فارقة في تاريخ الكويت المدني

محليات وبرلمان

بالفيسبوك والبيري صنع الشاب العرادة حراكا لم تقو عليه التيارات السياسية

3292 مشاهدات 0

قوة التكنولوجيا القادمة: من اعتصام ساحة الإرادة 18 مايو

لم يذهب الدكتور سعد بن طفلة بعيدا حينما سخر من قرار وقف القناة الفضائية التي كانت تنقل أحداث التجمع في ساحة الإرادة بقوله ' أنه قرار سخيف فالكثير من الشباب يتبادلون الأخبار عبر هواتف البلاك بيري، وموقع الفيسبوك ' فالتجمع الحاشد نفسه  نتج عن فكرة من الشاب عبدالله العرادة والذي لم يتجاوز عمره 17 عاما بدأ بالأصل  بدأت عبر محادثة  في موقع الفيسبوك وانتقلت تدريجيا لتكون تجمعا حاشدا حضره رموز في العمل الوطني على رأسهم الأب المؤسس مانديلا الكويت الدكتور أحمد الخطيب .
 
وهكذا يصنع المجتمع المدني عبر أصغر نشطائه حركة على الأرض لم تنجح تيارات سياسية عريقة في تكوينها في قضايا مماثلة ما يدشن عصرا جديدا تتم فيه ممارسة الديمقراطية الحقيقية من دون أن تنحصر في جدران مجلس الأمة كما في عهود سابقة كانت تكفي السلطة فيها التنسيق مع تيارات معينة فتقبر القضايا ويعيش المجتمع المدني على الهامش إنتظارا لتحرك نواب معينين أو تيارات سياسية محدده .

التاريخ السياسي في الكويت سيسجل  أن قضية إحتجاز الكاتب محمد الجاسم ستكون علامة فارقة في طريقة تعاطي المجتمع المدني ومؤسساته مع القضايا التي تتعلق بالحريات العامة فبدلا من إنتظار أعضاء مجلس الأمة وما يصدر عنهم من مواقف وتصريحات قاد المجتمع المدني والناشطين السياسيين الحقيقيين حملة مضادة لإستخدام قانون أمن الدولة ضد الكتاب والصحافيين وأصحاب الرأي ما جعل موقف الحكومة ومستشاريها والنواب الداعمين لها يكون مكشوفا إلى درجة غير مسبوقة .
 
وإذا كان هناك من يراهن على أن الشعب الكويتي كسول ولا يتفاعل مع القضايا الهامة الا بعد تحريكها من قبل التيارات السياسية وأعضاء مجلس الأمة ما يتطلب التنسيق مع هؤلاء أولا فقد أثبت المجتمع المدني ومؤسساته والناشطين السياسيين الحقيقيين أن قواعد اللعبة في الكويت تغيرت تماما وأن القرار الحقيقي عاد إلى صانعيه الحقيقيين كما في كل دول العالم المتقدمة ديمقراطيا  .
 
وفي هذا الجو العام كانت بيانات مؤسسات المجتمع المدني في قضية الجاسم ذات تأثير واضح في توفير الدعم المعنوي لمبدأ عدم محاكمة الكتاب والصحافيين وفق قانون الدولة إذ شكلت اضافة الى حركة التدوين والصحف الالكترونية وبعض المقالات في الصحف المطبوعة الإرادة التي تصدت لهذا التعسف من قبل السلطة في حين وقف معظم أعضاء مجلس الأمة ومعظم التيارات السياسية موقف المتفرج قبل ان يتم التحرك جزئيا بعد أن سبقت حركة الشارع ومؤسسات المجتمع المدني حركة الطبقة السياسية .
 
ومن هنا كان لبيانات اللجنة الشعبية لدعم حرية التعبير ومظلة العمل الكويتي (معك) و جمعية المحامين وجمعية الصحافيين وجمعية حقوق الإنسان و لجنة الدفاع عن حرية التعبير في جمعية «الخريجين» ولجنة الحريات في الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان دور مهم في تشكيل رأي عام رافض للإجراءات التي تمت بحق الجاسم عززه موقف المنظمات الدولية كمراقبة حقوق الإنسان , والعفو الدولية وصحافيين بلا حدود .
 
قضية تطبيق قانون أمن الدولة على الكاتب محمد الجاسم نتج عنها خطوات حقيقية وغير مسبوقة في مجال الإصلاح السياسي تمثلت في الآراء القانونية التي إنتقدت وبوضوح إجراءات النيابة العامة وقيامها بالتحقيق مع الجاسم وفق قانون أمن الدولة .

