مؤكدا أن هذا البلد عرق من الدم المتفجر..د.عبدالله سهر يحدد أربعة أبعاد تحكم علاقة العراق بالكويت

زاوية الكتاب

كتب 1060 مشاهدات 0





من أي بعد نتعامل مع العراق!

 
كتب د. عبدالله يوسف سهر

 
أنا
التصعيد الإعلامي الذي أعقب التصريح المنسوب لقيس العزاوي سفير العراق في جامعة الدول العربية لم يكن الأول ولن يكون الأخير، حيث ارتبطت العلاقات السياسية بين الكويت والعراق بأبعاد كثيرة ومعقدة تندرج على مستويات سياسية وشعبية متعددة، ما يجعلها في غاية الحساسية، الأمر الذي يؤدي الى مثل ردود الأفعال التي نشهدها وستستمر معنا لفترة طويلة. بالنسبة للعراقيين فإن الأبعاد التي ينطلقون منها تجاه الكويت تنطلق من زوايا متباينة مثل ما يسمى بالبعد التاريخي الذي يصور بأن الكويت جزء من العراق، وبعد آخر اقتصادي ينطلق من نظرية الاستفادة من الكويت اقتصاديا قدر الإمكان، وبعد ثالث «فئوي – طائفي - قبلي» يرى الكويت من حيث هوية الكويتيين، وبعد رابع سياسي يرى الكويت من حيث ما تقدمه سياسيا...وهكذا. ولكل من هذه الأبعاد مستويات متعددة تتراوح ما بين القواعد الشعبية ثم الجماعات الحزبية والفئوية الى النخب السياسية الحاكمة. وفهم تلك الأبعاد والمستويات التي تنطلق ستجعلنا أكثر فهما للتصريحات والسلوكيات التي تنتج من العراق تجاه الكويت وهو أمر في غاية الأهمية للتعامل مع تلك الأفعال أو الأقوال بشكل أكثر دقة واتساق مع المصالح الكويتية العليا. في الكويت أيضا ردود الأفعال أو المناظير التي يرى بها الكويتيون العراق متباينة الأبعاد ومتعددة المستويات ما يتعين إدراكها ايضا لكي نعرف أسباب تفاعلها بالأشكال التي توجد على الساحة. في الكويت هناك بعد استراتيجي يتعامل مع العراق وفقا للعبة المصالح التي تفرزها غالبا التفاعلات الإقليمية التي تمس قاعدة توازن القوى الإقليمي وهو منظور واقعي متحرك لا يرتبط بهوية من يحكم العراق أو أي مصالح أو رؤى فئوية. في الكويت أيضا بعد فئوي طائفي يرى العراق من حيث من يحكمه ومن ذلك ينطلق في أحكامه ومنطلقاته تجاه العراق وهو منظور خطير جداً حيث لا يتعامل مع المصالح السياسية الاستراتيجية والأمنية إلا من خلال زاوية ضيقة جدا لكنها خطيرة الولوج. في الكويت هناك من يرى العراق من حيث بعده الاقتصادي حيث يرى العراق من زاوية تخصصية نفعية يمكن أن تنفذ منها علاقات حسن جوار متأسسة على الخيار العقلاني الذي يمهد لعلاقات اعتماد متبادل تؤمن للدولتين مستقبلا مستقرا بعيداً عن الهواجس الأمنية أو الأطماع التوسعية. طبعا في الكويت كما هو في العراق الجميع يبرر منظوره على أساس المصلحة الوطنية، لكن بأشكال متعددة لفهم تلك المصلحة وفقا للبعد الذي ينطلق منه والمستوى الذي يسكن به. وبطبيعة الحال فإن ردود الأفعال في الكويت التي نتجت جراء التصريح الذي نفاه العزاوي والخارجية العراقية لا تبتعد كثيرا عن المستويات التي تم استعراضها. وهكذا فإن المدافعين عن تصريح العزاوي في العراق على الرغم من انهم لم يسمعوا به لربما نتجت من ردود الأفعال الكويتية فحسب ما يفسر ايضا التصاق تلك الدفوعات بنوعية الأبعاد والمستويات التي تنطلق منها.وبغض النظر عن نفي السفير والخارجية العراقية للتصريح المذكور، سيبقى في العراق الكثير من الأفراد والجماعات في الحكومة وخارجها من ينطلق من أبعاده الخاصة تجاه الكويت ولن نستطيع أن نسكت أو نخفي هؤلاء، لكن ما يهمنا هو تضييق الفجوة بين الرؤية الاستراتيجة الكلية لمصالح الكويت العليا وبين الرؤية الفئوية والطائفية الضيقة التي ترى مصالح الكويت فقط من زاوية ضيقة جزئية.

مع
كيف ينطلق العراق سياسيا تجاه الكويت؟ الجواب على هذا السؤال مهم جدا لبسط استراتيجية متكاملة تؤمن للكويت مستقبلا أكثر استقرارا.هل السياسة العراقية تجاه الكويت منطلقة من عقلية الرجل الحاكم، أم من النخبة الحاكمة، أم من الاختلال في التوازنات الإقليمية، أم من التحولات الدولية؟ في الستينيات كان البعد الأكثر تأثيرا في التحرك العراقي تجاه الكويت ناتج عن الفراغ الذي تركته بريطانيا بعد استقلال الكويت، في السبعينيات كان المحرك العراقي تجاه الكويت مدفوعا من الحراك السياسي داخل النخبة الحاكمة، في التسعينيات كان المحرك خليطا بين عقلية صدام المقبور الدكتاتورية والاختلال في منظومة التوازن الإقليمي والتحول الدولي. فهم تلك الأبعاد وفك رموزها بغية التعامل معها وفق رؤية استراتيجية متكاملة لا يمكن ان تنطلق من عقليات محدودة الأجل لا ترى الأمور إلا بمقاييس فئوية طائفية بغيضة. وعليه فالحكمة الكويتية المعهودة في سياستها الخارجية هي المطلوبة.

ضد
العراق هو العراق، عرق من الدم المتفجر، هو بالضبط كما نشر في فهرس الكتاب الذي كتب عنه الزميل فؤاد الهاشم قبل أيام. العراق فيه أهل البادية وأهل المدينة، وفيه أهل السهول وأهل الجبال، وفيه العرب والأعاجم، وفيه التوزيعات الدينية والطائفية، وفيه الأحزاب السياسية التي يصعب حصرها، وفيه الفقير والغني. العراق هو ذلك الممر الصعب بين تخوم الترك والفرس والعرب وانعكاسات كل هؤلاء في ذلك المربع الوعر.العراق هو الدولة التي تحتوي كل ما سبق ما يجعلها غير مستقرة دموية متفاعلة لا يمكن ان تسكن باستقرار مع دول الجوار.وان سكن العراق لوهلة فانة كبركان يتفاعل في داخله ما يلبث ان ينفجر فيدمر ذاته والمحيط.انها ليست بنظرة شيفونية أو عنصرية بل هي نظرة تاريخية تحليلية تستسقي براهينها من مذابح الدم التي شهدها هذا البلد والتي دائما ما يدفع ثمنها الباهظ الطرف الأضعف، لذلك يتعين علينا ألا نكون بعد اليوم الأضعف في معادلة القوة والدم.

د.عبدالله يوسف سهر
 

الوطن

تعليقات

اكتب تعليقك