بسام الفهد يرد على الدويسان بسرد سيرة الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب المفترى عليه
زاوية الكتابكتب يوليو 2, 2010, 12:55 ص 3242 مشاهدات 0
الامام المجدد محمد بن عبدالوهاب «المفترى عليه» والرد على النائب فيصل الدويسان
كتب بسام الفهد
نشأ في بلدة «العيينة» في كنف ابيه عبدالوهاب بن سليمان بن علي بن مشرف التميمي النجدي القاضي فيها زمن عبدالله بن محمد بن حمدي بن عبدالله بن معمر – الذي قويت العيينة وتزخرفت في زمنه قبل انتقال عبدالوهاب منها الى «حريملا» كما سيأتي، فقرأ الشيخ على ابيه في الفقه، وكان في صغره كثير المطالعة في كتب التفسير والحديث وكلام العلماء في اصل الاسلام، فشرح الله صدره في معرفة التوحيد وتحقيقه، ومعرفة نواقضه المضلة عن طريقه، وكان الشرك اذ ذاك قد فشا في نجد وغيرها، وكثر الاعتقاد في الاشجار والاحجار والقبور، والبناء عليها، والتبرك بها، والنذر لها، والاستعاذة بالجن والذبح لهم، ووضع الطعام وجعله لهم في زوايا البيوت لشفاء مرضاهم ونفعهم، والحلف بغير الله، وغير ذلك من الشرك الاكبر والاصغر.
* والسبب الذي احدث ذلك في نجد – والله اعلم – ان الاعراب اذا نزلوا في البلدان وقت الثمار، جاء معهم رجال ونساء يتطببون ويعالجون، فاذا كان في احد من اهل البلد مرض، يأتي اهل هذا المريض لهؤلاء الذين ادعوا الطب والمعالجة من القادمين من البادية فيسألونهم عن دواء علته، فيقولون لهم: اذبحوا لهم في الموضع الفلاني كذا وكذا: اما خروفا بهيما اسود، واما تيسا اصمع، وذلك ليتحققوا انهم من اهل المعرفة عند هؤلاء الجهلة، ثم يقولون لهم لا تسموا الله على ذبحه، واعطوا المريض منه كذا وكذا، وكلوا منه كذا وكذا، واتركوا كذا وكذا، فربما يشفي الله المريض فتنة لهم واستدراجا، وربما يوافق وقت الشفاء حتى كثر ذلك في الناس وطال عليهم الامد، فوقعوا بهذا السبب في عظائم وليس في الناس من ينهاهم عن ذلك فيصدع بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر.. ورؤساء البلدان والامراء لا يعرفون الا ظلم الرعايا والجور، وقتال بعضهم بعضا.
* لما تحقق للامام محمد عبدالوهاب رحمه الله معرفة التوحيد، ومعرفة نواقضه، وما وقع فيه كثير من الناس في هذه البدع المضلة، صار ينكر هذه الاشياء واستحسن الناس ما يقول، لكن لم ينهوا عما فعل الجاهلون، ولم يزيلوا ما احدث المبتدعون.. فلما رأى انه لا يغني القول، ولم يتلق الرؤساء الحق بالقبول تجهز من «العيينة» الى حج بيت الله الحرام، فلما قضى حجه سار الى المدينة المنورة، فلما وصلها وجد فيها الشيخ العالم عبدالله بن ابراهيم بن سيف من آل سيف رؤساء بلد «المجمعة» القرية المعروفة في ناحية «سدير» من نجد، فاخذ الامام عنه، وعرفه الشيخ عبدالله بالعلامة محمد حياة السندي، فاقام عنده الامام واخذ عنه.
* فاقام في المدينة ما شاء الله، ثم خرج منها الى نجد، وتجهز من نجد الى البصرة يريد الشام، فلما وصل البصرة جلس يقرأ فيها عند عالم جليل من أهل المجموعة – قرية من قرى البصرة – في مدرسة فيها.
