هيام الجاسم تنتقد ابتهال الخطيب لأنها أرادت أن تصدّر وتسيّد قناعاتها على أنها حقائق مطلقة
زاوية الكتابكتب يونيو 11, 2010, 1:08 ص 3954 مشاهدات 0
الدكتورة ابتهال الخطيب وحرية الاختيار!الجمعة, 11 يونيو 2010
هيام الجاسم
استضافت إحدى القنوات لقاء مع د.ابتهال الخطيب - التي تصف نفسها بشفافية - أنها امرأة ليبرالية، تابعت المقابلة وحرصت على تواجد بناتي معي يتابعن على شاشة التلفاز رؤيتها في قناعتها وتركت لهن الخيار في تقييم ما أدلت به من أفكار، حقيقة استغربنا جميعاً من ديدن حديثها أنها تركز على أس الليبرالية عند من يؤمن بها ألا وهو مبدأ الاختيار في كل شيء، أنت حر وأنا حر! أنت تختار وأنا أختار، ليس لك أن تخطّئني ولا أنا من حقي أن أخطّئك فضلا عن أنه ليس لي أن أقيّمك وأقوّمك وليس لك أن تقيّمني ولا أن تقوّمني.
عزيزي القارئ هذا تجاه فكري تتبناه الدكتورة على أنه مسلّمات وبدهيات وتعميمات صوّرتها لنا على أنها مبادئ وقيم لا يملك أي امرئ عاقل في تصورها أن يحيد عنها، كنت أتمنى لو أطلقت قناعاتها وفق منطق الرأي وهي بلا شك تدرك الفارق الشاسع بين الرأي والمبدأ وبين الافتراض والتعميم لذا حرصت هي على أن تبدي قناعاتها وفق لغة الخطاب البدهي والمسلمة الفكرية التي أظهرت معها ملحمية وجه ولغة جسد مليئة بالثقة بما تؤمن.
كنت أرجو منها وهي من تؤمن بمبدأ الاختيار أن تدفع حقا باتجاه منحى الاختيار ولكن كل سياق كلامها ومفرداتها صراحة أظهرت به الرأي الأوحد وكأن هذا هو الأفضل في منطق التفكير الناقد، لقد أصدرت حكما أوحد دون تجرد علمي محايد وموضوعي تحت مظلة خطاب الاختيار، هي حكمت ضمنيا بمفهوم المخالفة على أن من يؤمن بمنطق الاختيار وفق ضوابط حكمت عليه أن قراره غير سليم، وهي محاولة منها لتأكيد أن الأصل رفض مبدأ الحرية المنضبطة على الرغم من كون حتى بعض نظريات الغرب يصنفون الحرية المنضبطة على أنها حاجة سيكولوجية نفسية عند المرء.
عزيزي القارئ الدكتورة أرادت أن تصدّر وتسيّد قناعاتها على أنها حقائق مطلقة وعلى أنها من المسلمات في حقوق الإنسان في الاختيار، لنفترض أن اختيارات المرء العقدية الفكرية هي محل ضرر وأذى ابتداء لذاته ثم لأسرته ثم لمجتمعه وهو لا يعي ذلك الضرر، هل من حقه أن تدعه الدولة يمارس تلك الاختيارات بينما الحراك مجتمعيا يتأثر بعضه ببعض؟! وحتى لو تركنا للمرء حق الاختيار فإنه يحتاج الى تأهيل وتدريب كي ترقى حريته إلى المسؤولية وليتشكل عنده وضوح للمعايير التي منها معيار الاختيار المشترك فيما بيننا عالميا الأصل فيه استحسان الحسن واستقباح القبيح على مفاهيمه إلا ما استثني فيما قل أوندر، تلك الفطرة الأصيلة التي أفترض ابتداء أن الدكتورة ابتهال تؤمن بها على أنها ثابت من ثوابت الإنسانية قاطبة.
الأصل الثاني أن لكل دولة هوية ذات صبغة أيديولوجية تنطلق منها حتى لو كانت علمانية، وهوية دولتنا حسب منطوق ومفهوم الدستور هي دين الإسلام، العالم قاطبة يدرك تماما كيف أن الدول تكافح من أجل تسييد هوية الصبغة فيها وها هي فرنسا أوهمتنا لسنوات طوال أنها بلد الحريات والإنسانية وأن لا دين يسود في منظومة التعامل مع كافة مواطنيها ثم هي انقلبت على ذلك المبدأ الإنساني فمارست المنع للنقاب وكذلك بلجيكا وهاهي محاولات في سويسرا؟!
والصهاينة في فلسطين يقيمون الدنيا ولا يقعدونها من منطلقات أيديولوجية صرفة!
إذن سواء على مستوى الأفراد أو الدول لا يستطيع أحد مطلقا أن ينفك عن أن تكون اختياراته وفق أيديولوجيات توجه مساره والدكتورة في ثنايا مقابلتها أكدت على تلك القضية أن الناس بطبيعتهم يميلون إلى اعتماد منطق الدين في حياتهم، لذا أنا أعتقد جازمة أننا ما ينبغي ولا يصح أن نترك خياراتنا دون منطلقات وثوابت دينية يؤصلها لنا شرعنا وفق ثوابت من رب العباد لا من فلان وفلان، حسب فهم الدكتورة أن الثوابت في نظرها متغيرات، تلك نظرة غير صحيحة ولا عميقة للدين.
الدكتورة تارة في ثنايا مداخلات الجمهور تعرب عن عدم معرفتها في الدين ولا تود الخوض فيه لأنها لا تفهم فيه وليست من أهل الاختصاص وتارة أخرى تجدها تؤصل تأصيلا خطرا لأس قواعد الدين حينما تسأل الأستاذ مقدم البرنامج أحمد الفضلي «قل لي يا أستاذ أحمد هل ثوابتك هي نفس ثوابت وليد الطبطبائي؟!» وتكرر عليه السؤال وهي تدخل في صلب الدين ثم تتراجع في المداخلات معربة عن كونها ليست بمتخصصة هذا فضلا عن رفضها وبإصرار عن أن تجيب عن أي سؤال يتعلق بالدين.
عزيزي القارئ.. نحن نؤمن بمبدأ حرية الاختيار للمرء فيما يؤمن ويعتقد، ولكن في المقابل نجزم بأن لكل مبدأ فرملة وفق قواعد وأطر شرعية نضبط من خلالها قناعاتنا وبالتالي مسالكنا، لاشيء هكذا مطلقا دون تحديد لمساره وفق معايير محددة ضابطة، ولا يصح لنا كلما تحاورنا أطلقناها حماية لأنفسنا أننا على كيف كيف اختياراتنا!
لو اعتمدنا هذا المنطق فإن حياة الشعوب والأمم ستصبح حياة هوجاء فوضوية بلا ضابط ينظم ولا يؤطّر لحريات الناس فيها، ولعاش الناس شريعة الغاب كل يدعي أن عقله أحكم من عقل غيره فبدلا من أن تتلاقح العقول وتتسق فإنها ستتصارع وستختلف.
تعليقات