وكان الإجراء الإصلاحي الأوضح التعديلات التي أعلنها نائب رئيس جمعية المحامين الحميدي السبيعي بإسم الجمعية في ساحة الإرادة من أجل تقييد حق النيابة العامة في تطبيق قانون أمن الدولة على الكتاب والصحافيين ومن أجل إصلاح قضية الحبس الإحتياطي لتكون تحت إشراف القضاء .
 
في حين ذكر الخبير الدستوري الدكتور محمد الفيلي في مقالة خص فيها بأن عدم إلزام جهة الادارة في القانون الكويتي  بتسبيب قرارها بالحجز التحفظي او إلزام  سلطة التحقيق بتسبيب قرارها بالحبس الاحتياطي يعتبر نقص في التشريع يتعارض مع اصل الحرية و إستثنائية التقييد فالاستثناء يجب توضيح اسباب وجوده لانه ليس اصلا مفترضا.

واعتبر أن مسلك المشرع  يقود لأثار ضارة فهو يحجب  ،عمليا ، قرارات خطيرة ، من حيث اثرها على حرية الانسان ،عن رقابة القضاء لان اسباب إتخاذ القرار غير مثبتة  ، و إلزامية التسبيب تحمي أيضا جهة اتخاذ القرار من مظنة التعسف او مظنة التسرع في إتخاذ القرار او إتخاذ القرار لاسباب لا تتصل مباشرة بضرورات التحقيق.

الخبير الدستوري الدكتور محمد المقاطع ذكر في مقالة ناقدة لإجراءات النيابة العامة بأن تقديم الشكوى على أنها من جرائم أمن الدولة، وصف في غير محله من الشاكي، لأن مضمون الشكاوى في حقيقته «جرائم صحافة» ــ إن كانت قائمة ــ لأنها سقطت أصلا بالتقادم.

وبين بأن فتح التحقيق بكل ما نشره الأخ محمد الجاسم بصفة إجمالية هكذا أمر غير سائغ في المنطق القانوني، خصوصا أن النيابة عودت على التشدد في قبولها مثل هذه الشكاوى.

أما أستاذ القانون الخاص الدكتور مرضي العياش فقد نقل قضية تطبيق قانون أمن الدولة على الكتاب والصحافيين إلى زاوية أخرى حين قال في تصريح خاص لـ أن القانون المتعلق بجرائم أمن الدولة غير دستوري حينما أشار بأن المراقب للشأن السياسي في الكويت  يلاحظ بشكل فاضح كيف أن نصوص قانون جرائم أمن الدولة جاءت فضفاضة وواسعة بحيث يمكن لأي كان استخدامها وتوجيهها ضد حرية أي فرد من أفراد المجتمع، وهي بذلك مخالفة لنص المادة 32 من الدستور.

في حين كان النائب السابق مشاري العصيمي وهو رئيس سابق ايضا لجمعية المحامين وكان من النواب الضليعين في الجوانب الدستورية والقانونية فكان واضحا جدا حينما قال موجها حديثه للنائب العام حامد العثمان قائلا ' أن احتجازه للجاسم يعتبر مخالفا للقانون، فهو حبس احتياطي، في حال كان يخشى من فرار المتهم.'
 
كما كان لافتا قيام النائب السابق الدكتور فهد الخنة, في سابقة, بتحذير رئيس مجلس القضاء الأعلى و أعضاء المجلس الأعلى للقضاء و جميع القضاة  والنائب العام ومستشاري  النيابة العامة وأعضاء النيابة  من أن تحاول الحكومة والحكم استغلال القضاء للقضاء على مخالفيه , وذكر  النائب العام حامد العثمان بان النيابة  تمثل المجتمع وأن حريات الناس لا ينبغي التساهل بها والجرأة عليها إلا في أضيق الحدود  وللضرورة حتى تبقى النيابة العامة حصناً للناس لا سجنا لهم وسوراً يحتمون به من دعاوي الحكومة والحكم والظلمة لا سيفاً مسلطا عليهم, ودعا  النيابة العامة الآ تدخل طرفاً في صراع القوى وتحطيم الخصوم الدائرة رحاها في الكويت منذ 4 سنوات .
 
المجتمع المدني ومؤسساته أصبح لاعبا رئيسيا في الساحة المحلية ومن يراهن على إختزال الديمقراطية في الكويت بمجرد التصويت في مجلس الأمة لا شك بأنه يراهن على الحصان الخاسر .
 

الآن-أحمد السالم

تعليقات

اكتب تعليقك