نحن مطالبون بنشر الوعي الاستهلاكي كي نحد من تفاقم مشكلة الديون
الاقتصاد الآنالشامسي: العلاقات التجارية والاقتصادية والمصالح المشتركة تحكم مسارات العلاقات السياسية
مايو 17, 2010, 1:44 ص 1090 مشاهدات 0
تشهد جلسات مؤتمر 'الإعلام الاقتصادي في زمن الأزمة.. تحديات مفروضة.. ودور مأمول' الذي ينطلق في السادسة من مساء اليوم بقاعة الثريا بفندق جي دبليو ماريوت مشاركة نخبة من القيادات الاقتصاية والإعلامية بينهم د. نجيب عبد الله الشامسي المدير العام للإدارة العامة للبحوث والدراسات والنشر في الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي، وتقدم الشامسي بورقة عمل فيما يلي نصها.
'دور الإعلام الاقتصادي بدول المجلس.. بين المهنية والمسؤولية'
جميع من يسمع أو يشاهد أو يقرأ يدرك مدى أهمية الإعلام حيث أنه أصبح يلعب دوراً خطيراً ومهماً ومباشراً في حياة الأمم والشعوب ، وصار له تأثير مباشر على التفكير السياسي والبنية الثقافية والاجتماعية للشعوب والأمم ويسهم في تغيير الاتجاهات السياسية في العديد من دول العالم ، بل وأنه قد يسقط حكومات ويطيح أنظمة ويأتي بغيرها .
وعلى صعيد سلوكيات الأفراد ، فإنه يساهم في تغيير أنماط السلوكيات وتغيير الوعي لدى الأفراد ويسهم في نزعتهم الاستهلاكية ورغبتهم في التغيير ويحدث انقلاباً في وعيهم وتفكيرهم في الماضي والحاضر والمستقبل .
وإذا كان الإعلام بمنظوره العام كذلك فإن الإعلام الاقتصادي قد استطاع خلال العقود الأخيرة أن يفرض سلطته وهيمنته على الساحة الإعلامية ، ويغير من توجهات السياسات الإعلامية في مختلف دول العالم ، بما فيها دول العالم الثالث . وقد تزايدت أهمية الإعلام الاقتصادي هذه عندما أصبحت العلاقات التجارية والاقتصادية والمصالح المشتركة تحكم مسارات العلاقات السياسية وتؤثر بشكل مباشر في رسم الاستراتيجيات الدولية في عالم يشهد تحولات ومتغيرات اقتصادية تفرضها حقائق القرار الاقتصادي الذي أصبح أكثر سلطة وأهمية من القرار السياسي . بل إن القرار السياسي لمختلف الدول لا يتم اتخاذه إلا في ظل الاعتبارات الاقتصادية والمصالح التجارية للدول التي أخذت تسعى سعياً حثيثاً نحو الانضمام إلى الكيانات الاقتصادية والتكتلات التجارية ، وأصبحت استراتيجيات التنمية فيها تأخذ بعين الاعتبار استحقاقات وتأثيرات تلك التكتلات والمتغيرات الاقتصادية العالمية . حيث تستهدف تلك الدول والحكومات تحقيق تنمية حقيقية تضمن استقرار الأنظمة فيها وتحقق الاستقرار الأمني والاجتماعي لشعوبها .
وإذا كان الإعلام الاقتصادي يلعب دوراً مؤثراً في خلق تلك الكيانات والتكتلات ، ويساهم بشكل مباشر في رسم السياسات السياسية والاقتصادية الخارجية لتلك الدول فيما بينها وبين التكتلات الاقتصادية التي تنضم إليها ، فإن الإعلام الاقتصادي يلعب دوراً مهماً وكبيراً في العلاقات التجارية والاقتصادية على صعيد الدولة الواحدة أو المجتمع الواحد ، لاسيما بعد أن أصبحت تلك العلاقات تعيش تفاعلات متباينة ، وتشهد الساحة المحلية في أي دولة أو مجتمع علاقات تجارية واقتصادية معقدة ، سواء فيما بين الأفراد المستهلكين منهم والمنتجين أو فيما بين الدولة ومؤسساتها المختلفة في تعاطيها مع متغيرات السوق ، وفي تحديد أطر علاقاتها مع مختلف الفئات الاجتماعية والاقتصادية ، بما فيها علاقة الدولة الاقتصادية والتجارية مع مؤسسات القطاع الخاص العاملة في الدولة .
