ليس من مصلحة الكويت الحديث عن زوالها الحتمي.. فيصل أبوصليب في قراءة في نظرية النفيسي
زاوية الكتابكتب يونيو 17, 2010, 7:47 ص 3232 مشاهدات 0
كلمات
قراءة في نظرية النفيسي
كتب د. فيصل أبوصليب
رغم تخرجي من الثانوية العامة بنسبة 90.3% في القسم العلمي وكنت ضمن الخمسين الأوائل الكويتيين على مستوى دولة الكويت، إلا أنني لم أدرس الطب أو الهندسة واتجهت لدراسة العلوم السياسية لحبي الكبير لهذا التخصص الذي تفوقت فيه وحصلت على شهادة البكالوريوس فيه بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف قبل أن أحصل على بعثة دراسية من جامعة الكويت للحصول على شهادتي الماجستير والدكتوراه في العلوم السياسية من جامعتي كاليفورنيا ومانشستر بتخصص السياسة الأميركية.
وخلال دراستي في جامعة الكويت في مرحلة البكالوريوس حاولت أكثر من مرة أن أسجل في مقرر فكر سياسي إسلامي عند واحد من أهم الأساتذة الذين مروا على قسم العلوم السياسية في جامعة الكويت، إلا أنه كان يعتذر في كل مرة عن التدريس بعد أن يدرج اسمه في الجدول الدراسي إلى أن اعتذر نهائيا وتقاعد من التدريس...إنه الدكتور عبدالله النفيسي أحد أهم المفكرين السياسيين الكويتيين. ورغم غيابه الطويل نوعا ما عن الساحة السياسية والإعلامية في الفترة الأخيرة إلا أنه ظهر قبل أيام بنظرية جديدة مثيرة للجدل تقوم بشكل أساسي على الاندماج الكلي بين دول الخليج الصغيرة بما فيها الكويت من جهة والجارة الكبرى المملكة السعودية من جهة أخرى وذلك لتحقيق هدف استراتيجي أساسي لهذه الدول وهو البقاء بناء على فرضية أساسية وهي الزوال الحتمي لهذه الدول الصغيرة “الرخوة” كما يسميها الدكتور النفيسي.
ولا نختلف مع الدكتور النفيسي حول فكرة تهديد البقاء لهذه الدول وهو ما حصل بالفعل للكويت في عام 1990 ولا نختلف أيضا بأن الهدف الأساسي لجميع الدول في النظام الدولي المعاصر وخصوصا الدول الصغيرة منها هو تحقيق البقاء وفقا لمنظري العلاقات الدولية وخصوصا الواقعيين منهم، وجميع هذه الدول تضع مجموعة من الخيارات الاستراتيجية لتحقيق الهدف الأساسي لها وهو ضمان البقاء خصوصا إذا كان وجودها معرضا لخطر وتهديد خارجي. فقد تلجأ هذه الدول إلى التحالفات العسكرية والسياسية مع قوى عظمى أو إلى محاولة بناء قدراتها العسكرية الذاتية أو إلى محاولة إضعاف جيرانها المباشرين سياسيا واقتصاديا وعسكريا لتحقيق نوع من التوازن أو إلى الاندماج الكلي مع دولة جارة كبرى تستطيع توفير الحماية والعمق الاستراتيجي لها.
