نادين البدير تروي قصة تغير حياتها بعد لقائها بأستاذها محمد الجاسم
زاوية الكتابكتب مايو 25, 2010, 1:13 ص 1996 مشاهدات 0
محمد الجاسم
لم أتصورك سجيناً أبداً، فمشهدك خلف القضبان أشد صعوبة من مشهدك تفقد الأنفاس.
*
في أحد تلك الأيام التي تتبع إنهاء الدراسة ولا تعلم إلى أين تأخذك الدنيا. كنت مستلقية أحلم بالخطة الوحيدة المتاحة وقتها، حين فاجأني اتصال يحمل دعوة للمشاركة في برنامج المجلس الذي يقدمه الصحافي الكويتي محمد الجاسم، وذلك في ضوء مقالات كنت أنشرها في مجلة المجلة السعودية. أخبرني المتصل بأن التسجيل سيكون في مدينة أبوظبي بعد أسبوعين. وافقت على الفور. بعدها تذكرت عائلتي.
طبعاً اكفهروا واصفروا وهم يستمعون للخبر. وفيما كنت أحكي بحماسة، كانت تعابير بعضهم آخذة في التجمد، أما بعضهم الآخر فلزم الصمت (أبي مثلا) كانت الحالة الأولى من نوعها في العائلة. ظهور امرأة في التلفزيون.
طوال الأيام التي سبقت موعد التصوير، كنت مثال الابنة الرضية التي لا تعصي الأوامر، تقمصت شخصية أخرى لا تقول سوى نعم وحاضر. خشيت أن يمانعوا وأردت أن يجيء موعد السفر بلا تنغيص أو إرباك. وكان الأمر يستحق العناء، فإنجاز بالنسبة لي أن يكون ظهوري الأول مع إعلامي قدير كالجاسم.
رافقني أبي إلى أبو ظبي والتقينا محمد الجاسم لدى وصولنا بهو الفندق. وقتها شعرت بالقلق، إذ ماذا أحمل بجعبتي من أجوبة أمام هذا المحاور؟
سألني وأجبته. كان أول شخص يوجه لي الأسئلة. لم أكن أجيب عليه قدر ما كنت أجيب عن نفسي أيضا، وأعلن موقفي وتوجهي وأحدد مصيرا جديدا لذاتي.
اشتهرت تلك الحلقة على المستوى المحلي، وكتبت عنها الكثير من المقالات المؤيدة والناقدة وتلك التي تشتم والتي تكفر. إذ كانت حلقة جديدة على المتابع السعودي. خروج أنثى تنتقد «المؤسسة الدينية» وتعتبرها مسؤولة عن حالة التأخر التي تعانيها المرأة.
تمر بك أمور أو أشخاص يغيرون مجرى حياتك. لقائي بمحمد الجاسم غير حياتي. لم أكن أفكر جديا في الاستمرار بالكتابة والتحول للإعلام لكني كنت أحلم بالحرية، وحين يحكي الجاسم عن الحرية تبدو كأنها رمز كبير لكن بلا معبد وبلا طقوس. أحببت الإعلام منه ووددت أن أكون مثله أتنشق عبير الحرية دون خوف أو خجل.
بعد فترة أخبرني أن القيمين على المحطة يفكرون باستقطابي للعمل معهم. ونصحني بكتابة مشروع برنامج وتقديمه إليهم وساعدني في ترتيبه وشجعني كثيراً على تقديمه والاستمرار به هذه المرة لم يصمت أبي، قال لي: اذهبي وحدك.
فرحت حين جمعنا مكان عمل واحد لفترة من الأوقات، وما زلت أفرح كلما صادفني أحد المشاهدين وقال: كنت أتابع زميلك الحر محمد الجاسم... وأرد: لم يكن زميلي كان أستاذي.
*
أمثالك قرروا ألا يتمتعوا بحياة الرخاء كالبقية، وجدوا الرفاهية في حياة أخرى. في دفاع عن مظلوم أو نضال لأجل فكرة.
مرت سنوات منذ التقينا. كرهت اليوم أن أعرف خبر إصابتك وأن جسدك المنهك لم يشفع لك، أحاطوا معصميك بالأغلال كمن جاء بالإثم العظيم. لكني أعرف أن غرامك وتوقك للحرية سينقذك ويخفف عذابك.
كاتبة واعلامية سعودية
تعليقات