ومن هنا يتأكد لنا مدى أهمية الدور الذي يلعبه الإعلام الاقتصادي في توضيح طبيعة تلك العلاقات ، وتحديد اتجاهاتها وتأثيراتها على الصعيد الداخلي أو الصعيد الخارجي ، وكيف يمكن لهذا الإعلام أن يساهم في تصحيح مسارات تلك العلاقة ومعالجة الإختلالات التي تعتريها وأيضاً كيفية تنمية مقومات تلك العلاقة والتنسيق بين مكوناتها في تحقيق الأهداف العامة للاقتصاد الوطني ، وأهمها تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة في المجتمع .
وفي مجال الحديث عن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ، التي برزت في الساحة العالمية ، ليس لثقلها السياسي ولا لبعدها الجغرافي فقط ، وإنما لأهميتها الاقتصادية بعدما أصبحت من الدول الرئيسية في إنتاج النفط والغاز وتصديره ، واستحوذت على احتياطيات ضخمة من النفط والغاز ، وبعدما أصبحت تشكل مراكز تجارية كبيرة في منطقة الشرق الأوسط وأسواقاً تجارية رائجة للسلع والمنتجات للدول الصناعية يلزمها في ظل هذه الأهمية الاقتصادية أن يكون للإعلام الاقتصادي فيها دور بارز يساهم في تحقيق أهداف دولها على الصعيدين الداخلي والخارجي ، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجه المنطقة داخلياً وخارجياً ، وفي إبراز الرغبة الأكيدة لدى قيادات دول المجلس وشعوبها في تحقيق حضور أكبر في المحافل الدولية . ثم لأن دول المنطقة لا يمكن أن تحافظ على موقعها في الساحة العالمية ، ولاسيما الساحة الاقتصادية ، إلا من خلال وجود إعلام اقتصادي يعي دوره ويدرك مسؤوليته ويعمل على المساهمة في تحقيق الأهداف العامة لدول المنطقة لاسيما التنمية الشاملة عامة والاقتصادية خاصة .
'واقع الإعلام الاقتصادي في دول مجلس التعاون '
حينما نشخص دور الإعلام الاقتصادي في دول المجلس ، خلال الفترة الماضية ، نجد أنه على الرغم من أهمية الإعلام الاقتصادي والتحسن الكبير الذي طرأ على المستوى الفني والتقني ، إلا أن دوره ظل محدوداً سواء في وسائله المسموعة والمرئية أو المقروءة . إذ يفتقر هذا الإعلام إلى الرؤية العلمية والتحليل الموضوعي الذي يفضي إلى إبراز حقيقة الاقتصاديات الوطنية دون إعطائها حجماً أكبر من حجمها الحقيقي . وفيما نجد أن هذا الإعلام قد ركز على إبراز الإنجازات وتعظيمها وإعطائها حجماً أكبر من حجمها نجد أنه قد ساهم في تغييب التحديات والمعوقات والسلبيات التي تعاني منها الاقتصاديات الوطنية وتحديد معالم التحديات المستقبلية التي سوف تواجه هذه الاقتصاديات ، وبالتالي فإنه لم يساهم في طرح معالجة موضوعية لتلك التحديات والمعوقات ، ولم يسهم في كيفية تجاوز الآثار المترتبة على المتغيرات والتطورات الاقتصادية المستجدة على الساحة العالمية . وظلت الرؤية لديه مبنية على آراء تفتقر في كثير من الأحيان إلى الدقة في التحليل ، والموضوعية في الطرح وإلى غياب الشفافية في المعالجة . كما ظل تناول إعلامنا الاقتصادي للقضايا الاقتصادية