'الصبر' حياة للقلوب ودواء للجروح

محليات وبرلمان

3796 مشاهدات 0


كل إنسان خلق بهذا الكون معرض للمصائب والشدائد والكروب، فهو اختبار من الله للعبد المؤمن ليقيس بها إيمانه، وعلى قدر الإيمان يبتلى المؤمن، فيقول سبحانه وتعالى بسورة آل عمران (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ) الآية 186. بهذه يتحقق الإيمان الكامل والإيمان شطران (صبر وشكر) ويتحقق للمؤمن الفوز بالجنة فالصبر آية من آيات الإيمان وحصن من ذرائع الشيطان، وقوة لكل إنسان ورحمة من الله للعباد، واعلم أخي المؤمن أن بالصبر فرجا وأن مع العسر يسرا ومع الكرب فرجا، واعلم بأن مع الصبر جنة عرضها السموات والأرض لقوله سبحانه (إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ ) سورة المؤمنون الآية 111، وقال تعالى (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا ) سورة الفرقان الآية 75، فبالصبر تتضاعف الأجور والحسنات لقوله تعالى (أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ) سورة القصص الآية 54.
 
فالصبر رداء للمؤمنين وحلة يتزين بها الصابرون وهي حياة للقلوب ودواء للجروح، فالصبر سمة يتخلق بها من آمن بالله ورسوله واليوم الآخر، وكلنا عرضة للكروب والشدائد والضيق، ما أن تمسي بالرخاء تصبح بشده وما أن تضحى باليسر تمسي بالعسر، قال الله تبارك وتعالى مخاطباً المؤمنين (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) سورة محمد:31]، باستطاعة المؤمن أن يسأل نفسه لما القلق والكآبة وهو يعلم أن ما قسمه الله لك مكتوب ومقدر ومسطر وقد رفع القلم وجفت الصحف، فهل هو اعتراض على ما كتبه الله له، فإن عارض فهي معارضة لما كتب له وبها معصية للخالق وان رضى فهي بشرة له بكل خير ، حيث قال سبحانه وتعالى بسورة البقرة (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) الآية 55.
 
ان جزاء الصبر الجنة وهو الطريق السالك لها فهي أمنية كل مسلم وجائزة كل مؤمن، فالله جل جلاله ذكر في سورة الإنسان (وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا) الآية 12، وقال سبحانه بسورة فصلت (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ) الآية 35، لا احد يتمنى البلاء وإنما نسأل أن يعافينا وأن يرحمنا ويبعد عنا الشدائد، ولا ننسى بأن الإنسان يجازيه الله بعمله بمعترك الدنيا ويلاقي حسابه في الآخرة ان عمل صالحا يحمد الله عليه وان عمل غير ذلك ندم وخسر، ولا يأتي الصبر إلا بالعزم والشدة فالمؤمن القوي خير عند الله من المؤمن الضعيف، فعن أبى هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (المؤمن القوي خيرا وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، وأحرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإذا أصابك شيء، فلا تقل لو فعلت كذا وكذا، ولكن قل، قدر الله ما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان) رواه مسلم
 
ولا ننسى بأن الله سبحانه وتعالى ضرب لنا مثلا بالصبر سيدنا ونبينا أيوب عليه السلام، فكان رجلاً كثير المال من سائر صنوفه وأنواعه، من الأنعام، والعبيد، والمواشي، والأراضي المتسعة، وكان له الكثير من الأبناء، فأخذ الله سبحانه منه كل النعم وابتلاه بجسده بأنواع البلاء، ولم يبقى له سوى لسانه وقلبه لذكر الله، فضعف حاله وقل ماله وطال مرضه حتى عافه الناس، وأوحش منه الأنيس وأخرج من بلاده، ولم يبقى له سوى زوجته، وقيل أنه كان مبتلى سبعين سنة ، فصبر وكان مثالا للصبر، فجازاه الله بعد الصبر إحسان، فقال سبحانه بسورة ص (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ * ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ * وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ}.
 
وخير مثال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حينما بدأ بدعوته حيث قام الناس بضايقته واقرب الناس له أبو لهب يشتمه ويسبه حتى عافه الجليس وابعدوا عنه الناس وكانوا يسفهون كلامه ويضربونه فصبر وجازاه الله إحسانا وتفضيلا.


نسأل الله ان يجعلنا من الصابرين وان يجازيا إحسانا وإيمانا إنه غفور رحيم.

الآن - تقرير: خالد العنزي

تعليقات

اكتب تعليقك