فاقام مدة يقرأ عليه فيها، وينكر من الشركيات والبدع، واعلن بالانكار، واستحسن شيخه قوله، وقرر له التوحيد، وانتفع به ثم تجمع اناس من رؤساء البصرة وغيرهم على الامام محمد عبدالوهاب، وآذوه اذى شديدا، واخرجوه منها وقت الهجيرة، ولحق شيخه منهم بعض الاذى.. فلما خرج من البصرة وتوسط الدرب فيما بينها وبين «الزبير» ادركه العطش واشرف على الهلاك، وكان ماشيا على رجليه حافيا، فلما اشرف على الهلاك، انقذه رجل من اهل «الزبير» يقال له ابوحميدان – كان يمر بالمكان فسقاه وحمله معه حتى وصل الزبير…
* بعد ذلك اراد الوصول الى الشام، فضاعت نفقته التي معه فانثنى عزمه لما اراد الله سبحانه وتعالى ان يمضي امره، ويعلي كلمته، ويجمع أهل نجد بعد تفرقهم على إمام واحد، ويزيل عنها شعائر الكفر والبدع…
* خرج الامام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله من الديار العراقية قاصدا الاحساء، فنزل علي الشيخ العالم عبدالله بن محمد بن عبداللطيف الشافعي الاحسائي.. ثم خرج من الاحساء الى (حريملا)، وذلك لان اباه عبدالوهاب قد انتقل اليها من (العُيينة) سنة 1139هـ بعد موت عبدالله بن معمر في الوباء المشهور الذي وقع في (العيينة) وافناها، فتولى بعده ابن ابنه محمد بن حمد الملقب (خرفاش)، فوقع بينه وبين عبدالوهاب منازعة، فعزله عن القضاء، فانتقل بعدها الى (حريملا).. فلما وصل اليها محمد بن عبدالوهاب جلس عند ابيه يقرأ عليه، وينكر ما يفعله الجهال من البدع والشرك في الاقوال والافعال، وكثر منه الانكار لذلك حتى وقع بينه وبين ابيه كلام، وبينه وبين اناس في البلد، فأقام على ذلك سنين حتى توفي ابوه سنة 1153هـ، ثم اعلن الدعوة والانكار والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتبعه ناس من اهل البلد، ومالوا معه، واشتهر بذلك…
* وكان رؤساء اهل (حريملا) قبيلتين من اصل واحد، وكل منهما يدعى القول له، وليس للبلد رئيس يزع الجميع، وكان في البلد عبيد لاحدى القبيلتين يقال لهم: الحميان، قد كثر تعديهم وفسقهم، فاراد الامام ان يمنعوا عن الفساد، وينفذ فيهم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهم العبيد ان يفتكوا بالامام ويقتلوه بالليل سرا فلما تسوروا عليه الجدار علم بهم الناس فصاحوا عليهم فهربوا…
بعدها رحل الامام الى (العيينة) ورئيسها يومئذ عثمان بن حمد بن معمر، فتلقاه بالقبول واكرمه، وتزوج فيها: الجوهرة بنت عبدالله بن معمر..
وعرض على عثمان بن معمر ما قام به ودعا اليه، وقال: ا ني ارجو ان انت قمت بنصر (لا إله الا الله) ان يظهر الله تعالى وتملك نجدا واعرابها. فساعده عثمان بن معمر على ذلك.. فأعلن بالدعوة الى الله والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتبعه اناس من اهل (العيينة)، وكان فيها اشجارا تعظم ويعلق عليها فبعث اليها من يقطعها سرا فقطعت، وفي البلد شجرة هي اعظمهن عندهم قطعها الامام بنفسه.. ثم صار امره الى ازدياد، فاجتمع معه نحو سبعين رجلا منهم من هو من رؤساء المعامرة…
* ثم اراد الامام ان يهدم القبة الموضوعة على قبر زيد بن الخطاب رضي الله عنه التي عند (الجبيلة) فقال لعثمان بن معمر: دعنا نهدم هذه القبة التي وضعت على الباطل، وضل بها الناس عن الهدى. فقال عثمان: دونكها فاهدمها. فقال محمد بن عبدالوهاب: لا استطيع هدمها الا وانت معي فقد ينصرها اهل (الجبيلة) ويقعوا بنا..