من خلال منابر المسؤولين الذين في كثير من الأحيان يؤكدون على الإنجازات دون تحديد للكلفة الحقيقية لتلك الإنجازات ، ودون التطرق إلى طبيعة التحولات الاقتصادية التي تواجهها أو تلك التي تشهدها المنطقة أو الساحة الاقتصادية ، أي أن التناول دائماً ما يتم طرحه من خلال رؤية أحادية ورسمية . أما الشريحة الأخرى التي تكون مصدراً للصفحات أو المادة الإعلامية لدى إعلامنا الاقتصادي فهي شريحة التجار والفعاليات الاقتصادية التي يجد بعض المنتمين لها أن حال اقتصادياتنا الوطنية يخدم أهدافه المرحلية حيث أنه في غياب التشريعات والمعالجة الاقتصادية الفعلية فإن ذلك خدمة لذلك ( البعض ) كي يحقق أهدافه دون مراعاة لشرائح المجتمع الأخرى ودون أن تكون هناك نظرة مستقبلية لبناء اقتصاديات حقيقية لها قاعدة إنتاجية صلبة ومتنوعة ، وتنمية اقتصادية تحقق أهداف المجتمع وبناء الإنسان ومتطلباته في الاستقرار والأمان !!
ومن ناحية أخرى فإن إعلامنا الاقتصادي ، وفي سياق إبراز الجانب الايجابي فيه ، يفتقر إلى التحليل الموضوعي للقضايا الاقتصادية التي تهم اقتصادياتنا الوطنية فتناولها بالكثير من التسطيح وغياب المعالجة الموضوعية ، واقتصر دوره على إبراز الإنجازات دون تحديد لمعوقات الاقتصاد وسبل معالجتها !! وقد تناول إعلامنا الاقتصادي اقتصادياتنا الوطنية من زاوية خبرية دون تحليل موضوعي يعتمد على النظرية والإحصائيات التي تدعم الخبر ، فقد اتسمت بعض الصحف والملاحق الاقتصادية التي تصدر في دول المجلس بالخلط بين المادة الخبرية والإعلانية من منطلق حرصها على علاقتها بالشركات المعلنة لديها وتنشر المادة الإعلانية وبشكل مبالغ فيها على أنها مادة خبرية مما يعد خللاً بالمهنية الصحفية ، معتمدة على مصادر رسمية أو منقولة أو آراء شريحة التجار المستفيدة من أوضاعنا الاقتصادية وعدم اكتراثها بتحقيق تنمية اقتصادية حقيقية . أما الملاحق الاقتصادية فقد ظلت متواضعة في مستواها التحليلي والمادة التحريرية ومحدودة في تحقيقاتها المحلية وتناولها للقضايا الاقتصادية المحلية .
كذلك فإن إعلامنا الاقتصادي يعتمد في مادته الإعلامية إلى حد كبير على مصادر إعلامية أجنبية وتقارير لشركات ومؤسسات قد تتعمد تعظيم إنجازاتنا لأهداف مقصودة ، كما أنه ظل يعتمد على مقابلات صحفية وإذاعية وتلفزيونية تعبر عن وجهة نظر أحادية وعدم الاجتهاد في الاستئناس بالآراء الأخرى ، وهناك محدودية في البرامج الاقتصادية التحليلية على خريطة البرامج الإذاعية والتلفزيونية مما جعلها تقليدية في الطرح وضعيفة في المعالجة ، وقد تعتمد مؤسساتنا الإعلامية في جانبها الاقتصادي على أفراد وطاقات بشرية غير مؤهلة أو متخصصة في الجانب الاقتصادي ، كما إن تلك البرامج الصباحية منها تفتقر إلى التحديث والمتابعة الحثيثة للمستجدات حينما يعاد عرضها في المساء أو اليوم الآخر ، ولاسيما المتعلقة بالأسهم والأسواق المالية وأسعار النفط والمعادن .
