حزمة من الاصلاحات السياسية المستحقة يوردها أحمد الديين ، ويعتبر تقليص الدوائر خطوة لم تكتمل

زاوية الكتاب

كتب 1685 مشاهدات 0


 



حزمة إصلاحات سياسية مستحقة 
 
كتب احمد الديين
من دون تقليل من أهمية إجراء الإصلاحات المستحقة للتعليم، أو الاقتصاد الوطني، أو الإدارة الحكومية، أو التشريعات، أو التركيبة السكانية، أو سوق العمل، أو غيرها من مجالات الحياة العامة، التي تعاني اختلالات واضحة لابد من معالجتها ومحاولة إصلاحها، فإنّ الإصلاح السياسي هو المدخل الرئيسي والأول لعملية الإصلاح، فمن دونه لا يمكن أن تكتمل الإصلاحات الأخرى أو تتسق، بل ستكون في أفضل حالاتها خطوات جزئية؛ مترددة؛ متعثرة؛ ناقصة، وذات آثار محدودة.
وفي الوقت نفسه فإنّ الإصلاح السياسي، الذي هو مدخل أي إصلاح، سيكون إصلاحا غير مكتمل، بل ربما لن يحقق الهدف المرجو منه، ما لم تكن الخطوات الإصلاحية جزءا من نهج إصلاحي شامل... وأمامنا مثال واضح على ذلك، فقد شهدت الكويت في مثل هذه الأيام من شهر مايو من العام 2006 تحركات مطالبة بإصلاح النظام الانتخابي، وقد نجحت تلك التحركات في تقليص عدد الدوائر الانتخابية الخمس والعشرين الصغيرة واستحداث نظام الدوائر الخمس... وكان الأمل أن تقود تلك الخطوة إلى إصلاح النظام الانتخابي الفاسد والمعبوث به، وأن تحد من جرائم شراء أصوات الناخبين بالمال أو بما يسمى “الخدمات” وإنجاز المعاملات، والأهم أن تعيد الدوائر الخمس بعض الاعتبار إلى الطابع السياسي المفقود للعملية الانتخابية، التي تحوّلت مع مرور الوقت بعد تفتيت الدوائر الانتخابية من عشر إلى خمس وعشرين في العام 1980 إلى عملية سخيفة تستند إلى “العلاقات العامة” أو “العلاقات الاجتماعية” بين شخص المرشح أو عائلته وأنصاره مع جمهور الناخبين المحدود في الدوائر الصغيرة بعيدة عن أي محتوى سياسي، وذلك على خلاف ما يفترض أن تكون عليه الانتخابات النيابية، التي هي في جوهرها وأساسها عملية سياسية... ولكن شيئا من تلك الأهداف المنشودة لم يتحقق، بل ربما برزت سلبيات أخرى ومساوئ جديدة لم تكن قائمة من قبل في ظل النظام الانتخابي السابق، حيث تراجع دور القوى والتجمعات السياسية على نحو مؤسف؛ وتكرّس الطابع الفردي للعمل البرلماني أكثر فأكثر... وفي ظني أنّ السبب الأساسي لمحدودية تأثير تلك المحاولة الإصلاحية للنظام الانتخابي يتمثّل في أنّها كانت خطوة جزئية معزولة ولم تكن جزءا من نهج إصلاحي متكامل يضم حزمة من الإصلاحات السياسية المستحقة ذات الصلة... مثلما لا يكفي أن يتناول المريض نوعا وحيدا من الأدوية الموصوفة لعلاجه فيما يهمل الأنواع الأخرى، التي لا يكتمل العلاج من دون تناولها كحزمة، وهذا ما ينطبق مع الفارق على أمراضنا السياسية!
إنّ إصلاح النظام الانتخابي ما كان ممكنا له أن يتحقق عبر خطوة تقليص الدوائر وحدها، بل كان يتطلب حزمة إصلاحات... منها أولا ما يتصل بإصلاح النظام الانتخابي بدءاً من فرض حد أقصى للصرف المالي على الانتخابات والرقابة على تمويله وأوجه التصرف به، مرورا بتوفير الحماية القانونية من العقوبة للناخب الشاهد أو المتعاون مع التحقيق في جرائم شراء الأصوات، مترافقا مع إفساح المجال أمام مؤسسات المجتمع المدني، بل والمؤسسات الدولية للمشاركة في مراقبة نزاهة الانتخابات، وانتهاءً باستحداث عقوبة إلغاء نتيجة الانتخابات في حال إدانة النائب بالمشاركة في الانتخابات الفرعية... وأن تليها من جهة أخرى إصلاحات تستهدف تنظيم الحياة السياسية، إذ أنّ الخطوة الأهم في هذا المجال كانت ولا تزال تتمثّل في إشهار الأحزاب أو الجمعيات السياسية، التي يجب أن تتشكّل على أسس وطنية، بحيث يرتقي معها مستوى الممارسات السياسية؛ ويتوافر وفقها الأساس المطلوب للانتقال بالعملية الانتخابية والممارسة البرلمانية من وضعهما البائس الحالي إلى ما يفترض أن تكونا عليه بوصفهما عمليتين سياسيتين.
ومع الأسف فإنّ عدم استكمال خطوة تقليص الدوائر بالخطوات الإصلاحية الأخرى أدى إلى ما نحن عليه الآن، وهذا ما يتطلب الآن، بعد انقضاء أربع سنوات على التحركات المطالبة بالدوائر الخمس، إجراء تداول صريح وواضح حول سبل استكمال متطلبات الإصلاح السياسي واستحقاقاته، خصوصا بعدما تمت تجربة نظام الدوائر الخمس على أرض الواقع في دورتين انتخابيتين لفصلين تشريعيين، ولم تتحقق النتائج المرجوة منه لأنّ الخطوة لما تستكمل ولا تزال ناقصة!
 

عالم اليوم

تعليقات

اكتب تعليقك