يصر على تسمية 'الاحتلال العراقي' وليس 'الاحتلال الصدامي' لأن التاريخ يوثق الوقائع والحقائق ولا يوثق العواطف

زاوية الكتاب

كتب 1244 مشاهدات 0


دموع عراقي ليلة الغزو

ذعار الرشيدي


لكل شخص ذكرياته الخاصة عن الاحتلال العراقي الغاشم، وكل شخص يمتلك حكايته عن الغزو من واقع تجربته الشخصية، وما لا أنساه في ذلك اليوم عدا كونه حدثا لا ينسى هي رؤيتي لدموع موظف عراقي التقيت به في مصفاة الشعيبة والتي كنت أعمل موظفا فيها، ورغم اجتياح القوات العراقية إلا أنني وجمع كبير من مشغلي وموظفي مصفاة الشعيبة توجهنا وبدوافع وطنية خالصة للعمل في يوم مثل هذا، وأتذكر أن والدي ساعتها قال لي: «لديك عمل يجب أن تؤديه»، كان هو من شجعني على ألا أترك مركزي في مثل هذا اليوم حتى ولو كنت موظفا صغيرا، والدي المتقاعد بدوره توجه مع خالي رحمه الله إلى مخفر المنطقة وقاما بتسجيل اسميهما للتطوع، لم يكن والدي ولا خالي وحدهما هما الوطنيين في تلك اللحظة فعلى الرغم من الصدمة إلا أن ما كشفته الوثائق التي خرجت بعد التحرير أن كثيرا من الكويتيين استطاعوا تجاوز صدمة الاجتياح خلال ساعات وقاموا بتسجيل أسمائهم في المخافر دون تأخير خاصة المجندين والعسكريين المتقاعدين.
دخلت بوابة مصفاة الشعيبة في الساعة الثانية ظهرا، كنت لاأزال متدربا وأذكر أن زميلي المتدرب محمد العجمي حضر معي، وكانت القوات العراقية لم تصل بعد إلى الشعيبة، واجتمع مسؤولو المصفاة مع من حضر من الموظفين وقرروا أن يكون العمل 24 ساعة نظرا للظرف القاهر، يومها لا أذكر أن أحدا من المسؤولين أو الموظفين تأفف أو حتى تراخى، وذهب كل منهم إلى موقعه، في تلك الليلة كنت أعمل في وحدة النفط الخام، وما لا أنساه ما حييت هو حضور فني اتصالات عراقي من موظفي شركة البترول لإصلاح خط هاتف الوحدة في الساعة الثامنة ليلا، وكان الحزن يملأ وجهه، لا أتذكر بماذا شعرت يومها، لم أحادثه بل إن أحدا من الزملاء لم يسأله عن اجتياح القوات العراقية للكويت، لم أعرف سبب حزنه فهو ابن بلد لتوه اجتاح بلدي، لا أخفي أبدا أنني كرهته لحظتها وكرهت كل ما كان يمثله، لحظتها بالطبع لم نكن بعد نعرف إلى أي حد وصل الاجتياح العراقي، ومع عاصفة الكراهية التي كانت بداخلي التفت إلي والى الزملاء بعد أن أنهى عمله قائلا: «أنا آسف» وقد اغرورقت عيناه بدمعة كادت أن تسقط، بل أجزم أنها سقطت وهو يغلق الباب مغادرا مكتبنا.

لا أنا ولا أي من الزملاء علق على سبب اعتذار الفني العراقي، ولكن أحد الزملاء من القدامى قال لي: «هذا الفني العراقي يعمل في شركة البترول وفي مصفاة الشعيبة تحديدا منذ العام 1970».

يومها نام الجميع في مهاجع الشركة استعدادا ليوم آخر لتبقى المصفاة تعمل كما كان مخططا، إلا أن القوات العراقية دخلت الشعيبة في الساعة الخامسة فجرا، وسيطرت على كامل المصفاة، وقاموا بنقل الموظفين الكويتيين فقط دون غيرهم إلى خارج المصفاة وأبقوا الوافدين فقط بعد أن طلبوا منا أن نقوم بإيقاف الإنتاج قبل إخراجنا في حافلات الى خارج المصفاة، وعدنا إلى منازلنا. مازلت وعلى الرغم من مرور 20 عاما على الاحتلال أتذكر دمعة الفني العراقي وأتساءل هل كان يبكي حاله؟ أم كان يبكي حالنا؟ أم يبكي حال الجميع؟

رغم كل شيء أرفض تماما أن نسمي ما تعرضنا له بـ «الاحتلال الصدامي»، بل هو احتلال عراقي، فلا أذكر أن أيا من كتب التاريخ المحترمة والتي وثقت للحرب العالمية الثانية أنها سمت «الاحتلال الألماني» لدول أوروبا بـ«الاحتلال الهتلري» بل باسمه المنطقي «الألماني»، هذه التسمية لم تقلل من شأن الألمان، وللتاريخ وإن كنا نريد أن نكون منطقيين فما تعرضنا له يوم 2 أغسطس 1990 هو احتلال عراقي وليس صداميا، لأننا وبنسبته إلى صدام نكون قد تعاملنا مع واقعة تاريخية بعاطفة، والتاريخ يوثق الوقائع والحقائق ولا يوثق العواطف، فالتاريخ ليس مذكرات مراهقة تتحدث عن حبيبها، بل سرد واقعي سواء أعجبنا أو لم يعجبنا.

 

الأنباء

تعليقات

اكتب تعليقك