لقد أصبحت اقتصادياتنا تعاني من الكثير من المشاكل والصعوبات التي سوف تبرز في ظل معطيات الحاضر والمستقبل . وكان لتغييّب الإعلام الاقتصادي المتعمد أو غير المتعمد لتلك المشاكل والصعوبات الأثر السلبي الكبير على مسيرة الاقتصاد والتنمية في منطقة دول مجلس التعاون . ولعل غياب الاستراتيجيات أو الخطط التنموية ، وكذلك غياب تنوع القاعدة الإنتاجية والاعتماد على مصدر وحيد للدخل هو ( النفط ). ثم غياب السياسات التنموية وأهمها غياب التنمية البشرية ، كل ذلك يشكل أهم إفرازات المرحلة الماضية ويؤكد على الغياب الواضح للإعلام الاقتصادي الذي تفتقر إليه ساحاتنا المحلية ونحن نعلن دخولنا الألفية الثالثة !!
'إعلامنا الاقتصادي والدور المطلوب '
في ظل تلك التحديات والتحولات ، التي شهدها وسوف يشهدها العالم خلال الألفية الثالثة ، تصبح مسؤولية إعلامنا الاقتصادي كبيرة وتتطلب إمكانيات وقدرات مادية وبشرية ذات نوعية معينة . ويجب أن يتسم الطرح والتناول للاقتصاديات الوطنية ولمسيرة التنمية الاقتصادية بالموضوعية والأمانة وبدرجة عالية من الشفافية دون تطبيل أو تعظيم . وتأتي أهمية الإعلام الاقتصادي ودوره خلال المرحلة المقبلة في ظل اعتبارات تفرضها معطيات تلك المرحلة وهي كالتالي :
أولاً : إذا كان الإعلام الاقتصادي قد ساهم في إبراز الإنجازات التي تحققت خلال المرحلة الماضية على الصعيد الاقتصادي ، فحري به أن يبرز السلبيات والإختلالات والإفرازات التي برزت خلال المرحلة الماضية بقصد معالجتها وتذليل الصعوبات التي تعترض مسيرة التنمية الاقتصادية في دول المنطقة .
ثانياً : إذا كان الإعلام الاقتصادي قد أبرز دول المنطقة كدول ذات عمق اقتصادي استراتيجي بسبب ما تملكه من احتياطيات نفطية وغاز وبحكم ما تصدره من نفط وغاز ، وكذلك لكونها من المراكز والأسواق التجارية المهمة في منطقة الشرق الأوسط والعالم فإن الإعلام الاقتصادي مطالب بتحديد العوامل المساعدة في المحافظة على تلك الأهمية الاقتصادية لدول المنطقة من خلال الطرح الموضوعي والمعالجة العلمية .
ثالثا : إذا كان الإعلام الاقتصادي في دول المجلس قد تناول التكتلات الاقتصادية والإقليمية والعالمية وأشار إلى انضمام دول المجلس إلى بعضها ، وإذا كان هذا الإعلام قد تناول طبيعة وأهداف تلك التكتلات فإنه من الضروري أن يساهم في تحديد الآثار الإيجابية والسلبية لتلك الاتفاقيات والتكتلات على مسيرة الاقتصاد الوطني في كل دولة من دول المجلس، ومن الضروري أن يساهم وفي ضوء رؤية علمية وأمينة في تحديد كيفية تجاوز الآثار السلبية ومن الضروري أن يساهم وفي ضوء رؤية علمية وأمينة أيضا في تحديد كيفية تجاوز الآثار السلبية والاستفادة من الآثار الإيجابية لتلك التكتلات والمنظمات والاتفاقيات .
