الخبير الدستوري الفيلي يكتب ل((الآن)) حول احتجاز الجاسم:
محليات وبرلمانعدم تسبيب الحجز نقص في التشريع والاستثناء عدم التوسع فيه بل لا يفترض
مايو 18, 2010, 8:35 ص 5690 مشاهدات 0
خص أستاذ القانون الدستوري الدكتور محمد الفيلي بالمقالة أدناه حول قانونية احتجاز الجاسم:
رب ضارة نافعة
يؤثر عن فولتير قوله لاحد المخالفين له بالرأي ان خلافي معك لايمنعني من القتال كي يمكنك التعبير عن رأيك ، و القول السابق لايشكل فقط اساس حرية التعبير و قوام وجودها و لكنه ايضا اساس وجود الديمقراطية ، فجوهرالديمقراطية هو حرية اختيار الجمهور لرأي او فكرة من ضمن الاراء و الافكار المطروحة بعد سماع كل الاراء و تفحص كل الافكار وتمحيصها . و الاجراءات المتخذة ضد الاستاذ محمد عبد القادر الجاسم في اطار تهم الرأي الموجهة له كانت محل قلق و احتجاج من قبل من يؤيده في الرأي ومن قبل بعض من يختلف معه في الرأي ، و موقف المجموعة الأولى منطقي و موقف الثانين جيد . و قرار الحبس التحفظي في مواجهة الجاسم كان محلا للقلق و الاستغراب ، ولعل السبب في ذلك راجع للغموض الذي يحيط بهذا الاجراء كما ان التأمل فيه يقود الى الاعتقاد بأن هناك خللا يعتور تنظيمه . ولعل النقاش الدائر في موضوع الاستاذ الجاسم يقود الى دراسة الاجراءات المقيدة للحرية التي يرتبها القانون في اطار التحقيق الجزائي .
نقطة البداية في فهم الموضوع هي ان المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية، و بالتالي فان حجز حرية الانسان جريمة يعاقب عليها القانون مالم يكن الحجز تنفيذا لحكم قضائي او بناء على قرار مشروع صادر عن جهة التحقيق المختصة وفق القانون . و تقييد حرية المتهم و هو بريء استثناء يقوم على سبب واحد فقط وهو ضرورة هذا الاجراء لسلامة التحقيق كالخشية من تأثير المتهم على ادلة الاتهام او هروبه و الإستثناء يجب ان لا يتوسع فيه كما انه لا يفترض . و القانون الكويتي لا يلزم جهة الادارة بتسبيب قرارها بالحجز التحفظي او سلطة التحقيق بتسبيب قرارها بالحبس الاحتياطي وهو نقص في التشريع يتعارض مع اصل الحرية و إستثنائية التقييد فالاستثناء يجب توضيح اسباب وجوده لانه ليس اصلا مفترضا. و مسلك المشرع يقود لأثار ضارة فهو يحجب ،عمليا ، قرارات خطيرة ، من حيث اثرها على حرية الانسان ،عن رقابة القضاء لان اسباب إتخاذ القرار غير مثبتة ، و إلزامية التسبيب تحمي أيضا جهة اتخاذ القرار من مظنة التعسف او مظنة التسرع في إتخاذ القرار او إتخاذ القرار لاسباب لا تتصل مباشرة بضرورات التحقيق.
و وجوبية التسبيب في قرارات الحجز التحفظي او الحبس الاحتياطي تنتج ايضا عن القياس على الحكم القضائي فالقانون يوجب على القاضي تسبيب حكمه حتى لوكان الحكم بالسجن ليوم واحد او لمدة إسبوع واحد ، اما جهة الشرطة فهي تستطيع بقرارها المنفرد ان تحتجز حرية الانسان لمدة اربعة ايام و النيابة العامة كما أن إدارة التحقيقات تمتلكان الاختصاص بتقرير الحبس الاحتياطي لمدة ٢١ يوما دون الرجوع للقضاء و دون تسبيب القرار مع خطورة اثره ، فإذا كان من ضمن اسباب وجوب تسبيب الاحكام القضائية خطورة اثرها على حقوق الافراد و حرياتهم و تفعيل امكانات الرقابة عليها، فإن ذات العلة متوفرة في قرارات الحجز التحفظي و الحبس الاحتياطي فتقييد حرية الانسان لمدة اربعة ايام او لمدة واحد و عشرين يوما ليس بالأمر الهين اليسير و لايمكن اخذه بخفة او بعدم إكتراث . ونخلص من العرض السابق للموضوع الى تأكيد الدعوة لتعديل احكام القانون الكويتي لإعادة النظر في المدد المقررة للحجز التحفظي و الحبس الاحتياطي فهي طويلة جدا مقارنة بما يأخذ به القانون المقارن في الدول المتقدمة ، كما ان المشرع مدعو لإعادة النظر في الآليات المقررة للرقابة على هذه الاجراءات ، و أول هذه الضمانات الغائبة الزامية تسبيب هذه القرارات على نحو واضح .
د. محمد الفيلي
تعليقات