فسار معه عثمان بنحو ستمائة رجل، فلما قربوا منهم ظهر عليهم اهل (الجبيلة) يريدون منعهم، فتأهب عثمان ومن معه لحربهم، فلما رأى أهل (الجبيلة) ذلك كفوا عن الحرب وخلوا بينهم وبين تلك القبة، فأخذ محمد بن عبدالوهاب الفأس وهدمها بيده حتى ساواها ثم رجعوا.. فانتظر تلك الليلة جهال البدو وسفاؤهم ما قد يصيب الامام بسبب هدمها، فاصبح في أحسن حال..
* بعد ذلك اتت امرأة الى الامام واعترفت عنده بالزنى والاحصان، وتكرر منها الاقرار، فسأل عن عقلها، فاذا هي صحيحة العقل، وقال: لعلك مغصوبة، فأقرت واعترفت بما يوجب الرجم، فأمربها فرجمت، فعظم امره بعد ذلك، وفشا التوحيد والامر بالمعروف والنهي عن المنكر.
* لما صدر من الامام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله رجم المرأة التي اعترفت بالزنا اشتهر امره في الآفاق.. فبلغ خبره سليمان بن محمد بن غرير الحميدي قائد الاحساء والقطيف وما حوله من العربان، وقيل له: ان في بلد (العيينة) عالما فعل كذا وكذا، وقال: كذا وكذا، فأرسل سليمان هذا الى عثمان بن معمر تهديدا وكتابا قال فيه: ان هذا المطوع الذي عندك فعل وفعل، وامره ان يقتل الامام، وقال: ان لم تفعل قطعنا خراجك الذي عندها في الاحساء، وخراجه عندهم كثير قيلا انه اثنا شر مئة احمر، وما يتبعها من طعام وكسوة..
* فلما ورد الكتاب على ابن معمر ما وسعه مخالفته وخافه لانه لم يعلم قدر التوحيد وما لِمَتْ نَصَرَهُ وقامَ به من العز والتمكين في الدنيا والآخرة، فأرسل الى محمد بن عبدالوهاب وقال له: انه اتانا خط من سليمان قائد الاحساد وليس لنا طاقة بحربه ولا اغضابه. فأجابه الامام قائلا: ان هذا الذي انا قمت به ودعوت اليه كلمة «لا إله إلا الله» واركان الاسلام والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن انت تمسكت به ونصرته فان الله سبحانه وتعالى يظهرك على اعدائك فلا يزعجك سليمان ولا يفزعك، فاني ارجو ان ترى من الظهور والتمكين والغلبة ما ستملك بلاده وما وراءها وما دونها. فاستحيا عثمان واعرض عنه.
* تم مع ارجاف بطانة السوء والتخويف تعاظم في صدره امر صاحب الاحساء فباع الآجل بالعاجل – وذلك لعلم الله سبحانه ان نصر هذا الدين والظهور والغلبة والتمكين يكون على يد غيره – فأرسل الى الامام ثانيا، وقال: ان سليمان امرنا بقتلك، ولا نقدر على غضبه ولا مخالفة امره لأنه لا طاقة لنا بحربه، وليس من الشيم ان نؤذيك في بلدنا مع علمك وقرابتك، فشأنك ونفسك وخل لنا بلادنا. فسار الامام محمد عبدالوهاب رحمه الله الى (الدرعية) فوصلها وقت العصر قاصدا بيت محمد بن سويلم العريني، فلما دخل عليه ضاقت عليه داره وخاف على نفسه من محمد بن سعود…
* في مقالات قادمة ان شاء الله تعالى، سوف نكمل الحديث عن المفترى عليه شيخ الإسلام الامام المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمه الله وحكايته مع اسرة آل سعود امراء (الدرعية) ونكمل النقل مما قاله العلامة المحقق عثمان بن بشر رحمه الله في كتابه (عنوان المجد في تاريخ نجد)…
بسام الفهد
تعليقات