رابعاً : إذا كان الإعلام الاقتصادي في دول المجلس قد ثّمن وعزز توجه دول المنطقة نحو الحرية الاقتصادية وسياسة الباب المفتوح في علاقاتها الخارجية والنشاط الاقتصادي المحلي ، فإنه مطالب من خلال الطرح الأمين والصادق والمعالجة الموضوعية بأن يساهم في تحديد مفهوم الحرية الاقتصادية وتحديد أسسها ومضامينها وحدودها كي لا تتحول الحرية الاقتصادية إلى مفهوم خاطئ وسلبي على اقتصادياتنا الوطنية . كما أنه مطالب بأن يحدد معالم سياسة الباب المفتوح ومدى التأثيرات السلبية والانعكاسات الخطيرة لترك الباب مفتوحاً أمام التأثيرات الخارجية ، ولاسيما الواردات الأجنبية ورؤوس الأموال الأجنبية والأيدي العاملة الأجنبية التي تركت آثاراً سلبية وخطيرة على مسيرة العمل الاقتصادي الوطني في دول المجلس . وهنا لا بد وأن نحدد مدى الآثار المترتبة على انضمام أو توقيع دول المجلس على اتفاقيات ثنائية مع دول في مختلف قارات العالم .
خامساً : لقد أصبح للإعلام الاقتصادي في الدول المتقدمة دور بارز وهام سواء في وسائله المرئية أو المسموعة أو المقروءة ، وأصبح هذا الإعلام يسهم مساهمة مباشرة وغير مباشرة في إحداث التنمية الاقتصادية في تلك الدول ، وفي تحقيق أهداف الاقتصاد الوطني لتلك الدول . وبالتالي فإن إعلامنا الاقتصادي مطالب بأن يلعب نفس هذا الدور بالعمل على التصدي للاختلالات والتشوهات التي تعاني منها الاقتصاديات الوطنية ودعم الإنجازات الاقتصادية التي تحقق وتعزز الصناعات والنشاطات الاقتصادية الوطنية من خلال عرض وتسويق المنتجات الوطنية والتعريف بها لدى المستهلك في داخل دول المنطقة وخارجها ، ومن خلال تبني رؤية علمية والترويج لها من خلال الندوات واللقاءات والمؤتمرات ومن خلال التنسيق مع الهيئات والمؤسسات الأهلية والرسمية المعنية بالنشاط الاقتصادي .
سادساً : لما كانت العلاقات الاقتصادية والتجارية قد أصبحت شديدة التعقيد خلال العقدين الماضيين ، وسوف تزداد شدة وتعقيداً خلال المرحلة المقبلة ، سواء على علاقة دول المنطقة مع بعضها أو مع مختلف الاقتصادات العالمية ، فإن الإعلام الاقتصادي مطالب بدور مهم في تفنيد طبيعة تلك التشابكات وتحديد تلك العلاقات والسعي مع الجهات المعنية نحو وضع أسس للنشاط التجاري الداخلي والخارجي يفضي إلى وجود مناخ اقتصادي وتجاري إيجابي يساعد في دعم مسيرة التنمية الاقتصادية ويحدد الآفاق المستقبلية لاقتصاديات المنطقة ويحد من التأثيرات السلبية للخلافات الاقتصادية الدولية .
سابعاً : لقد أصبحت الأسواق المحلية بدول المجلس تعاني من تشوهات وترهلات وتجاوزات خطيرة تؤثر على موقع دول المنطقة الاقتصادي وسمعتها في الساحة العالمية ، وأصبحت دول المجلس بأسواقها المنفتحة مستهدفة في اقتصادياتها ومجتمعاتها . وعليه فإن الإعلام الاقتصادي مطالب بأن يتصدى لتلك التشوهات والتجاوزات من خلال تبنيه لرؤية علمية أساسها القوانين والتشريعات والأنظمة التي تحد من تأثير تلك التشوهات والتجاوزات وتعزز من الإيجابيات ، وتعمل على تبني رؤية استثمارية تتناسب مع طبيعة اقتصاديات المنطقة ودرجة نموها ، مع إبراز السلبيات التي نجمت من ازدواجية المشاريع والقوانين والأنظمة خلال السنوات الماضية والتي انعكست سلباً على الأوضاع الاقتصادية وزعزعت المكانة الاقتصادية لدول المنطقة . من ناحية أخرى فإن الإعلام الاقتصادي ، وعلى صعيد كل دولة ، مطالب بأن يساهم في تحقيق علاقات جيدة وتنقية الأجواء أمام عناصر الإنتاج في أسواقنا المحلية ، سواء بين المستهلكين والمنتجين أو بين المستثمرين والشركات والمؤسسات العاملة في أسواق دول المنطقة أو بين الدولة الواحدة بمؤسساتها التشريعية والفنية من ناحية ومجموعة المؤسسات والشركات التابعة للقطاع الخاص.