والكويت كواحدة من الدول الصغرى أو المتناهية الصغر جغرافيا وديموغرافيا في النظام الدولي المعاصر تعيش واحدة من أكثر الحالات صعوبة وتعقيدا، حيث أنها تعيش في مثلث جغرافي شائك ومعقد بين ثلاث دول كبرى تفوقها من حيث العوامل الجغرافية والسكانية ونوعا ما العسكرية، وكانت الكويت ومازالت تعيش عقدة وهاجس البقاء كحال بقية الدول الصغرى في العالم ولكن وضع الكويت لا يعتبر جيدا قياسا مع الدول الصغرى التي تقع في أوروبا مثلاُ كون الكويت واقعة في منطقة جغرافية مضطربة ومتوترة سياسيا وعسكريا..ولكنها الجغرافيا لا تتغير. وإذا كانت الكويت بهذه الوضعية المعقدة فإنه يفترض بها أن تضع الخيارات الاستراتيجية التي تتعامل مع مشكلة بقائها.. والخيار الاستراتيجي الأمثل Rational Choice الذي يطرحه الدكتور النفيسي في نظريته هو الاندماج مع واحدة من “دول المثلث” وهي السعودية. ويبني النفيسي نظريته على أساس افتراض الزوال الحتمي للكويت، لذلك فالأفضل لها أن تختار طريقة الزوال ونوعه بدلا من أن يفرض عليها، وذلك بالاندماج مع دولة كبرى قريبة منها في التوجهات السياسية والثقافية والتاريخية وذلك لتحقيق التوازن الاستراتيجي ضد الخطر الحقيقي الذي يشكله النظام الإيراني الذي يمثل أحد أضلع «مثلث الرعب».
ولكن السؤال هنا هو هل فعلا يحقق الاندماج مع السعودية المصلحة الاستراتيجية للكويت ويمثل لها الخيار الاستراتيجي الأمثل لتحقيق الهدف الأساسي وهو ضمان البقاء ؟ من المنطقي جدا القول بأن مثل هذا الاندماج يحقق مصلحة استراتيجية للجارة الكبرى السعودية التي تحاول أن يكون لها نفوذ سياسي في المنطقة وتأثير على دول الخليج الصغيرة ولكن في المقابل فإنه ليس من مصلحة هذه الدول وخصوصا الكويت الدخول في مثل هذه التجربة. فإذا افترضنا جدلا تحقيق هذا الاندماج مع السعودية فماذا عن وضعية المواطنين الشيعة في هذه الدول وخصوصا في الكويت والبحرين؟ أليس من المحتمل جدا عدم تقبلهم لمثل هذا الانصهار المجتمعي والسياسي وخصوصا مع دولة تقوم على المذهب الديني السني الحنبلي ولا يعيش فيها الشيعة أوضاعا جيدة؟ وفي هذه الحالة سيكون من المنطقي جدا تحول بوصلة هؤلاء إلى الشرق نحو الدولة الجارة التي يقوم نظامها السياسي على أساس المذهب الديني الجعفري الإثني عشري ما سيشكل “كانتونات” مذهبية تغذيها إيران داخل هذا الدولة الاندماجية الجديدة ما سيؤدي إلى انقسامات جديدة فيها.
لذلك فإنه ليس من مصلحة الكويت الاستراتيجية الحديث عن زوالها الحتمي، فذلك يشيع حالة من الاحباط المجتمعي والسلبية وعدم الانتماء وتعزيز فكرة «الدولة المؤقتة» التي شاعت في الفترة التي أعقبت تحرير البلاد، ولكن يجب في المقابل تكريس فكرة دوام بقاء الدولة وتعزيز مفهوم المواطنة والانتماء الوطني. الخيار الاستراتيجي للكويت لا يكمن في اندماجها مع دولة كبيرة ولكن في تكريس فكرة خصوصيتها السياسية «الدستورية» وتأكيد شرعية حدودها الدولية المعترف بها من جميع جيرانها ومحاولة احياء الدور الدولي المؤثر الذي مارسته السياسة الخارجية الكويتية في الفترة التي سبقت الغزو ومحاولة اللعب على التوازنات في المنطقة من أجل تحقيق المصلحة الاستراتيجية العليا مع تأكيد أهمية البعد الاستراتيجي والجيوسياسي الذي توفره المملكة. هذه كانت مجرد قراءة أولية في نظرية الدكتور عبدالله النفيسي ونظرا لضيق مساحة العمود لم نتطرق فيها إلى زوايا أخرى في أطروحة الدكتور النفيسي ربما ستكون محل نقاش في دراسة مستقبلية مطولة.
أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت
تعليقات