...وزايد الزيد يكتب عن ظروف احتجاز محمد الجاسم: الله يستر من اللي جاي، لا أستطيع أن أقول أكثر، ففي الفم ماء !

زاوية الكتاب

كتب 2135 مشاهدات 0


الخلاصة
«الله يستر من اللي جاي»!
زايد الزيد 

  
 
هذه الجملة، تترد هذه الأيام بكثرة، بين الكويتيين، حينما يتناقشون حول قضية احتجاز الكاتب والمحامي محمد عبدالقادر الجاسم، فالكل يستشعر أن ظروف الاحتجاز و«ما صاحبها»، هي ظروف غير عادية بتاتا!

إن دول العالم المتحضر، لا تقوم بحبس حرية كاتب مهما قسى نقده، لذا تجد أن سجلات دول ذلك العالم خالية مما يسمى بـ «سجناء الرأي»! ونحن في الكويت، رغم أننا محسوبون على دول التخلف، ألا أننا كنا نفتخر دوما بأنه لا يوجد في زنزاناتنا «سجين رأي» واحد، وكان هذا الأمر، حتى عهد قريب جدا، مما يحسب إيجابيا للكويت، في المحافل الدولية وفي دوائر حقوق الانسان، وليس هذا فحسب، فكلنا نتذكر حقبة التسعينيات في القرن الماضي، تلك الحقبة العصيبة التي مرت بنا بعد التحرير، حينما نشط أزلام نظام طاغية العصر المقبور صدام حسين، للنيل من الكويت سواء في وسائل الإعلام، أو في المنظمات والاتحادات الاقليمية والعالمية، فبماذا كنا نرد عليهم؟ هل كنا نتبادل معهم عبارات السباب والشتائم؟ أبدا، كانت النقطة التي يستند عليها شبابنا الرائع في التصدي لإدعاءات المأجورين، أننا نختلف عنكم بشيء هام وجوهري، وهو أنه باستطاعتنا أن ننتقد نظامنا وكبار مسؤولينا، ونذهب بعدها إلى بيوتنا لننام فيها وسط أطفالنا!

فلماذا نتراجع اليوم عن مزايا كانت مصدر فخر لنا، قبل أن تصبح مصدر إعجاب عند الآخرين؟ إن محمد الجاسم يظل بالنهاية، كاتب رأي مهما كان قاسيا في نقده، وهو بالتالي صاحب فكر، وليس حامل سلاح، أو محرضاً على استخدامه! وقضيته اليوم دخلت منعطفا خطيرا، لايليق بنا في الكويت أن نشهد تفاصيلها، ونحن صامتون، فالرجل أطلق صرخة احتجاج على كيدية الاتهامات، وسلك في احتجاجه طريق الامتناع عن تناول الطعام ودواء القلب، وتدهورت صحته لهذا السبب، فإلى أين نحن سائرون؟!

وأنا لن أذهب مع ما ذهب إليه الزملاء الكتاب الذين فندوا التهم التي وجهت للجاسم، كالأستاذ أحمد الديين، والصديق داهم القحطاني، فمع إقراري بصحة ودقة ما كتبه الزميلان من تهافت التهم الموجهة للجاسم، إلا أنني سأذهب في افتراض أبعد وأخطر، وأقول: لو آمنا جدلا بأن التهم الموجهة للجاسم كانت فعلا تهما في محلها، فإن جملة من الأسئلة تثور في وجوهنا جميعا: مالداعي - أولا - إلى الاحتجاز؟ وما الداعي - ثانيا - إلى عدم تمكين أهله من الزيارة؟ وما الداعي - ثالثا - إلى منع محاميه من الالتقاء به؟ وما الداعي - رابعا - من منع حتى أصدقائه من الالتقاء به لإقناعه بالتوقف عن إضرابه عن تناول الطعام وعن تناول أدوية القلب الذي يعاني منه؟

إن الجميع يعرف أن فلسفة الاحتجاز وعدم تمكين المتهم من الالتقاء بأهله ومحاميه، تستند على الخشية من هرب المتهم وخوف سلطات التحقيق من معرفة المتهم لما يدور عن ظروف «الجريمة» في الخارج، ولكل ما يتعلق بها من أخبار ومعلومات، ربما يستفيد منها المتهم ويوظفها في ردوده وإجاباته في التحقيق! أما قضية الجاسم، فإن «الجريمة» - إذا افترضنا أن كتاباته مجرمة بفعل القانون - محصورة فيما كتبه الرجل، ولن يستفيد من أي معلومات في العالم الخارجي يمكن أن يستقيها من الأهل أو من المحامين! فالرجل سئل وسيسأل عما قاله في كتبه ومقالاته، لا عن أي شيء آخر!

والله لقد اغرورقت عيناي بالدموع، وأنا أكتب في خبر امتناع «بوعمر» عن الطعام وعن تناول دواء قلبه المثقل بالهموم، فور تلقيه من صديقه الأستاذ أحمد الديين، ذلك أني أعرف أن معاناته مع مرض القلب لا تحتمل مثل هذا القرار، وأعرف أيضا أن الرجل صلب وعنيد، وإذا اتخذ قرارا لا يتراجع عنه بسهولة، وها نحن اليوم نتفرج على صحة رجل تتهاوى أمامنا، حقيقة، لا أستطيع أن أقول أكثر، ففي الفم ماء.. وعسى الله أن يحفظ الكويت وأهلها من كل مكروه.

النهار

تعليقات

اكتب تعليقك