ثامناً : يجب على الإعلام الاقتصادي ، وفي إطار النهوض بدوره الفاعل في خدمة الاقتصاديات الوطنية ، أن يتخلى عن الدور التقليدي الحالي القائم على تسطيح القضايا الاقتصادية والبعد عن اللغة المستخدمة في هذا الشأن وذلك بالتصدي وكشف الكثير من المشاكل الاقتصادية والإفرازات السلبية للسنوات الماضية التي عرقلت مسيرة التنمية الاقتصادية ، والعمل على تناول تلك القضايا بشيء من العمق التحليلي والرؤية المبنية على أسس علمية موضوعية خاصة بعد أن تحولت تلك المشاكل إلى شبه معضلات اقتصادية تعاني منها الاقتصاديات الوطنية بدول المجلس وسوف تعمل على الحيلولة دون تحقيقها لانطلاقتها الحقيقية ، والإعلام الاقتصادي يعتبر أحد الأطراف المسؤولة عن ذلك حينما لم يقم بدوره الوطني المطلوب ، وحينما سعى إلى المبالغة في تجميل الاقتصاد وتعظيمه الأمر الذي ألحق بالاقتصاديات الوطنية أضراراً جسيمة واهتزازاً للثقة ، خاصة وأن السنوات الماضية قد أفرزت شريحة من الاقتصاديين أو كتاب الأعمدة أو المزايدين الذين ساهموا في تشويه الحقائق وتزييف الوقائع . وهنا لابد من تنظيف مؤسساتنا الإعلامية من تلك الفئة مع التركيز على القضايا الاقتصادية المحلية سواء من خلال الصحف الاقتصادية أو من خلال إدراج برامج اقتصادية جادة في خريطة البرامج الإذاعية والتلفزيونية يستقطب لها نخبة من الاقتصاديين الأمينين في الطرح والمتميزين بفكرهم وحس انتمائهم الوطني لإثراء تلك البرامج بحواراتهم ومداخلاتهم ومناقشاتهم الجادة ، وصولاً إلى صيغة إعلامية لاقتصاد يحقق هدف التنمية مع أهمية أن يكون مقدمو البرامج وكذلك العاملون في الصحف الاقتصادية ممن يحملون مؤهلات وتخصصات في الاقتصاد والتحليل .
تاسعاً : إن الوعي في أي مجتمع يعد ضرورة حتمية يفرضها واقع التطور والرغبة في التعايش في هذا العالم الذي تحكمه اليوم معايير اقتصادية أكثر من القوة العسكرية أو السياسية . بل إن هذا العالم يشهد اليوم انقلاباً لصالح القوة الاقتصادية التي من يملك القرار فيها إنما يملك العالم ، ومن لا يفهم فيها شيئاً فهو في مؤخرة الأمم إن لم يكن طواه الزمن !
إن الوعي في أي مجتمع يعتبر مخرجاً من أزمات كثيرة يتعرض لها الإنسان والمجتمع في عالم اليوم . وهو سبيل للخلاص وتجاوز لمشكلات عديدة قد تشكل عقبة حقيقية أمام مسيرة التنمية الذاتية أو المجتمعية . ثم إنّ الوعي رصيد الشعوب والأمم الساعية نحو تحقيق استقراها وتنميتها وتقدمها وازدهارها .
.. هنا يتأكد لنا أهمية الوعي الاقتصادي سواء على صعيد الفرد أو المجتمع أو الدولة . نحن في دول المجلس حيث استشراء النزعة الاستهلاكية مطالبون بالوعي الاقتصادي للتقليل من حدة الاستهلاك .. نحن في دول المجلس حيث 95 % من أبنائنا مدينون للمصارف مطالبون بنشر الوعي الاستهلاكي كي نحد من تفاقم مشكلة الديون هذه . نحن في دول المجلس حيث البطالة في أوساط مواطنينا نحتاج إلى وعي اقتصادي لفهم معنى العمل ومعنى الاعتماد على الذات ، ثم ضرورة الإحلال والتوطين ، وحيث أهمية التدريب والتأهيل بعد أهمية التعليم .. نحن في دول المجلس حيث الاعتماد الكلي على الخارج في مأكلنا ومشربنا وملبسنا نحتاج إلى وعي اقتصادي كي نقلل من حجم الاعتماد هذا على الخارج لما يعني ذلك من استنزاف للسيولة وتصديرها للخارج .. ولكي ندرك أننا في حاجة ماسة إلى مراجعة أوضاعنا الاقتصادية والتركيبة الإنتاجية في اقتصادياتنا الوطنية نحن في دول المجلس في حاجة إلى وعي لمعرفة موقعنا الحقيقي في الاقتصاد العالمي .. وفي حاجة إلى مواكبة العصر لضمان موقع مناسب في الساحة الاقتصادية والمفاهيم الحديثة كي نحسن التعامل معها ولاسيما منظمة التجارة العالمية ، العولمة الاقتصادية، التجارة الالكترونية . نحن في حاجة كبيرة إلى وعي بأهمية التكامل الاقتصادي الخليجي ثم العربي في إطار مواجهة تحديات العصر !! ومن هنا تأتي أهمية الإعلام الاقتصادي ومسؤوليته ودوره في صياغة وعي اقتصادي وتنموي على صعيد الفرد والمجتمع في مجتمعنا بدول المجلس .
عاشراً : إن المفاهيم والمصطلحات والمتغيرات الاقتصادية المستجدة في عالم اليوم كالخصخصة وحرية السوق والعولمة ، ومنظمة التجارة العالمية والتجارة الالكترونية ، تحتاج إلى وعي وفهم دقيقين لمدلولاتها وانعكاساتها وآثارها على الفرد والمجتمع ، وذلك ليتسنى لنا معالجة ما يتطلب معالجته ، ولتجاوز ما نستطيع تجاوزه ، وللتعامل مع واقع المتغيرات والمفاهيم على نحو يضمن لنا الاستمرار في عالم اليوم الذي يشهد انقلاباً حقيقياً في المفاهيم يتطلب وعياً لطبيعته وتبعاته وآثاره ، من منظور أن عالم اليوم وعالم الغد هو عالم الاقتصاد .
حادي عشر : إن وجود مراكز أبحاث ودراسات اقتصادية متخصصة ترفد الصحف والبرامج التلفزيونية والإذاعية الاقتصادية بالدراسات المتعمقة ، وكذلك البيانات والإحصائيات الدقيقة يشكل أهمية لتطوير صحافتنا الاقتصادية وبرامج التلفزيون والإذاعة على النحو المنشود .
ثاني عشر : لما كان الإعلام الاقتصادي على درجة كبيرة من الحساسية ، ولاسيما في الصحف الاقتصادية ، فإنه من الأهمية بمكان وجود إعلاميين يملكون قدرة عالية وفهماً للمفاهيم والتحولات الاقتصادية والمالية والنقدية والمصرفية من الطاقات البشرية المواطنة ، ويستوجب هذا وجود مراكز ومعاهد لتدريب وتخريج أعداد من الإعلاميين الاقتصاديين من أبناء دول المجلس ، مع ضرورة الاهتمام بتخصص الاقتصاد في جامعاتنا بدول المجلس لرفد مؤسسات الإعلام الاقتصادي بالمتخصصين في العمل الصحفي الاقتصادي .
تعليقات